ثقافة وفن

4 نصوص شعرية

نمر سعدي

السامريُّ أنا

السامريُّ أنا وأصرخُ: لا مساسَ، فكلُّ من أحببتهم خانوا يديَّ، وسمَّروا قلبي على خشبِ الصليبِ، وأفردوني في الخريفِ بلا بنفسجةٍ، وأهدوا آخرَ الدمعِ المفخَّخِ بالرصاصِ، إلى أغاني البدوِ، هل سيكونُ وقتٌ كي أعودَ من اشتعالِ الماءِ بالعشبِ المغطَّى في الضحى بنحيبِ لوركا؟ أو لأسحبَ زهرةَ الصُبَّارِ وهيَ تكادُ تغرقُ بينَ أظفارِ الجفافِ؟

وكي أُداوي قلبَ شاعرتي المصابةِ بالكآبةِ والفصامِ الشاعريِّ، وكلِّ أعراضِ القوافي؟

آهِ هل سيكونُ وقتٌ كي أُردِّدَ في الخريفِ لنسوةٍ زوَّجنَ ناياتي لقهرِ الزمهريرِ: أغمضنها بأبي -إذا أوديتُ مغتربَ الهوى- أنتنَّ أجفاني، لأسمعَ سقسقاتِ الطائرِ الدوريٍّ من حولي، وأُبصرَ ما يشعُّ على يدَيْ أنثايَ من ذهبِ القصائدِ، أو سماواتِ القطيفةِ والحمامِ؟

السامريُّ أنا وتلكَ نبوءتي الأولى، أقولُ لقُبلةٍ حجريَّةٍ في السورِ: كوني وردتي أو ماءَ صلصالي، ونارَ غوايتي البيضاءَ في وجعِ الرخامِ، السامريُّ أنا، وتلكَ أوابدي وطريقتي بتتبُّعِ الأشياءِ، أو برثائها الصوفيِّ والرعويِّ في ليلِ المنافي...

***

أرقُ أكتوبر

أكتوبرُ، الأرقُ النظيفُ، النايُ، رائحةُ الحنينِ، الظلُّ منشطراً إلى جسدينِ، ليمونُ التأمُّلِ، حسرةُ العشبِ المُغطَّى بانكسارِ الضوءِ، قوسُ ظهيرةٍ في الشرفةِ الزرقاءِ، صوتُ البرتقالِ، أوائلُ التكوينِ، آخرةُ القرنفلِ والسرابِ، المهدُ والماءُ المعذَّبُ، نزوةٌ عاديَّةٌ. أكتوبرُ، النعناعُ والنمشُ الخفيفُ، أظافرُ الحنَّاءِ، مسقطُ دمعتي. أكتوبرُ، الزيتونُ حينَ يصبُّ مثلَ أشعَّةٍ عطريَّةٍ في لمسةٍ امرأةٍ وفي العينينِ، معنى أن تصيرَ رؤايَ أوسعَ، والعبارةُ قُبلةً عمياءَ ضيِّقةً، وصلصالاً يعيدُ تشكَّلَ الأشياءِ في امرأةٍ وعاشقها...

***

لا زلتُ أخطئُ في التخاطبِ

لا زلتُ أُخطئُ في التخاطبِ بينَ مفردتينِ، بينَ قصيدةٍ بهشاشةِ الروحيِّ أو ولهِ الفراشاتِ العطاشِ بآخرِ المعنى، وبينَ صديقةٍ بصلابةِ الفولاذِ والحجَرِ الذي يمشي كمن في حلمهِ يطفو، أخطُّ قصيدةً بدمي وأُخطئُ، ثمَّ أنسى ما فعلتُ بجرَّةِ السهَرِ المؤرَّقِ أو بمرآةِ النداءِ النرجسيِّ إلى الوراءِ، تفتَّقتْ عن مقلتيَّ شقائقُ النسيانِ، قلتُ لعابراتِ القلبِ: هل يكفي لهاويةٍ من اللعناتِ خيطٌ واحدٌ ليجرَّها عني بعيداً؟ قلتُ للشجَرِ: انتظرني ريثما يغفو الرثاءُ الموسميُّ على الغصونِ، كأنهُ يبدو حقيقيَّاً أمامي حزنُ هذا الليلِ، لكن لن أُصدِّقَ غيرَ طلعِ الرملِ في ليلِ الذئابِ...

***

قمرٌ من الحنَّاء

كنْ يا نهارُ سفينةً لا تبرحُ المرسى، ويا ليلُ ابتعدْ لأراكَ وحدكَ في عباءاتِ النساءِ، وضوحُكَ الأبديُّ يُغريني لأنزلَ كالفتاةِ من الغموضِ الزئبقيِّ إلى الحديقة، قُلتُ للمنفيِّ: لا تحزنْ فقلبي قُلَّبٌ، وفتحتُ شبَّاكَ القصيدةِ كي تطيرَ أيائلُ المعنى بلا يأسٍ، فكنْ لي يا نهارُ محارةً من كيمياءِ الغيبِ، كنْ حجرَ الدموعِ على الضلوعِ، وشهقةَ الغجريَّةِ السمراءِ حينَ يصبُّ في خصلاتها قمرٌ من الحنَّاءِ، ينبتُ في دمي مطرٌ، ويا ظلُّ انكسرْ فوقَ المياهِ لكيْ أُلملمكَ، انكسرْ لتهبَّ مثلَ الأقحوانةِ، وانكسرْ حتى تُذرِّيكَ الرياحُ تهبُّ من أقصى اشتهائي...

*شاعر فلسطيني