المجيرمة.. حينما يكون الصقر فريسة!
مع بداية الموسم.. شبان يجوبون الصحراء بحثا عن «الوحش»
الثلاثاء / 17 / محرم / 1438 هـ الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 23:14
عبدالعزيز الربيعي (المجيرمة)
على امتداد الشريط الساحلي شرق البحر الأحمر بين محافظة الليث، ومحافظة حقل بمنطقة تبوك، تنتشر هذه الأيام رحلة البحث عن الصقور، التي تعد مرهقة ورائجة في مناطق المملكة ودول الخليج العربي، ويجوب شبان الصحراء للبحث عن ضالتهم «الصقور المتوحشة».
وعادة ما يفضي المطاف بـ«الباحثين عن الصقور»، إلى بيعها أو المشاركة في مسابقات إقليمية، خصوصاً في الإمارات العربية المتحدة.
ولا يبدأ «الباحثون عن الصقور» رحلتهم، إلا بعد تجهيز أدواتهم كجهاز «الكنود»، و«الدربيل»، فالأول يحدد الأسبقية لمشاهدة الوحش (لفظ يطلقه السكان المحليون على الصقور قبل ترويضها)، التي عادة ما تأتي في هجرة جماعية من باكستان ومنغوليا. وجرت تقاليد يتناقلها الصقارون منذ زمن، بكون ملكية الصقر تؤول إلى من شاهده أولاً، ويعاونه بقية الصقارين لصيده، من باب التعاون في ما بينهم، فيما يستخدمون «الدربيل» لتعقب الطائر ومشاهدته عن بعد.
ويتوجه حسن الثعلبي بسيارته (رباعية الدفع) إلى منطقة المجيرمة بعد سلكه طريق (جدة - جازان) الدولي، بحثاً عن الصقور في الصحراء، فيما لا يهدأ جهاز «الكنود» من إطلاق نداءات زملائه على الساحل الغربي، ويشير لـ«عكاظ» التي رافقته في رحلته إلى أن أعضاء الرحلة يعمدون إلى تسميات حركية «الوافي، أبو شجاع، صقر الجنوب، السفير، الزعيم، الكنترول، البركان، السيل الجارف»، ليكون رمزاً لكل شخص من أعضاء الرحلة للتنسيق بينهم، ولم يوضح أسباب تلك التسميات، بيد أنه يصر على أن الاسم يختاره العضو لنفسه.
من بين أعضاء الرحلة يظهر حمدان الثعلبي الذي يطلق على نفسه «أبو شجاع»، إذ أسبغت خبرته الممتدة لأكثر من 32 عاماً في صيد الصقور صفة الموجّه والعارف بتضاريس المنطقة التي ينحدر من إحدى قراها.
ويقول الثعلبي في حديثه إلى «عكاظ» إن الصقّارة على امتداد البحر الأحمر من الوجه إلى القنفذة يتواصلون في ما بينهم في موسم الصيد (الذي يبدأ بوصول الصقور المهاجرة وطيور السمان والقماري من باكستان ومنغوليا)، موضحاً أن منطقة المجيرمة تعد طريقاً مهماً لعبور الكثير من الطيور المهاجرة.
ويشير الثعلبي بابتسامته التي لا تغادر محياه إلى كون الأعراف تؤكد في أوساط «الصقّارة» ملكية الصقر لمن يجده أولاً، «لذلك الكل يبحث بجد»، مضيفاً: «عندما يجد الباحث ضالته، يطلب من زملائه (من المحتمل عدم معرفتهم بشكل شخصي) المساندة حتى يتم القبض على الصقر، هكذا تقول أعرافنا التي تعزز الروح التعاونية بيننا».
ويتفق حسن وخالد ومبارك الثعلبي على أن الوقت المناسب لصيد الصقور يكون في أول الصباح أو العصر، ويركن الثلاثي لتفضيل تلك الأوقات إلى الطقس، حيث تكون الأجواء معتدلة ويكون الصقر محلقاً على ارتفاع منخفض ولا يحتاج إلى التحليق العالي بحثاً عن الهواء البارد.
ويرمي الصقارة «الزرق» الذي يعرفه الثعلبي بـ«طعم الصقور من الحمام أو السمان، ويرمى الطعم لينقض عليه الصقر من الأعلى، ويكون هدف الصقّارة عادة إشغال الصقر بالأكل، حتى يتسنى للخبير أبو شجاع المجيء إلى الموقع والقبض عليه عن طريق الشباك، بيد أن العملية تتم بطريقة خاصة لا يجيدها إلا الصقّارة، إذ تشابه طريقة رمي البحارة للشبك في البحر».
