قمة الفشل تجسدت

وليد احمد فتيحي

على مدى عقدين من الزمن كتبت وكتب معي كثيرون مئات المقالات عن مكافحة التدخين في بلادنا، وكتبنا عن التدخين السلبي وآثاره المدمرة على البريئين من أفراد المجتمع غير المدخنين الذين يدفعون ثمن هذه الخطيئة، دون أن يكون لهم ذنب لمجرد مجالستهم للمدخنين أو تواجدهم معهم في الأماكن العامة. وتحدث العلماء من منطلق الطب والدين، وكتبوا وفصلوا واقاموا المؤتمرات، وصدرت أوامر بمنع التدخين للموظفين أثناء أداء وظائفهم، وضُرب بكل ذلك عرض الحائط، وما زال التدخين يتفشى ويسري في مجتمعاتنا العربية كالنار في الهشيم، ففي السعودية البالغ تعداد سكانها 27 مليون نسمة هناك أكثر من 6 ملايين مدخن من الرجال والنساء يستهلكون أكثر من 40 ألف طن من السجائر، وتكلف أكثر من 5 بلايين ريال سعودي سنوياً، ونسبة التدخين عند النساء وخاصة الفتيات المراهقات في ازدياد مضطرد وقد تتعدى 600 الف امرأة مدخنة بناءً على إحصائيات صدرت من وزارة الصحة السعودية.
وقد تعدت الوفيات في العام الواحد 23 الفاً نتيجة الأمراض الناجمة عن التدخين، في المقابل نجد أن العالم كله من حولنا يحرز نجاحات ملموسة بل وباهرة في مكافحة التدخين، فعشرات الدول منعت التدخين منعاً باتاً في جميع الأماكن العامة ووضعت قوانين صارمة ضد كل من يخالف تصل إلى دفع مئات بل آلاف الدولارات، وتم تطبيق هذه العقوبات، وهناك دول أحرزت نجاحات كبيرة فانخفض التدخين فيها على مدى عقدين من الزمن إلى أكثر من النصف وهي في طريقها إلى التضييق على المدخنين إلى أن تصبح بلادهم خالية من التدخين.
والمؤلم في الأمر أن كل هذه الدول حققت ما حققت من نجاحات من منطلق حماية المجتمع من مضار التدخين السلبي وحماية غير المدخن من المضار التي تقع عليه من جراء التدخين في الأماكن العامة أي بمعنى آخر تطبيق القاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار).
ونحن في مجتمعاتنا الإسلامية وبوجود الحقائق العلمية التي لا شك فيها والنص الشرعي الواضح وفتوى علماء الدين بأن التدخين حرام أو على أقل الأمر من الخبائث الممنوعة شرعاً، وتعارض التدخين لأربع من الخمس مقاصد العليا للشريعة الإسلامية:
1) حفظ الدين. 2) حفظ النفس. 3) حفظ المال. 4) حفظ العقل.
نحن بالرغم من كل ذلك قد فشلنا في حماية غير المدخنين من إثم المدخنين وضررهم.
والعجيب في الأمر أن استقصاء قامت به احدى شركات التوظيف (Gulf Talent.com) في الشرق الأوسط، وجدت أن 98% يفضلون أن يُمنع التدخين في الأماكن العامة 54% منهم يطالبون بالمنع التام داخل جميع أماكن العمل، أما 44% فانهم يوافقون على أن تكون أماكن العمل بشكل عام خالية من التدخين ولكنهم يرون الحاجة إلى تخصيص مناطق محددة للمدخنين.
إنها قمة الفشل أن نعجز عن مكافحة التدخين بالرغم من وجود عوامل قوية مساعدة عندنا تفتقر لها الدول الأخرى، فالنصوص الشرعية واضحة في هذا الشأن ونحن أولى بتطبيق القاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار) في مجتمعاتنا الإسلامية.
وهذه القضية بالذَّات لن تفلح المساعي فيها إلاَّ بقرار صارم يُطبق وعقوبات تُنفذ كما ورد في القول المأثور (ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) فمتى سيكون ذلك؟.
فاكس: 6509659
okazreaders@imc.med.sa