كتاب ومقالات

نهاية رجل أحمر

عبده خال



صالح المنصور شخصية ألف عليها مثقفو الرياض، وألفنا مشاهدته في كل المناسبات الثقافية التي كانت تحدث في العاصمة.

شخصية واجهتها الثقافة المحلية باستهانة.

صالح المنصور أعلن عن انتمائه الأحمر في زمن الانغلاق فأحدث نفورا منه ومن آرائه التي كان النطق بها يعد جريمة.. ويبدو أن المنصور كان مصمما على تحدي نفسه بإعلان أنه رجل أحمر حتى بعد سقوط الماركسية على يد الزعيم الروسي غورباتشوف عندما طبقت سياسته (وبيريسترويكا) وأنهى الحرب الباردة مع أمريكا محاولا دفع الكتلة الاشتراكية مجتمعة للتحول التدريجي إلى الاقتصاد الرأسمالي.. هذا التوجه تلقته الأحزاب الاشتراكية في العالم العربي كصدمة عنيفة حتى أن رئيس الحزب الاشتراكي في عدن أعلن رغبته في مناظرة غورباتشوف وإفهامه معنى الاشتراكية.!

وسقطت الاشتراكية في عقر دارها، ومع أني لا أؤمن بسقوط الأفكار وإنما خفوتها، وهو ما حدث للاشتراكية من خلال سقوط المركز بينما ظلت الأفكار شاغلة لأذهان المنتمين إليها، وهذا ما حدث لصالح المنصور ظل مؤمنا بأفكاره، يعلن عنها في كل محفل، حاملا ملفات وكتبا يهديها لضيوف المؤتمرات واللقاءات الثقافية ولو استطاع اجتزاء الوقت من أي ضيف في الملتقى الثقافي فإنه يشحذ ذاكرته للتذكير بالعهد القديم الذي تنبأ بخلاص إنسان من توحش الرأسمالية وفي كل مرة التقيت به أجده وحيدا يسير بزيه الثابت منذ عشرات السنوات وليس ثابتا فيه سوى ربطة العنق الحمراء.

ولاحظت أن وحدته خفت في المحافل الثقافية وغدا يجالس المثقفين حتى وإن كان صامتا، حدث هذا في السنوات القليلة عندما انفتحت الأبواب إزاء أي أفكار سواء تكتب أو تقال فقد تخفف المثقفون من حساسية الخوف من مجالسة رجل أحمر أعلن أنه آخر اليساريين.

وأعتقد أن كل قارئ لرواية يتمنى مشاهدة شخصية البطل في واقعها الحقيقي إلا أن صالح المنصور كان رواية تسير على الأرض وتتنقل بين المشاهد في دراما لم تعد بحاجة إلى التصعيد واحتباس الأنفاس فظلت تسرد واقعها بمشاهد عادية تماما، وفي صباح الأمس كان مشهد النهاية، كما يحدث في قصص المبدع تشخوف الذي اتسمت قصصه بالنهايات الفاجعة، كانت نهاية صالح المنصور التي لم تكن تريد سوى مركبة تدهس هذه الشخصية السائرة في الهامش، وكأنها كانت تساعد على اختطافه من قارعة الطريق.

Abdookhal2@yahoo.com