ثقافة وفن

ثعلبٌ ينامُ في حدائقِ السرياليِّين

نمر سعدي

منذُ سنينَ طويلة وأنا لا أفعلُ شيئاً، فقط أُحوِّل أغاني اليوتيوب إلى مناديل ورقيَّة رقيقة أسحبها بلطفٍ بالغٍ من لابتوبي الشخصي وأمسح بها الدموع التي تتكوَّرُ على ضفافِ قلبي.

**

قصيدتي إمرأةٌ صامتةٌ لا تصهَلُ كأحصنةِ نزار قباني، ولا تذرعُ دهاليزَ التبغِ كالسيَّاب، وقطعاً لا تحبو على الأرضِ عاريةً كجدِّها جرير، ولا تصطحبُ عشيقها في رحلةٍ نهريَّةٍ.

الشيء الوحيدُ الذي تفعلهُ عندما تأتي هو أن تمدَّ يدَها النحيلةَ مثلَ عودِ ثقابٍ، وبدهشةِ طفلٍ غجريٍّ تُشعلُ وردةَ دمي المطفأةْ.

**

ظلُّكِ ثلاثيُّ الأبعادِ

كسرَ أصابعَ البيانو بأناقةِ عاشقٍ

وأعادَ قصبَ حنيني إلى النبعِ

ومزَّقَ مخطوطةَ قصائدي

وبعثرَها حولَ بيتي

ثمَّ جلسَ على أريكتي

ينفثُ غيمَ سجائرهِ على وجهي

**

لأيلولَ صوتُ قطَّةٍ يتيمةٍ

قرعَتْ بابَ أوَّلِ غيمةٍ ساهرةٍ

ورمقتني بحنوِّ يكفي لانصبابِ الشتاءِ في قلبي

في تلكَ الليلةِ لم أكن وحيداً تماماً

كانَ ثمَّةَ قصيدةٌ تتفتَّحُ في يدي وجهَ أقحوانةٍ

تنزعُ يدُ الليلِ أوراقها بغباءٍ بالغٍ

عرفتُ بالصدفةِ بعدَ ثلاث سنواتٍ

أنَّ ضيفتي الطارئةَ لم تكن مجرَّدَ قطةٍ حزينةٍ

كانت رمادَ جسدِ شاعرةٍ يجوبُ الأرضَ وهو يشتعلُ

على هيئةِ قطَّة

**

كلَّ يومٍ أتفحَّصُ دمي

هل ما زالَ يخفقُ في الشرايين؟

أتنشَّقُ صوتَ فيروز

هل ما زالَ يحتفظُ برائحةِ وردةِ النارنج؟

أسألُ ألفَ قناةٍ عالميَّةٍ

عن رحيلِ الحروبِ الأخيرة

أتأكَّدُ من أنَّ التفاصيلَ الصغيرةَ

ما زالت موجودةً في حياتي

كأن أُفكِّر بقلبِ امرأةٍ مُغلقٍ منذُ شهرين

وأنا أدخلُ في سحابةٍ مرتحلة

**

قالَ شاعرٌ كهلٌ لشاعرٍ شاب:

لا تكن تعيساً مثلي

ولا تحوِّل عمرَك لدواوين حبٍّ طويلةٍ

لامرأةٍ لا تستحقُّ حرفاً منها

في النهايةِ وبعدَ فواتِ الأوان

لا فرقَ بينَ نظراتِ العاشقِ والأبله

**

مهرةٌ جامحةٌ

ليسَ من عادتي أن أسجنَها في قلبي

مكسَّرِ السياجِ والعرباتِ

تعلَّمتُ أن أضعَ فمي على وجهها

هامساً لها برفقٍ: كم أُحبُّكِ

ثمَّ أفتحُ لها بوَّابةَ جسدي السماويَّة

**

يدُكِ التي تزورُ الأنهارَ الجافَّة كلَّ ليلةٍ

هيَ نفسُها الوردةُ البيضاءُ

التي كانَ يحملها إدغار ألن بو معهُ إلى النومِ

وهيَ الفراشةُ التي أخذتْ معها ناياتِ الغجرِ إلى بيتها القمريِّ

خوفاً عليها من عرباتِ اللصوصِ والأوغادِ

ذوي الورودِ السوداءِ الاصطناعيَّةِ والمعاولِ المدبَّبة

لا خوفَ على أيِّ شيءٍ بعدَكِ من يأسِ القصائدِ

إذا صارتْ يدُكِ حديقتي للأبدْ

**

كنتُ أُخفي دموعي في أكمامي

كالثعالبِ العاشقةِ

وأنا أبحثُ عن تُفَّاحةِ قلقٍ ناضجٍ

في مطالعِ القصائدِ الجاهليَّة

وأبتسمُ في وجهٍ لا تعبيريٍّ

لنادلةِ حياتي