ثقافة وفن

مثقفان: الصحوة غزت القرى والهجر على أنها بيئات مطيعة

أحمد التيهاني

علي الرباعي (الباحة)

تستمر «عكاظ» في فتح حقيبة الصحوة، وتنفتح على النقاش حول «ظاهرة» اكتسحت المجتمع السعودي لأكثر من ثلاثة عقود. وربما ظن الصحويون أن بيئة الأطراف «محافظات وقرى وهجر» بيئات مطيعة من السهل غزوها وتغيير وتبديل قناعاتها وعاداتها وتقاليدها، إلا أن المجتمع القبلي والقروي وعى ما يراد له وانقلب على أفكار الصحويين إلا قليلا.

ويرى الكاتب محمد زايد الألمعي أن الصحوة ضمت مجتمع القرى والأرياف إلى حزبها، كون الشخصية القروية بسيطة وقابلة لحضور الشخصية الدينية التي تقوم بكل الأدوار، ومن ضمنها دور المثقف، ما غيّب دور المثقفين بصورة شبه تامة في الأطراف مع السعي للتشويه وإحراق الأوراق، مشيرا إلى أن أيديولوجيا الصحوة قامت على الإبدال والإزاحة للنخبة بتجلياتها كافة من مثقفين وفنانين ومبدعين وأدباء حتى لا يعود لهم أي دور.

وعزا استهداف الصحوة للأرياف إلى بساطة الأطراف، ما يجعلها على مستوى فلسفة السلطة فضاء قابلا لأدبيات الصحوة، مستعيدا توزيع المعاهد العلمية وجغرافية انتشارها وتاريخ إنشائها، كونها الحاضن لرسالة التوحيد وجدلية استثماره سياسيا وعقائديا. ويذهب إلى أن موضوع تقاطع القبلي مع الصحوي مرتبط بتراكمات ذهنية ما زالت تمثل سلطة يعاد إنتاجها. ويؤكد أن المجتمع المستجيب لأدبيات الصحوة بعد انكشاف مخططاتها لا يؤمن أحد بحراكه الإيجابي.

فيما قال الناقد الأكاديمي الدكتور أحمد التيهاني: لا يشك متابع محايد ومنصف في القدرة الهائلة لجماعات الإسلام السياسي ومنها «الصحوة» التي تمزج الفكرين: السروري، والإخواني، على حشد الأنصار وتحريض أتباعها ضد خصومها السياسيين والفكريين. وعزا نجاح الصحوة -بوصفها تنظيما- في الأرياف والقرى إلى أمور عدة، منها «حشد الأنصار»، الذي كان عاملا رئيسيا في حرص الصحوة على اختراق المجتمعات الريفية الضيقة. ويلفت إلى أنها نجحت في ذلك لأسباب متعددة ومتداخلة، منها أن التنظيم قائم على مبادئ «التمكن، والتمكين، والتحكم في القواعد المجتمعية لصناعة أكبر عدد ممكن من الأتباع». وأضاف: وكل ذلك من ممهدات الوصول إلى سلطة عليا. ويذهب إلى أنه من المعروف أن أهل القرى والأرياف مطيعون، مؤكدا أن التنظيم يعتمد اعتمادا كبيرا على تشكيل الكاريزما الخاصة بأتباعه، وتحققت بسهولة لأتباعهم في المجتمعات الضيقة «القرى والأرياف»، إذ يصبح مندوبو التنظيم الآمرين الناهين المتحكمين في أفراح أهل القرى وأتراحهم وأموالهم وتبرعاتهم أيضا، حتى أن مكانتهم تفوق مكانة شيوخ وعرفاء القبائل، ما ضاعف شغف الشباب بالانتماء إلى التنظيم، لشعورهم بأن ذلك يحقق ذواتهم، وهو ما لا يكون في المدن الكبيرة إلا بصعوبة كبيرة، مشيرا إلى أن قيام أدبيات التنظيم على وجوب الثقة المطلقة في ما يقوله رموزه، أو يدعون إليه، وتحقُّق هذا في الأرياف أسهل. وعد التيهاني شراسة التنظيم أمام خصومه الفكريين وحشده الأتباع للعنهم ونبذهم -النبذ مؤلم في المجتمعات الضيقة كالقرى والأرياف- ما يجبر أبناء هذه الجهات على مداهنة التنظيم في أقل الأحوال، أو التبعية له في الحالة السائدة، وهو الخيار الذي يحقق امتيازات اجتماعية، وربما مكاسب مادية هائلة.