كتاب ومقالات

أيهما السلعة؟

أفياء

عزيزة المانع

كم هو محبط أن تتداخل في أذهان كثير من الناس صورة المرأة (العقلانية) مع صورة المرأة (المُشيّئة)، كما ظهرت في معرض إكسس في الأسبوع الماضي. فبينما نجد نساء جادات ينافحن بقوة ويجاهدن بإخلاص ليتخلصن من أغلال التسلط عليهن بحجة (الولاية)، تأتي نساء ساذجات أعجبهن حسنهن فرضين أن يعرضن أنفسهن جنبا إلى جنب مع السلع المعروضة للتسويق، غير مدركات أبعاد الإهانة الكامنة في وقفتهن تلك، ليس لهن وحدهن فقط وإنما للنساء جميعا!

مشكلة المرأة ليست في الجهات التي تسعى إلى استغلالها وتوظيفها في خدمة مصالح خاصة، قدر ما إنها في غياب الوعي لدى المرأة نفسها، فعندما تغفل المرأة عن رؤية الإهانة والإذلال المتضمن في بعض أنواع العمل الذي يطلب منها القيام به، تكون هي الجانية على نفسها.

نحن في حاجة كبيرة إلى توعية النساء وتنشيط عقولهن ليكن قادرات على التمييز بكفاءة عالية بين الصواب والخطأ، خاصة أن المرأة متى أخطأت، حتى وإن كان في نطاق ضيق، سرعان ما يعمم خطأها على النساء كلهن ويمتد أثره ليشوه مطالب المرأة المشروعة، فتوصم بأنها مجرد طريق عبور إلى ما هو غير ذلك.

وأظن أن النساء الناشطات في مجال الحركة النسوية، قصرن كثيرا في مجال التوعية، انشغلن بالمطالبة بالحقوق والدفاع عنها وغفلن عن توعية النساء التي لا تقل أهمية، فكثير من النساء المغيبات فكرا وعقلا في حاجة إلى من يوقظهن ليدركن أن عليهن مسؤولية حماية أنفسهن، ومن واجبهن الإصرار على أن يعاملن باحترام يليق بهن، وأن ينأين بأنفسهن عن البقاء في مرتبة المرأة (الشيء) والمرأة (الدمية).

وما حدث قبل أيام في معرض إكسس، هو نموذج واضح لغياب الوعي وعدم نضج التفكير، فأولئك الفتيات (سواء كن مواطنات أو غير مواطنات) يظللن نساء، غررن بالمظهر الجميل، وبما يمارس في الدول المتقدمة صناعيا وحضاريا، فغلب على ظنهن أنهن يقمن بعمل يعبر عن التحضر والانفتاح، وفات عليهن أنهن يقمن بعمل مهين لا يليق بهن، فضلا عن أنه عمل مزدرى حتى في الدول الغربية نفسها وتحاربه الحركات النسوية العالمية.

وللإنصاف، فإن غياب الوعي وعدم القدرة على التمييز بين المقبول وغير المقبول، ليس أمرا خاصا بالمرأة، وإنما هو يكاد يكون سمة عامة تشمل النساء والرجال معا، وذلك بسبب ما يسود في التعليم وفي المجتمع نفسه من تركيز على نشر ثقافة (الاتباع)، حتى كاد المجتمع أن ينحصر في فئتين رئيستين: فئة التابعين للقديم وما فيه من ثقافة تقليدية ساكنة تأبى التغيير وترفض كل جديد، بحجة أن فيه مخالفة للدين، وفئة التابعين للثقافة الغربية المعاصرة بكل ما فيها من سيئات وسقطات، بحجة التقدم الحضاري وضرورة الانفتاح والتحرر.

ثقافة الاتباع التي تنشأ عليها الأجيال، من شأنها أن تعطل العقل وتطمس التفكير وتفقد الثقة في الذات وقدرتها على الاختيار، والنتيجة هي أن صارت أجيالنا لا تحسن سوى اتباع أحد هذين النموذجين: إما نموذج الماضي، وإما نموذج الحاضر الغربي، وبات من النادر أن تجد نموذجا ثقافيا مستقلا ينشد خير المجتمع بصرف النظر عن مصدره، من السلف القديم أو الغرب المعاصر.