ويستمر الثعلبي في سرد ذكرياته مع الصيد بأسلوب متمكن ومشوق، بيد أن جهاز «الكنود» يقطع استرسال الخبير، ليوجه نداءات بضرورة اللقاء في موقع «الهدد» وهو مكان لتدريب الصقور على مطاردة الفريسة، ويطلق المدربون الفريسة أولاً ويلحقها الصقر المدرب حتى تنتهي المطاردة بالقبض على الفريسة، ويتم تحريرها من صاحب الصقر بطريقة معقدة جداً كون الصقر لا يُسمح له بأكل كامل الحمامة ولكنه يعطى جزءاً بسيطاً منها، والهدف من ذلك محاولة تعويده على الأكل دون الوصول إلى مرحلة الشبع، حتى يكون جاهزاً للانطلاق في المرات القادمة، بحسب ما يؤكده مدربون في الموقع. محطة للصقور وصحراء فاتنة للخليجيين
في قرية المجيرمة (شمال غربي مدينة الليث بمسافة نحو 30 كيلومترا)، يعيش مواطنون إماراتيون مع السكان المحليين طيلة أيام الموسم، ويضطر الإماراتيون إلى أخذ إجازاتهم السنوية في موسم الصيد للبحث عن الصقور في صحراء الليث، كما يقول المواطن الإماراتي عبدالقادر المشجري الذي اعتاد منذ خمسة أعوام على قضاء أسبوعين على الأقل في قرية المجيرمة.
ويشير المشجري في حديثه لـ«عكاظ» إلى عمق العلاقة التي تربطهم بالسكان المحليين «تربطنا بهم علاقات سنوات طويلة، وجدناهم خير من يحترم ويقدر الضيف»، موضحاً أن بعض زملائه يقضون شهراً كاملاً في الصيد للحصول على صقر مناسب لبيعه أو المشاركة به في مسابقات تنظم في الإمارات، و«سبق أن حققنا نتائج جيدة بالصقور التي نجلبها من المجيرمة بشكل خاص».
ورغم وجود صقور «الجير» في الإمارات، إلا أن هواة صيدها يفضلون المجيرمة كوجهة لصيدهم، ويضيف المشجري: «يكفينا الود الذي نجده بين أهالي المنطقة».
وبالعودة إلى خالد الثعلبي فإنه يتحدث بامتعاض عما أسماه بـ«تغييب» الجهات المتخصة لهواية صيد الصقور وتربيتها، مطالباً بوجود عيادة خاصة لعلاج الصقور، مضيفاً: «نضطر للسفر إلى الرياض من أجل علاج الصقور أو العودة لكبار السن والطب الشعبي للعلاج عن طريق سكر نبات وغيرها من الأدوية والطرق القديمة في العلاج».
وعن أسعار الصقور، يبين حمدان الثعلبي أن الأسعار تختلف حسب نوع الصقر «فالقرناس الحر وصل إلى 400 ألف ريال، وتتراوح الأنواع الأخرى في الوقت الحالي بين 4500 ريال و150 ألفا، وتزيد وتنقص حسب نوع الصقر».
ويشارك حمدان الشاب عبدالغني الثعلبي الذي لم يكمل عامه الـ16 الحديث في الحديث عن أسعار الصقور، ويبدي الشاب الذي يمارس الصيد منذ ستة أعوام، خبرة كبيرة وتمرسا في الحديث عن أنواع الصقور.
أعراف محفورة في «السرائر».. «الموسومة» محصنة من الصيد
تجري تقاليد غير مكتوبة، بيد أن الصحراء حفرتها في «سرائر الرجال»، فالصقور «الموسومة» محرمة على الصيد، كما أنه في حال صيدها تحتم تلك الأعراف القوية الاتصال بصاحبها أو تسليمها للجهات المختصة.
ويقول حمدان الثعلبي إن إعادة الصقور التي يتم اصطيادها وتكون عليها علامات «أرقام الهواتف، أو الشركات» عرف سائد وملزم للجميع، مبررا ذلك بمعرفة الملكية الحقيقة لتلك الصقور، «وقد تكون الصقور هاربة من أصحابها».
