أأحج هذا العام أم لا ؟
الاثنين / 23 / ذو القعدة / 1428 هـ الاثنين 03 ديسمبر 2007 21:14
وليد احمد فتيحي
في مثل هذا الوقت من كُلِّ عَامٍ أدخل في نقاش مع نفسي أأذهب للحج هذا العام وقد حججت مرِّات عديدة أم أترك المجال لغيري؟.. وأسأل نفسي أيهما أولى وأبر عند الله؟..
ولو كان رسول الله بيننا ورأى حالنا فما تراه يكون أمره صلى الله عليه وسلم لنا، ولو تجسد فقه الأولويات في عالم ونطق فما الذي كان يقول ويُفتي لنا به.
أصبح الحج عند كثير من أصحاب المقدرة والدخل العالي سهلاً ميسراً، وأسباب الراحة والرفاهية متوفرة إلى الحد الذي يخفف كثيراً من معاناة الحج لتصبح رحلة الحج السنوية لهم أقرب ما تكون إلى رحلة دينية سنوية يحرصون عليها كل عام...
ولكن ما الضير في ذلك؟..
وإليكم النقاش الذي يدور في نفسي كل عام، تقول لي نفسي هذه فرصة لا تأتي في العام إلاَّ مرة واحدة .. أياماً معدودة، وتعود بعدها نظيفاً طاهراً نقياً كيوم ولدتك أمك، فتتزود في هذه الأيام زاد عامك كله، وقد آتاك الله الصحة والعافية والوقت والمقدرة المادية فما عذرك؟.. بل وكثير من زملائك وأصحابك وأحبابك من يحج كل عام وفي هذا متعة مصاحبة الأحباب ومرافقتهم في مثل هذا المكان والزمان والموقف العظيم .. إنها حقاً متعة لا تعوض وان لم تفعل فستندم ككل عام عندما يراسلك أصحابك من هناك عبر الهاتف، وعندما ترى أصحابك وأصدقاءك عائدين من الحج وقد فازوا بها وخسرتها أنت..
فأجيبها قائلاً .. إن الله فرض الحج علينا مرَّة في العمر لحكمة إلهية، وقد حججت مرات عديدة لا مرَّة واحدة..
وقد يكون من حكمة ذلك محدودية المكان والزمان، فاذا افترضنا أن معدل الحجاج سنوياً 2 مليون حاج، وسنوات العمر التي يستطيع فيها الإنسان القيام بهذا الركن ما بين سن العشرين والسبعين أي حوالي 50 سنة، وبعملية حسابيه بسيطة نجد أنه باستمرار هذا المعدل لن يستطيع أن يحج سوى مائة مليون مسلم فقط خلال خمسين عاماً، وإذا كان عدد المسلمين حوالي ألف وخمسمائة مليون مسلم، وبفرض أن المسلمين لن يزيد عددهم خلال خمسين عاماً (وهذا غير صحيح أيضاً، والغالب انه سيتضاعف باذن الله)، واذا افترضنا ايضاً ان المائة مليون الذين سيحجون خلال خمسين عاماً ليس بهم من حج أكثر من مرَّة واحدة (وهذا غير صحيح ومخالف للواقع إذ أن مجموعة كبيرة من المسلمين يحجون عشرات المرَّات ومنهم من يحج كل عام)، لو افترضنا كل هذه الفرضيات لتبسيط الحساب لوجدنا أن نسبة المسلمين الذين سيحجون خلال خمسين عاماً تشكل أقل من 7% أي بمعنى آخر أن 93% من المسملين حول العالم لن يتمكنوا من أداء فريضة الحج - هي أحد أركان الإسلام الخمسة – طوال حياتهم. أما إذا قمنا بالحساب الصحيح الدقيق وأخذنا بعين الاعتبار ازدياد عدد المسلمين خلال خمسين عاماً، وكذلك عدد المسلمين الذين يحجون مرَّات عديدة، فإن الصورة تصبح أسوأ من ذلك بكثير، ونسبة المسلمين الذين سيموتون دون أن يؤدوا فريضة الحج ستزيد عن 93%. أليس الأولى أن نطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» كم من المسلمين الضعاف في أرجاء المعمورة يحلمون بحج بيت الله الحرام، ويَمنعهم العجز المادي عن القيام بهذا الركن العظيم .. أليس الأولى بمن يحج كل عام أن يحتضن مُسلماً يتكفل بمصاريف حجه كاملة بِنِيَّة مساعدته للقيام بالحج فيكون له الأجر المضاعف، أجر مساعدة مسلم على تأدية حجة العمر، وأجر مماثل له بإذن الله، وأجر إيثاره أخيه على نفسه ويكون لمخالفة هواه ثُقل في ميزان حسناته يضاف إلى ذلك، والله أعلم بما في قلوبكم.
