كتاب ومقالات

هوشة.. تكنوقراط!

محمد الساعد

لعل أكثر سؤال يطرح بعد لقاء الوزراء مع داود الشريان، هو لماذا غاب وزير الاقتصاد والتخطيط، عن أهم مواجهة إعلامية حصلت بين التكنوقراط السعوديين، منذ أن دخلوا للوزارة العام 1975م.

فالوزير عادل فقيه عضو في مجلس الوزراء منذ أكثر من عشر سنوات، وهو وزير سابق للعمل، ووزير الاقتصاد والتخطيط حاليا، ومن وزارته تنطلق كل بنية التغييرات التي يشهدها الاقتصاد المحلي.

ما حصل في اللقاء كان مواجهة بين جيلين أو خبرتين أو فريقين من التكنوقراط، سمها ما شئت، فالعساف لا يمكن أن يحسب إلا على جيل القصيبي، والعرج والتويجري هم من التكنوقراط الجدد.

لقد كان تمكين التكنوقراط منتصف السبعينات في جيلهم الأول، حدثا مفصليا في تاريخ العمل الإداري السعودي، فغازي القصيبي ومحمد أبا الخيل وسليمان السليم ومحمد عبده يماني.. وغيرهم، كانوا قادة التنمية والإدارة في المملكة خلال عقدين على الأقل.

ذلك الجيل هو الذي قاد الطفرة الأولى، وأحال الصحاري القاحلة والقرى النائية إلى حواضر قابلة للحياة، فانتشر التعليم، وتعززت الصحة، وولدت الفرص الوظيفية، وعاش المواطنون حياة رغيدة.

لا يهم إن كان لقاء «الثامنة» حوارا أو مواجهة أم مزاحمة بين الوزارات.. فالمستقبل كفيل بالإجابة عليها، لعلنا لم نتعود على هذا النوع من الحوارات الصريحة، أو لأن معظمنا يعلم أكثر مما تعلمه النخبة الوزارية عن حال الشارع ومزاجه، ولذلك فالأمر أصبح أكثر صعوبة في قبول أي تبرير أو معلومة.

في تقديري أن معالي وزير التخطيط لم يشأ أن يخوض تلك المواجهة مباشرة، ربما لانشغاله، أو لعله أدرك حرجها، ففضل تقديم نائبه محمد التويجري، ليخوض «ضربات الأكتاف» المالية بدلا عنه وعن وزارته.

كيف يستطيع وزير التخطيط، أو من أنابه، مهاجمة النظريات والموديلات التي شاركت وزارته في إعدادها طوال سنوات مضت، وكانت جزءا وشريكا أساسا في الإدارة الاقتصادية والمالية.

هل ما حدث خلال الحوار من رسائل وتضاد أمر صحي، أو هي «غشامة» تكنوقراط، لم يعتادوا الحوار أمام الكاميرات.. أم لأن الأزمة الاقتصادية والمالية عميقة لدرجة أن كلا منهم يقذف بكرة اللهب التي بين يديه على الآخرين.

أولا، لقد بدا واضحا أنهم يحملون نظريتين مختلفتين لمعالجة الأزمة الاقتصادية، وهذا معروف ومطروح وليس سرا.

الأولى تتبناها وزارة الاقتصاد، وأشار إلى ملامحها نائب الوزير محمد التويجري، مع مساندة من وزير الخدمة المدنية خالد العرج، وفي الناحية الأخرى وزير المالية المخضرم إبراهيم العساف، لكن نقل الخلاف في وجهات النظر إلى الشاشات هو المحير، فهل مازال النقاش قائما حتى ساعة الحوار.

ثانيا، كانت لغة جسد نائب الوزير التويجري، في اتجاه آخر معاكس للوزير العساف، وتوحي بتحفز منذ البداية.

ثالثا، أعطى وزير المالية انطباعا هادئا، وخاطب الآخرين بلقب معالي، وهي درجة وظيفية من الواجب إعطاؤها لمن بلغها، ولا يمكن إنزال صاحبها في لقاء من هذا الوزن، في المقابل كان الآخران يخاطبان الوزير الأقدم منهما بالأخ.

رابعا، خلال الإجابات والاستعانة بالشروحات، يبدو أن نائب الوزير التويجري لم يستطع شرح السلايدات بطريقة سهلة، وهو أمر مثير لمن يفترض أن يحمل درجة علمية رفيعة في الاقتصاد، وينوب عن حقيبة وزارية، ولعلها هيبة الكاميرات لمن لا يعرفها.

خامسا، بث الرسائل السلبية عن الموظفين وصندوق التقاعد، ومكانة الاقتصاد، ومستقبلنا المالي، والتقليل من الموديلات الاقتصادية التي اعتمدتها وزارة المالية سابقا، دون فهم الإرادة السياسية حينها، وإشراك العامة في هذا اللغط، كان خطأ جسيما، جاء من قلة خبرة بمخاطبة الرأي العام، واندفاع وتحليل غير دقيق لواقع اليوم.

سادسا، كان العساف يتحدث كرجل دولة، عندما خفف من فكرة إفلاس صناديق التقاعد وأدرك خطورة وقعها على الشعب، مؤكدا أن الدولة مع كل ظروف الصناديق، هي الضامن لتقاعد كريم لأهلها وشعبها ومواطنيها، وهذه هي الثقة المؤكدة بين الناس ودولتهم ولذلك يحبون قادتهم بشغف، وأي عبث في ذلك المؤكد أمر غير موفق أبدا.

سابعا، كان التويجري والعرج، يخاطبان الناس كجراحين يحملان مشرطين حادين، ويستعدان لعمليات استئصال عميقة، دون أن يستعينا بمركز الإرشاد الطبي، وطبيب البنج، فكان لوقع كلامهما على المشاهدين ألم أكثر من العملية نفسها.

ثامنا، الكثير وأنا منهم، نؤمن بضرورة اتخاذ إجراءات اقتصادية حازمة، وترشيد النفقات، وإعادة هيكلة الوظائف الحكومية، ووضع الاقتصاد على طريق آخر غير الذي سار به عقودا، لضرورات العصر، وتغير بنية المجتمع وسلوكه، لكن من اللازم تحفيز الاقتصاد، ودعم الثقة في الموظفين، لأن خرق سفينة الاقتصاد لإثبات وجاهة نظرية، هو أمر سيغرقها ولا يرسو بها على بر الأمان.