ويتذكر الثعلبي حادثة صيد صقر «موسوم برقم هاتفي»، وأنه بعد الاتصال على الرقم اتضح أن صاحبه من الكويت، «ووصل إلى المنطقة واستلم صقره»، إضافة إلى قصة مشابهة لأحد ملاك الصقور من الرياض، مشيراً إلى أن «العرف والأخلاق تحتمان علينا الوفاء، كوننا نتبع مثياق شرف بين كافة الصقّارة ينص على عدم المساس بطيور الآخرين».
وعادة ما يفضي المطاف بـ«الباحثين عن الصقور»، إلى بيعها أو المشاركة في مسابقات إقليمية، خصوصاً في الإمارات العربية المتحدة.
ولا يبدأ «الباحثون عن الصقور» رحلتهم، إلا بعد تجهيز أدواتهم كجهاز «الكنود»، و«الدربيل»، فالأول يحدد الأسبقية لمشاهدة الوحش (لفظ يطلقه السكان المحليون على الصقور قبل ترويضها)، التي عادة ما تأتي في هجرة جماعية من باكستان ومنغوليا. وجرت تقاليد يتناقلها الصقارون منذ زمن، بكون ملكية الصقر تؤول إلى من شاهده أولاً، ويعاونه بقية الصقارين لصيده، من باب التعاون في ما بينهم، فيما يستخدمون «الدربيل» لتعقب الطائر ومشاهدته عن بعد.
ويتوجه حسن الثعلبي بسيارته (رباعية الدفع) إلى منطقة المجيرمة بعد سلكه طريق (جدة - جازان) الدولي، بحثاً عن الصقور في الصحراء، فيما لا يهدأ جهاز «الكنود» من إطلاق نداءات زملائه على الساحل الغربي، ويشير لـ«عكاظ» التي رافقته في رحلته إلى أن أعضاء الرحلة يعمدون إلى تسميات حركية «الوافي، أبو شجاع، صقر الجنوب، السفير، الزعيم، الكنترول، البركان، السيل الجارف»، ليكون رمزاً لكل شخص من أعضاء الرحلة للتنسيق بينهم، ولم يوضح أسباب تلك التسميات، بيد أنه يصر على أن الاسم يختاره العضو لنفسه.
من بين أعضاء الرحلة يظهر حمدان الثعلبي الذي يطلق على نفسه «أبو شجاع»، إذ أسبغت خبرته الممتدة لأكثر من 32 عاماً في صيد الصقور صفة الموجّه والعارف بتضاريس المنطقة التي ينحدر من إحدى قراها.
ويقول الثعلبي في حديثه إلى «عكاظ» إن الصقّارة على امتداد البحر الأحمر من الوجه إلى القنفذة يتواصلون في ما بينهم في موسم الصيد (الذي يبدأ بوصول الصقور المهاجرة وطيور السمان والقماري من باكستان ومنغوليا)، موضحاً أن منطقة المجيرمة تعد طريقاً مهماً لعبور الكثير من الطيور المهاجرة.
ويشير الثعلبي بابتسامته التي لا تغادر محياه إلى كون الأعراف تؤكد في أوساط «الصقّارة» ملكية الصقر لمن يجده أولاً، «لذلك الكل يبحث بجد»، مضيفاً: «عندما يجد الباحث ضالته، يطلب من زملائه (من المحتمل عدم معرفتهم بشكل شخصي) المساندة حتى يتم القبض على الصقر، هكذا تقول أعرافنا التي تعزز الروح التعاونية بيننا».
ويتفق حسن وخالد ومبارك الثعلبي على أن الوقت المناسب لصيد الصقور يكون في أول الصباح أو العصر، ويركن الثلاثي لتفضيل تلك الأوقات إلى الطقس، حيث تكون الأجواء معتدلة ويكون الصقر محلقاً على ارتفاع منخفض ولا يحتاج إلى التحليق العالي بحثاً عن الهواء البارد.
ويرمي الصقارة «الزرق» الذي يعرفه الثعلبي بـ«طعم الصقور من الحمام أو السمان، ويرمى الطعم لينقض عليه الصقر من الأعلى، ويكون هدف الصقّارة عادة إشغال الصقر بالأكل، حتى يتسنى للخبير أبو شجاع المجيء إلى الموقع والقبض عليه عن طريق الشباك، بيد أن العملية تتم بطريقة خاصة لا يجيدها إلا الصقّارة، إذ تشابه طريقة رمي البحارة للشبك في البحر».
