كتاب ومقالات

حالة سعودية

خالد صالح الفاضلي



الخلاصة، العلوم الإنسانية أمصال الحياة الحضارية، إذا تم تحييدها، أو احتقارها، أو حتى تكفير أو تنفير المنتمين لها حبراً، أو سبراً، فإن عقود ألماس باريس وشانيلها، سيارات إيطاليا وفيرساتشيها لا تعني أنك ثري، طالما تدخل وادي العلوم الإنسانية وأنت منحن.

فجأة، سقطت الرايات، لا حامل لها، لا أحد يرغب، لا أحد يسعى، لا أحد يستحق، وكأن السعوديين اختاروا خروجاً جماعياً من ممارسة أو تقدير، أو احترام الرياضة، الفلسفة، الرواية، الشعر، القصص القصيرة، الفلك، الرسم، الترجمة، النحت، الدراما،،، وكل أطياف العلوم والفنون الإنسانية.

تنتمي الأسرة السعودية إلى فئة الكدح، (مهما تكاثرت جلجلة الثراء في وسائل الإعلام الأجنبية قبل المحلية)، فالسعوديون بعمومهم - حتى الأثرياء منهم - مجرد فقراء يلبسون ثراء، ليس لأنهم لا يملكون مالا وافرا، بل لأن أسواقهم لا تحتوي سلعا تغنيهم عن فقرهم الحقيقي، فلا سلع مصممة لمحاربة فقرهم القديم، بشقيه (الجهالة والصلادة).

كذلك مدارسنا، كلياتنا، وجامعاتنا، مجرد أسواق تبيع للسعوديين سلعا لا تشبه فقرهم المعرفي، وتجبرهم على أسواق علوم إنسانية تبيع منتجات مصنوعة لغيرنا، فنلبس، ونتحرك داخل شارع العلوم الإنسانية مثل «كمبارس» في مسلسلات أو أفلام عن حروب وفتوحات إسلامية، لا يتكلمون ولا يحملون سلاحا، لكنهم (كشخة) وعيونهم كحيلة.

أصاب السعوديين - أخيراً - حالة خجل عريضة، خنوع ثقافي لم نرثه عن أجداد الأدب، يتقهقرون إلى الخلف عند أبواب المحافل الدولية، يمشون برؤوس منحنية، ولهم حضور أسوأ من غيابهم؛ لأنهم يدخلون حروب العلوم الإنسانية كمرتزقة فقط، فليس في ديارهم جيش يحارب، ولا حامل راية، ولا قارع طبول حرب.

شاركت كل مصانع الثقافة السعودية في ذلك، فالتي لم تفلس مالياً أفلست فكرياً، أو إدارياً، أيضاً تأثرت السعودية سلباً بخمول المنافسة بين دول الخليج لناحية العلوم الإنسانية جميعاً، فانطفاء حقول شموع التنوير الأدبي الثقافي في الكويت بعد غزو العراق أفسد المشروع العربي الأكثر نشاطاً، ولم تستطع قطر، أو الإمارات تقديم تعويض، أو بديل.

ساهم في ذلك، أيضاً، مديرون في القطاع الخاص والحكومي حرصوا على تجميد كل بنود مالية مخصصة لنشاطات ثقافية، فنية، أو دورات تدريبية، فتم تحويل بعضها إلى احتياط لميزانية السنة القادمة، أو إدراج لتغطية مصاريف أسفار المدير.

تملك العلوم الإنسانية قدراتها السحرية، الهائلة، المدهشة، المتنامية، المتوهجة، لناحية إنعاش حياة المجتمعات، محاربة التطرف، إثبات الفرد قدراته، افتخار الكل بالفرد، اعتزاز الدولة بالشعب، ولن يكون لنا كسعوديين وجود في هذه الساحات ما لم نبحث بيننا عن حامل راية في كل فرع من العلوم الإنسانية، ونسانده حكومةً وشعبا.