أليس من الأنانية أن لا نفكر في إخواننا وأخواتنا في أقطار المعمورة الذين لا يستطيعون الحج ولا يقدرون على تكاليفه المادية؟.. هل هو انعكاس لمرض أخطر قد استحوذ على عقول وقلوب المسلمين؟.. ليس هذا فحسب بل إن الدولة المخولة بترتيب الحج كل عام قد وضعت قراراً حكيماً بعدم إعطاء رخصة حج لمن حج بيت الله سابقاً إلاَّ بعد 5 سنوات من حجته الأولى إلا إذا كانت الحجة لمرافقة محرم أو أن يكون الحاج رئيساً لبعثة أو طبيباً لها، وفي هذا مرونة كافية لأصحاب الحجة الواضحة، أما أن تحج كل عامٍ على مدى عقود من الزمن ولا تفكر في إخوانك وأخواتك في مشارق الأرض ومغاربها فهذا يحتاج إلى وقفة ومراجعة وتأمل وعمق تفكير في فقه الأولويات، أليس فيها إضافة لذلك مخالفة لولي الأمر؟..
أليس من حكم الحج وفوائده أن يأتي المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها ليشهدوا منافع لهم، فمكة بمثابة قلب الأمة الإسلامية والعالم كله التي يُضُخ إليها الدماء من أطراف متباعدة من جسد هذه الأمة العظيمة، ومن القلب يذهب إلى الرئتين لِيُنقَّى ويعود ثانية إلى أطراف جسد الأمة، ويضخ ثانية إلى أطراف جسد الأمة الإسلامية ليُعيد لها الحياة … فأين نحن من هذه الحكمة؟..
صراع ونقاش يدور في نفسي في هذا الوقت من كل عام وسؤال أبحث له عن إجابه. ما الذي يقتضيه فقه الأولويات؟.. وما هو الأولى لمن أكرمهم الله أن يعيشوا في هذه البلاد؟..
أن يحجوا كل عام أو أن يتكفل كل واحد منهم بتكلفة حاج لم يكتب الله له الحج إلى بيت الله نظراً لظروفه المادية؟..
أما عن نفسي فقد اخترت لها أن تساهم في تحقيق أمنية الملايين من اخواننا واخواتنا المسلمين الذين حال بينهم وبين الحج تكلفته المادية.
وانني أظن أن هذا ما يأمله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من أبناء هذا البلد الكريم، تفعيلاً وتصديقاً وامتثالاً وتطبيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم «والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس إدارة المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659 - okazreaders@imc.med.sa
ولو كان رسول الله بيننا ورأى حالنا فما تراه يكون أمره صلى الله عليه وسلم لنا، ولو تجسد فقه الأولويات في عالم ونطق فما الذي كان يقول ويُفتي لنا به.
أصبح الحج عند كثير من أصحاب المقدرة والدخل العالي سهلاً ميسراً، وأسباب الراحة والرفاهية متوفرة إلى الحد الذي يخفف كثيراً من معاناة الحج لتصبح رحلة الحج السنوية لهم أقرب ما تكون إلى رحلة دينية سنوية يحرصون عليها كل عام...
ولكن ما الضير في ذلك؟..
وإليكم النقاش الذي يدور في نفسي كل عام، تقول لي نفسي هذه فرصة لا تأتي في العام إلاَّ مرة واحدة .. أياماً معدودة، وتعود بعدها نظيفاً طاهراً نقياً كيوم ولدتك أمك، فتتزود في هذه الأيام زاد عامك كله، وقد آتاك الله الصحة والعافية والوقت والمقدرة المادية فما عذرك؟.. بل وكثير من زملائك وأصحابك وأحبابك من يحج كل عام وفي هذا متعة مصاحبة الأحباب ومرافقتهم في مثل هذا المكان والزمان والموقف العظيم .. إنها حقاً متعة لا تعوض وان لم تفعل فستندم ككل عام عندما يراسلك أصحابك من هناك عبر الهاتف، وعندما ترى أصحابك وأصدقاءك عائدين من الحج وقد فازوا بها وخسرتها أنت..
فأجيبها قائلاً .. إن الله فرض الحج علينا مرَّة في العمر لحكمة إلهية، وقد حججت مرات عديدة لا مرَّة واحدة..