ويستمر الثعلبي في سرد ذكرياته مع الصيد بأسلوب متمكن ومشوق، بيد أن جهاز «الكنود» يقطع استرسال الخبير، ليوجه نداءات بضرورة اللقاء في موقع «الهدد» وهو مكان لتدريب الصقور على مطاردة الفريسة، ويطلق المدربون الفريسة أولاً ويلحقها الصقر المدرب حتى تنتهي المطاردة بالقبض على الفريسة، ويتم تحريرها من صاحب الصقر بطريقة معقدة جداً كون الصقر لا يُسمح له بأكل كامل الحمامة ولكنه يعطى جزءاً بسيطاً منها، والهدف من ذلك محاولة تعويده على الأكل دون الوصول إلى مرحلة الشبع، حتى يكون جاهزاً للانطلاق في المرات القادمة، بحسب ما يؤكده مدربون في الموقع. محطة للصقور وصحراء فاتنة للخليجيين
في قرية المجيرمة (شمال غربي مدينة الليث بمسافة نحو 30 كيلومترا)، يعيش مواطنون إماراتيون مع السكان المحليين طيلة أيام الموسم، ويضطر الإماراتيون إلى أخذ إجازاتهم السنوية في موسم الصيد للبحث عن الصقور في صحراء الليث، كما يقول المواطن الإماراتي عبدالقادر المشجري الذي اعتاد منذ خمسة أعوام على قضاء أسبوعين على الأقل في قرية المجيرمة.
ويشير المشجري في حديثه لـ«عكاظ» إلى عمق العلاقة التي تربطهم بالسكان المحليين «تربطنا بهم علاقات سنوات طويلة، وجدناهم خير من يحترم ويقدر الضيف»، موضحاً أن بعض زملائه يقضون شهراً كاملاً في الصيد للحصول على صقر مناسب لبيعه أو المشاركة به في مسابقات تنظم في الإمارات، و«سبق أن حققنا نتائج جيدة بالصقور التي نجلبها من المجيرمة بشكل خاص».
ورغم وجود صقور «الجير» في الإمارات، إلا أن هواة صيدها يفضلون المجيرمة كوجهة لصيدهم، ويضيف المشجري: «يكفينا الود الذي نجده بين أهالي المنطقة».
وبالعودة إلى خالد الثعلبي فإنه يتحدث بامتعاض عما أسماه بـ«تغييب» الجهات المتخصة لهواية صيد الصقور وتربيتها، مطالباً بوجود عيادة خاصة لعلاج الصقور، مضيفاً: «نضطر للسفر إلى الرياض من أجل علاج الصقور أو العودة لكبار السن والطب الشعبي للعلاج عن طريق سكر نبات وغيرها من الأدوية والطرق القديمة في العلاج».
وعن أسعار الصقور، يبين حمدان الثعلبي أن الأسعار تختلف حسب نوع الصقر «فالقرناس الحر وصل إلى 400 ألف ريال، وتتراوح الأنواع الأخرى في الوقت الحالي بين 4500 ريال و150 ألفا، وتزيد وتنقص حسب نوع الصقر».
ويشارك حمدان الشاب عبدالغني الثعلبي الذي لم يكمل عامه الـ16 الحديث في الحديث عن أسعار الصقور، ويبدي الشاب الذي يمارس الصيد منذ ستة أعوام، خبرة كبيرة وتمرسا في الحديث عن أنواع الصقور.
أعراف محفورة في «السرائر».. «الموسومة» محصنة من الصيد
تجري تقاليد غير مكتوبة، بيد أن الصحراء حفرتها في «سرائر الرجال»، فالصقور «الموسومة» محرمة على الصيد، كما أنه في حال صيدها تحتم تلك الأعراف القوية الاتصال بصاحبها أو تسليمها للجهات المختصة.
ويقول حمدان الثعلبي إن إعادة الصقور التي يتم اصطيادها وتكون عليها علامات «أرقام الهواتف، أو الشركات» عرف سائد وملزم للجميع، مبررا ذلك بمعرفة الملكية الحقيقة لتلك الصقور، «وقد تكون الصقور هاربة من أصحابها».
ويتذكر الثعلبي حادثة صيد صقر «موسوم برقم هاتفي»، وأنه بعد الاتصال على الرقم اتضح أن صاحبه من الكويت، «ووصل إلى المنطقة واستلم صقره»، إضافة إلى قصة مشابهة لأحد ملاك الصقور من الرياض، مشيراً إلى أن «العرف والأخلاق تحتمان علينا الوفاء، كوننا نتبع مثياق شرف بين كافة الصقّارة ينص على عدم المساس بطيور الآخرين».