ناقد أردني: ابن خلدون تأثر بالموحدين وابن رشد

عالج «مفهوم الأدب في الخطاب الخلدوني»

عبد الجبار أبو غربية (عمان)

صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، كتاب للناقد الأدبي الأردني الدكتور غسان عبد الخالق بعنوان «مفهوم الأدب في الخطاب الخلدوني» الذي يذهب مؤلفه إلى حد الزعم «بوجود تأثير خاص للموحدين على جهود ابن خلدون». ويشير عبد الخالق الى «اهتمام المهدي بن تومرت بالعامة واتجاهه الى مخاطبتهم بلغاتهم مستثيرا حميتهم الدينية بذكاء، فكان له ما أراد، إذ التف هؤلاء العامة من حوله وكان لهم دور رئيس في إسقاط حكم المرابطين»، كما يشير إلى التفاف ابن خلدون الى هذا الدور المهم الذي غدا العامة يضطلعون به، خاصة أن زمنه كان يشهد تراخيا في قبضات الدول المركزية فعمد الى تسجيل آداب العامة ولغاتها في سياق موازٍ للآداب الخاصة ولغاتها. ويقول «وللحق، فإن هناك من سبق الموحدين الى الاهتمام بالعامة وحاول تجسير المسافة بين آدابهم وآداب الفصحى»، لافتا الى مساهمة ابن حزم التي تضمنها كتاب «التقريب لحد المنطق» مبينا أن الصلة بين ابن حزم الظاهري والحكم الموحدي ليست مما يخفى على الباحث البصير، ويرى أن ابن خلدون وجد في بيئة جعلته مهيأ لوعي هذا الدور المهم للعامة والتعبير عنه، فهي بيئة لم تعدم الاهتمام بلغة العامة وآدابها من موشحات وأزجال بشكل عام، وتطرق الى أهم علمين أنجبتهما الدعوة الموحدية، ألا وهما ابن رشد الذي اهتم بالفلسفة والشريعة والفقه، وابن مضاء الذي اهتم باللغة والنحو، مبينا تأثير الثاني على آراء ابن خلدون في اللغة من حيث الدعوة الى عدم التفريغ والتعقيد مما يعني بداهة العودة باللغة الى أصولها، كما يشير الى تأثير الأول على آراء ابن خلدون في الأدب، مع أنه (أي ابن رشد) قد اطلع على شرح كتاب أرسطو عن الشعر.ويتوقف عند هذه الظاهرة مليا مرجحا القول بإطلاع ابن خلدون على جهود ابن رشد، ومدللا على ذلك بما أورده لسان الدين ابن الخطيب من شروح لابن خلدون على كتب ابن رشد.ويدعو الى قراءة «مقدمة ابن خلدون» في إطار محددات منها أن ابن خلدون وجد في زمن كانت فيه دولة الموحدين آلت الى التمزق وانحسر نفوذها وهيمن الجمود على الحياة الثقافية والعقلية وبروز موقف حاد من الفلسفة وعلم الكلام اللذين ازدهرا في ظل الموحدين، إضافة الى ارتحال ابن خلدون الى مصر المحافظة في موقفها من الفلسفة وعلم الكلام، بعد أن وضع المقدمة بسنوات قليلة، وقيامه بتعديل وتنقيح غير فصل في المقدمة، أثناء إقامته حتى وفاته.ويناقش عبد الخالق الظروف التي دفعت ابن خلدون الى إخفاء تأثره بالرشدية مبينا انه ربما جاء بهدف التقليل من شأن علاقته بالموحدين، ويدلل على أن ابن خلدون قام بما هو اكثر من تعديل على مقدمته في اثناء اقامته في مصر، وذلك من الفصل الذي ابطل فيه الفلسفة وعدها في طليعة العلوم الطبيعية عندما تكلم على أصناف العلوم الواقعة في العمران أي بما يتفق مع رأي ابن رشد في تصنيف العلوم وبما لا يشي بأي موقف تجاه الفلسفة وكذلك الأمر في شأن الصوفية، إذ أقرها في (مقدمته) بعد ان كان قد انكرها في (الشفاء).
ويقول عبدالخالق «وعلى هدي من هذه الرؤية، لم نجد مانعا في ترجيح تأثير الموحدين أو المذهب الظاهري أو الرشدية في آراء ابن خلدون».ويضيف «أن تأثر ابن خلدون بالموحدين لا ينبغي أن يدفعنا الى التفتيش عن ملامح لهذا التأثير في كل ما كتب، خاصة اذا وضعنا نصب أعيننا ما سبق وأن ذكرناه من أمر المضمر في (المقدمة)، الذي ينطبق على ابن خلدون كما ينطبق على غيره».
ويناقش عبد الخالق آراء ابن خلدون في اللغة مبينا أنه رأى أن صناعة اللغة قد تورث علما باللغة ولكنها لا تورث حسا بها، حيث يخلص الى أن علوم اللغة ليست بالضرورة مما يوصل المرء الى مراتب البلاغة أو الفصاحة أو القدرة على عمل الشعر.