ثقافة وفن

الزنوج.. تاريخ ثورة منتصرة!

كلام الريح

جارالله الحميد

ثورة الزنوج السلمية (التي تعرف متى تستعمل العنف) أينعت منذ انطلاقها في خمسينات القرن الماضي ثمار الثورة الناضجة، فها نحن نرى أمريكا سيدة التفرقة والعنصرية يرأسها رجل أسود من أصول أفريقية. وتقول المخابرات الأمريكية إن هنالك شكّاً في أنه (مسلم)، ولكنه صامد كمناضل، إذ يقول أيقونة النضال الزنجي (نلسون مانديلا) إن الجبناء يموتون في اليوم مئة مرة ولكن الرجال الشجعان لا يذوقون الموت سوى مرة واحدة! وكان من بين المناضلين الزنوج (مارتن لوثر كنج) الذي دعا في خطبه النارية إلى تقارب المسيحيين مع المسلمين، حيث ثمة قربى بين الديانتين يحاول الاستعمار البغيض طمسها من أجل أهدافه الاحتلالية. وصفي مارتن كنج بالرصاص لعدم قدرة البيض على الحوار ولكراهيتهم المتجذرة للآخر!

بقي أن نأتي على ذكر مناضل ينبغي أن تكون حياته واختياراته مرجعية عليا للمناضلين في كل مكان. فقد اعتقل أول ما بدأ حراكه لخطورته على الأمن القومي الإمبريالي. وكان معجبا بالثائرين الخطباء، فتوطدت علاقته مع أحد سجناء الرأي، وبدأ يستعير منه كل يوم الصفحة التي ينهيها البارحة، ويقوم بحفظها، حيث تميز بذاكرة قوية. وعندما أفرج عنه، خطب في الشعب الأمريكي خطبة مليئة بالشعرية والواقعية والحلمية، جمعت الشعب الأمريكي، ووحدت ما تفرق منه بسبب أبواق الدعاية الإمبريالية التي كانت تهدف إلى احتلال العالم برمته، وإدخاله إلى مدرسة تعليم الإمبريالية والاستعمار والاحتلال، وتميز العرق الأبيض عن غيره من الأعراق.

وكانت نهاية (مالكولم إكس) لا تقل دموية عن نهاية (مارتن لوثر كنج)، مما يدلل على نجاح الزنوج الأمريكان في سعيهم نحو نزع أغلال العبودية والعيش بكرامة لا يجرحها اللون، أو الدين، أو العرق، وخاصة أن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان قد أصدر بيانه الذي وقعت عليه جميع الدول – بما فيها أمريكا – وجاء في إحدى فقراته أن الجميع أمام القانون متساوون بصرف النظر عن جنسهم (ذكورا أو إناثا)، وعن لونهم، وعن عرقهم، وعن ديانتهم. ذهب مارتن كنج ومالكولم إكس شهيدين على مذبح الحرية. وبقي (نيلسون مانديلا) المناضل الأكبر الذي أثمرت سنين سجنه الطويل خضوع البيض للديموقراطية الحقة، وانتخاب رئيس للوطن أسود كان أم أبيض، يلتزم بالدستور، ويحافظ على النظام الجمهوري. وعندما خرج مانديلا أخيرا من سجنه الطويل استقبله الشعب بالزهور وانتخبوه رئيسا للبلاد؛ تقديرا لتضحياته، وتكريما لمساره النضالي الذي لم يخنع، أو يهادن، أو يرضى بالحلول الوسطى، ليرأس البلاد التي اختفى فيها شبح العبودية. وصار الأسود شريكا في تقرير مصير بلاده، واتخاذ القرارات السيادية التي تحفظ للوطن حريته وكرامته وهيبته بين نظرائه من الآخرين.

نحيي نضال الزنوج الذين أعطوا للعالم درسا في النضال السلمي لنيل الحقوق، والتمتع بنفس الميزات التي كانت حكرا على البيض والسادة.

____________

قاص وكاتب سعودي

jaralhomaid@yahoo.com