وقد يكون من حكمة ذلك محدودية المكان والزمان، فاذا افترضنا أن معدل الحجاج سنوياً 2 مليون حاج، وسنوات العمر التي يستطيع فيها الإنسان القيام بهذا الركن ما بين سن العشرين والسبعين أي حوالي 50 سنة، وبعملية حسابيه بسيطة نجد أنه باستمرار هذا المعدل لن يستطيع أن يحج سوى مائة مليون مسلم فقط خلال خمسين عاماً، وإذا كان عدد المسلمين حوالي ألف وخمسمائة مليون مسلم، وبفرض أن المسلمين لن يزيد عددهم خلال خمسين عاماً (وهذا غير صحيح أيضاً، والغالب انه سيتضاعف باذن الله)، واذا افترضنا ايضاً ان المائة مليون الذين سيحجون خلال خمسين عاماً ليس بهم من حج أكثر من مرَّة واحدة (وهذا غير صحيح ومخالف للواقع إذ أن مجموعة كبيرة من المسلمين يحجون عشرات المرَّات ومنهم من يحج كل عام)، لو افترضنا كل هذه الفرضيات لتبسيط الحساب لوجدنا أن نسبة المسلمين الذين سيحجون خلال خمسين عاماً تشكل أقل من 7% أي بمعنى آخر أن 93% من المسملين حول العالم لن يتمكنوا من أداء فريضة الحج - هي أحد أركان الإسلام الخمسة – طوال حياتهم. أما إذا قمنا بالحساب الصحيح الدقيق وأخذنا بعين الاعتبار ازدياد عدد المسلمين خلال خمسين عاماً، وكذلك عدد المسلمين الذين يحجون مرَّات عديدة، فإن الصورة تصبح أسوأ من ذلك بكثير، ونسبة المسلمين الذين سيموتون دون أن يؤدوا فريضة الحج ستزيد عن 93%. أليس الأولى أن نطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» كم من المسلمين الضعاف في أرجاء المعمورة يحلمون بحج بيت الله الحرام، ويَمنعهم العجز المادي عن القيام بهذا الركن العظيم .. أليس الأولى بمن يحج كل عام أن يحتضن مُسلماً يتكفل بمصاريف حجه كاملة بِنِيَّة مساعدته للقيام بالحج فيكون له الأجر المضاعف، أجر مساعدة مسلم على تأدية حجة العمر، وأجر مماثل له بإذن الله، وأجر إيثاره أخيه على نفسه ويكون لمخالفة هواه ثُقل في ميزان حسناته يضاف إلى ذلك، والله أعلم بما في قلوبكم.
أليس من الأنانية أن لا نفكر في إخواننا وأخواتنا في أقطار المعمورة الذين لا يستطيعون الحج ولا يقدرون على تكاليفه المادية؟.. هل هو انعكاس لمرض أخطر قد استحوذ على عقول وقلوب المسلمين؟.. ليس هذا فحسب بل إن الدولة المخولة بترتيب الحج كل عام قد وضعت قراراً حكيماً بعدم إعطاء رخصة حج لمن حج بيت الله سابقاً إلاَّ بعد 5 سنوات من حجته الأولى إلا إذا كانت الحجة لمرافقة محرم أو أن يكون الحاج رئيساً لبعثة أو طبيباً لها، وفي هذا مرونة كافية لأصحاب الحجة الواضحة، أما أن تحج كل عامٍ على مدى عقود من الزمن ولا تفكر في إخوانك وأخواتك في مشارق الأرض ومغاربها فهذا يحتاج إلى وقفة ومراجعة وتأمل وعمق تفكير في فقه الأولويات، أليس فيها إضافة لذلك مخالفة لولي الأمر؟..
أليس من حكم الحج وفوائده أن يأتي المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها ليشهدوا منافع لهم، فمكة بمثابة قلب الأمة الإسلامية والعالم كله التي يُضُخ إليها الدماء من أطراف متباعدة من جسد هذه الأمة العظيمة، ومن القلب يذهب إلى الرئتين لِيُنقَّى ويعود ثانية إلى أطراف جسد الأمة، ويضخ ثانية إلى أطراف جسد الأمة الإسلامية ليُعيد لها الحياة … فأين نحن من هذه الحكمة؟..
صراع ونقاش يدور في نفسي في هذا الوقت من كل عام وسؤال أبحث له عن إجابه. ما الذي يقتضيه فقه الأولويات؟.. وما هو الأولى لمن أكرمهم الله أن يعيشوا في هذه البلاد؟..
أن يحجوا كل عام أو أن يتكفل كل واحد منهم بتكلفة حاج لم يكتب الله له الحج إلى بيت الله نظراً لظروفه المادية؟..
أما عن نفسي فقد اخترت لها أن تساهم في تحقيق أمنية الملايين من اخواننا واخواتنا المسلمين الذين حال بينهم وبين الحج تكلفته المادية.
وانني أظن أن هذا ما يأمله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من أبناء هذا البلد الكريم، تفعيلاً وتصديقاً وامتثالاً وتطبيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم «والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
* طبيب استشاري، ورئيس مجلس إدارة المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659 - okazreaders@imc.med.sa