لماذا ستفشل خطة تقسيم العراق؟

علي حسن التواتي

سبق أن استعرضت مجموعة البدائل التي كانت مطروحة أمام الإدارة الأمريكية كمخرج مشرّف من ورطتها في العراق والتي عرفت بخطة (ب) وبينها أطروحة السيناتور الجمهوري جون ماكاين بإرسال مزيد من القوّات إلى بغداد للسيطرة عليها وبالتالي على العراق، وأطروحة (الاحتواء) لمايكل أيشنشتات الداعي إلى ترسّم خطى البريطانيين في احتواء الثوار الشيوعيين في الملايو (1948-1960م) في التعامل مع الجماعات العراقية التي مازالت تحمل السلاح في وجه الاحتلال الأمريكي، وأطروحات الانسحاب الجزئي المتعددة ومنها أطروحة ريتشارد هولبروك الداعي للانسحاب التدريجي والتمركز مرحلياً في شمال العراق حيث الأكراد للسيطرة على باقي أنحاء العراق ولردع أية أعمال عنف بين الأكراد والأتراك ومنها أطروحة جورج فريدمان الذي يرى الاحتفاظ بقوة عسكرية رادعة دائمة لا تزيد على (40) ألفاً تتمركز في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع الاستفادة من وفورات تخفيض القوات الأمريكية في إعادة بناء وتسليح القوات العراقية الموالية. ثم أتت أطروحة زبجنيو بريجنسكي بعقد مؤتمر دولي يتوصل المشاركون من خلاله إلى عهد دولي بالتعاون لتحقيق استقرار العراق وإعادة بنائه. أما الأطروحة الأخيرة فهي مشتركة بين السيناتور ومرشح الرئاسة (الديمقراطي) جو بايدين وبين رئيس مجلس العلاقات الخارجية، الديمقراطي أيضاً، ليزلي جيلب وهي أشد الطروحات خطورة وتتمثل في تقسيم العراق إلى شمال وجنوب مع حكومة قوية في بغداد لردع من تسول له نفسه التمرد. وبتبني مجلس الشيوخ الأمريكي لهذه الأطروحة من خلال تشريع غير ملزم للرئيس يسمح بتقسيم العراق على أسس عرقيّة وطائفيّة حسب النموذج (البوسني) تكون المؤسسة التشريعية الأمريكية حزمت أمرها ونقلت هذا الطرح الأشد تطرفاً ومكراً وخدمة لإسرائيل من دائرة التقييم والمراجعة إلى دائرة التفضيل والاعتماد على كافة الطروحات الأخرى وأضفت عليه صبغة تشريعية رسمية تشكل ضغطاً كبيراً على الرئيس الحالي وعلى مرشحي الرئاسة القادمين ودعماً كبيراً لصاحبه (بايدين) في حملته الرئاسيّة، ولكنها في نفس الوقت تمنح مقدّماً من يجرؤ على تنفيذه من رؤساء السلطة التنفيذية دعماً تشريعياً قوياً يقترب من الإجماع (23:73) المطلق فلا يحتاج عند الأخذ به وتطبيقه على أرض الواقع إلى أية مناقشات إضافية أو أخذ وردّ مع المؤسسة التشريعية . هل ينجح هذا الخيار الذي وصفه (مارك كوندريك) رئيس تحرير إحدى الدوريات السياسية الأمريكية المهمّة بخيار (الفوز بقذارة) والذي سمح مجلس شيوخ الدولة التي تدّعي بأنها (راعية الحرّية والديمقراطيّة في العالم) باعتماده لتمكين سلطتها التنفيذية من التدخل السافر في شؤون دولة أجنبية وتفتيتها بالقوّة العسكرية ؟! أول الإجابات أتت من مرشّح الرئاسة الجمهوري الأوفر حظاً (جون ماكاين)، الذي يؤيد خطّة الرئيس بوش الحالية بالاستمرار في سحق المقاومة العراقية وعدم الإعلان عن أي خطط للانسحاب في المستقبل المنظور، مؤكداً على أن كافة التجارب التاريخية في تقسيم الدول على أسس عرقيّة أو دينيّة أو طائفيّة أثبتت فشلها الذّريع. ويرى أن نموذج (البوسنة) الذي يستند عليه طرح منافسه (بايدين) لما يمكن أن تصبح عليه أي دولة بعد تقسيمها هو في حدّ ذاته نموذج للفشل الذّريع لا للنجاح، فتقسيم يوغسلافيا السابقة تم فعلاً ولكن ماذا عن الوجود العسكري المكثّف المستمرّ هناك؟ وإلى متى سيستمر؟ ولا ينسى (ماكاين) الإشارة لتجارب تاريخية أخرى مثل تقسيم (فلسطين) والهند وغيرها من الدول، حيث أن التقسيم قاد إلى نتائج وخيمة للغاية. ويضيف (ماكاين) أن دراسة البدائل الأخرى سواء تمثلت في تجميع القوّات الأمريكية في مواقع مختارة داخل أو خارج العراق، أو حتى تقسيم العراق إلى ثلاث دول مستقلة أثبتت بأنها لن تنتهي نهاية سعيدة. ونحن نضيف إلى رؤية السيناتور (ماكاين) بعدم صلاحية النموذج البوسني للتطبيق في العراق بعض العوامل التي خفيت على (بايدن) من أهمها أن الوسط الجيو/سياسي المتضامن المحيط بالبوسنة لا يشبه أبداً الوسط المتنافر المحيط بالعراق، والتقسيم العرقي والديني كان أكثر وضوحاً في البوسنة منه في العراق، فالبوسنيون ينحدرون من ثلاث عرقيات متجانسة دينياً وطائفياً هي (الصرب السلاف الأرثوذوكس)، و(الكروات الآريون الكاثوليك) و (البوسنيون الترك المسلمون). لكن العراقيين الشيعة ليسوا كلهم من الفرس و(أغلبيتهم) من العرب، والسنّة ليسوا كلهم من العرب فهم يشتركون مع الأكراد والتركمان في المذهب، بل ان الأسرة الواحدة في العراق تتعدد في مذاهبها ودياناتها، هذا إذا ما تجاوزنا العشائرية والانتماءات الإقليمية المحليّة. وعلى الأرض لا يمكن من الناحية العملية تحديد مناطق واضحة المعالم في العراق لإثنيات أو ديانات أو طائفيات بعينها كما في البوسنة إلا بتنفيذ عمليات تطهير عرقي عنيفة لابد أن ترقى إلى مستوى الحرب الأهلية التي يمكن أن تجرّ كافة القوى الإقليمية والدولية ذات المصلحة لأتونها على أسس قومية إن لم تكن عقائدية أو حتى مصلحيّة من منطلق إفشال نموذج يمكن أن يُعمم في حال نجاحه على عدّة دول كبرى في المنطقة المضطربة. لذلك من الخير للجميع المحافظة على التركيبة العراقية الفريدة من نوعها في تعدد أطيافها وتنوعها وانسجامها وتجنب الزج بالمنطقة، باعتماد مثل هذه الخطط الرعناء، في أتون محرقة ستأتي بالتأكيد على دور الولايات المتحدة ذاتها العالمي كدولة عظمى متفرّدة..
altawati@yahoo.com