وصفة سياسية لحل المشكلة العراقية

د. طلال صالح بنان

العنف في العراق ما زال هو السائد لوصف الحالة الأمنية الآخذة في التدهور هناك. رغم الهدوء الذي شهده العراق، في فترة الثلاثة الأشهر الأخيرة، بسبب ما قيل عن نجاح الحملات الأمنية والعسكرية المشتركة بين القوات العراقية والامريكية، في أماكن التوتر غرب العراق ووسطه.. وبسبب ما قيل عن التحالف الجديد بين حكومة بغداد والجيش الأمريكي، من ناحية، وعشائر الأنبار وبعض العشائر العربية السنية في وسط العراق، من ناحية أخرى، إلا أن أعمال العنف قد تزايدت الأسبوع الماضي. يوم الأربعاء الماضي حدثت أكثر الهجمات عنفاً ودموية، طالت أربع مدن عراقية، من بينها بغداد، حيث وقع انفجار في مسجد قرب المنطقة الخضراء، بينما كان وزير الدفاع الأمريكي يجتمع مع مسؤولين عراقيين. يبدو أن الهدوء النسبي الذي شهده العراق في الفترة الأخيرة، قد بلغ منتهاه لتبدأ مرحلة جديدة من التصعيد وعدم الاستقرار، تستقبل بها الحكومة العراقية في المنطقة الخضراء من بغداد والجيش الأمريكي، عاماً جديداً من العنف وعدم الاستقرار في العراق، الذي قد يخرجه عن نطاقه المحلي الضيق، ليسبب حالة من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، بأسرها. الأسبوع الماضي تجاوزت الخسائر البشرية المعلن عنها من قبل الجيش الأمريكي في العراق 3850 جنديا، منذ بدء العمليات العسكرية في العراق، في مارس 2003. هناك احتمال كبير، في ما لو استمرت الهجمات بعنفها التي ذكره قائد القوات الأمريكية في العراق، يوم الخميس الماضي،أن تقترب الخسائر البشرية للجيش الأمريكي في العراق، من رقم الأربعة آلاف، بنهاية العام... وهي، بالقطع ستتجاوز، هذا الرقم بحلول الذكرى الخامسة للغزو، في مارس من العام القادم.
حتى مع ما تقوله مصادر الجيش الأمريكي في العراق من ربط أعمال العنف بتنظيم القاعدة، فإن المشهد السياسي داخل المنطقة الخضراء، يسوده التوتر وعدم الاستقرار، مما يعكس الخلفية السياسية الحقيقية لحالة العنف، التي يشهدها العراق وتعبر عن نفسها في شكل عمليات انتحارية يائسة تصيب العراقيين، قبل أن تقض مضاجع الأمريكيين.
يوماً بعد يوم تثبت الصيغة الطائفية، التي تشكلت بها الحكومة الخضراء عدم ملاءمتها السياسية، لاقتسام موارد السلطة السياسية في البلاد. حكومة المالكي لا تستطيع أن تتجنب تحيزها الطائفي، في ما يخص نظرتها للمشكلة الأمنية في البلاد، وكذا نظرتها تجاه التيارات السياسية، العاملة على الساحة السياسية. ليس فقط من الناحية السياسة، أظهرت حكومة المالكي تحيزها الطائفي، ولكن ذلك أمتد إلى سياستها الإقليمية. بالإضافة إلى أن الحكومة العراقية، ركزت كثيراً على الوظيفة الأمنية، وأهملت وظائف ومسؤوليات أخرى تجاه الشعب العراقي. لا يعاني العراق، فقط من مشكلة أمنية، بل من مشاكل سياسية واجتماعية وخدمية وثيقة الصلة بالحياة اليومية للمواطن العراقي الحالي. كل تلك المشاكل، في التحليل الأخير، تصب في مصلحة من هم وراء التوتر وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، في العراق.
الحل الأمني ليس الأداة التي يمكن من خلالها حسم الأوضاع غير المستقرة في العراق... كما أن التعامل مع المشكلة الأمنية والسياسية، بعيداً عن حالة الاحتلال التي يرزح تحتها العراق، منذ الغزو، ليس أكثر من غرز الرؤوس في الرمال، يمكن أن يمنع رؤية ما يحدث ولكن لا يمكن أن يضمن الأمن والاستقرار، في المحيط الذي يتفاعل من حوله.
ما لم يُبحث عن صيغة “توافقية” تضمن الحد الأدنى من المشاركة السياسية لجميع أطياف الشارع السياسي، في ظل نظام تعددي يبتعد، قدر المستطاع عن شبح الطائفية وقيمها السياسية والمذهبية الحادة الفواصل والحدود، تضمن للجميع تداولاً سياسياً سلمياً للسلطة أو المشاركة فيها، فإن من الصعب توقع استقراراً في العراق... دعك من تصور عودة الدور الإقليمي التاريخي الفاعل للعراق، كأحد رموز وأركان معادلة التوازن الإقليمي للمنطقة، ضماناً لاستقرارها وأمنها.
بدون الوصول إلى هذه التعددية التوافقية السلمية للتعامل مع المشكلة السياسية للعراق، يصعب التحكم في الأوضاع الأمنية.. ويصعب تصور احتمال إعادة إعمار العراق. ثم إن العراقيين، في الأمدين القصير والمتوسط، يجب ألا يرهنوا مواقفهم وعملهم السياسي، بمتغير الاحتلال. الكل يجب أن يسعى، بإخلاص، لزوال حالة الاحتلال.. والكل يجب أن يسعى، وبإخلاص أيضاً، لضمان وحدة العراق واستقلاله.. وألا يدور في الذهن، بأي حال من الأحوال، أن يكون البديل للاحتلال عقد أي تحالف إقليمي، مع أي طرف غير عربي في المنطقة.. أو، لا سمح الله، التفكير في خيار تقسيم العراق.
مصلحة الجميع، في العراق وخارجه، سيادة الأمن والاستقرار.. والحفاظ على وحدة العراق الإقليمية.. والتمسك بانتماء العراق العربي. متى عمل ساسة العراق، بموجب هذه الخطوط العريضة التي تحدد معالم السلام في العراق والمنطقة، يعود الأمن والاستقرار للعراق ويحتفظ العراق بدوره التاريخي كأحد أركان استقرار المنطقة وأمنها.