كتاب ومقالات

تضييع أصل المسألة!

على خفيف

محمد أحمد الحساني

سبق لي إبداء عدم الرضا عما يحصل من بعض المراجعين للمصالح الحكومية من استغلال لأجهزة التواصل لتسجيل موقف أو تصرف يرونه غير جيد، يصدر عن موظف تعاملوا معه، ليقوموا ببث ما صوروه عبر وسائل التواصل، لما يمثله ذلك العمل من تشهير بالموظف حتى لو كان موقفه أو تصرفه خاطئاً لأن التشهير عقوبة منفصلة يقررها القضاء، وهي تأتي بعد التحقيق والإدانة وتطبق في أضيق الحدود، وقلت يومها إن ذلك التصرف من المراجعين قد يكون ردة فعل طائشة ومحتقنة لقاء ما كانوا يجدونه من بعض الموظفين من صلف وسوء تعامل قبل اختراع وسائل التواصل، فلا يستطيعون إثبات ما وجدوه فلما تسنى لهم ذلك استخدموا تلك الوسائل لإثبات ما يريدون إثباته بطريقة غير مسؤولة.

وقد تنبه المجتمع ورجال القانون إلى خطورة عمليات التشهير وعدوها من الجرائم التي تعاقب عليها الأنظمة فخفت مسألة التسجيل والتصوير والتشهير بعض الشيء، ولكن ما لاحظته بالنسبة لهذه المسألة هو أنه عندما ترصد حالة تشهير بموظف عن طريق وسائل التواصل ويكون ذلك الموظف قد ارتكب مخالفة إدارية أو مالية أو سلوكية شائنة، فإن عملية المناداة بمعاقبة المشهر تطغى على السطح ليختفي من ورائها ما صدر عن الموظف المُشَهَّر به من مخالفات قد تكون على هيئة اختلاس مالي أو سوء استخدام مفرط لسلطاته الوظيفية أو تعديا باللفظ أو اليد على المراجعين، مع أن الواجب في مثل هذه الأحوال هو أن يحاسب من قام بعملية التشهير -حسب النظام- وأن يحاسب أيضاً الموظف المخالف للأنظمة المالية أو الإدارية أو السلوكية الخاصة بعمله، فلا يجري خلط للأوراق عن طريق الاكتفاء بالمطالبة بمعاقبة من نشر مخالفة الموظف في وسائل التواصل مُشهراً به وبجهة عمله، والتغاضي في الوقت نفسه عن المخالفات ومن قام بها؛ لأن ذلك يعني أن تستمر المخالفات والتجاوزات بل وتزداد وتيرتها وحجمها لعزوف الناس عن رصدها خوفاً من المساءلة وتهمة التشهير، فيكون في ذلك حماية تامة للفساد والمفسدين مع العلم أن القول بإمكانية الشكوى من وجود المخالفات دون رصد أو رصدها والرفع عنها للمرجع الإداري للموظف المخالف هو إجراء غير مضمون النتائج لأنه نادراً ما تتخذ إجراءات صارمة وتحقيق جاد نزيه حول المخالفات، كما أن الرفع عنها لا يعني عدم تسرب ما رفع وبالتالي اتهام الشاكي بأنه هو الذي سرب المعلومات، ويحضرني بهذه المناسبة موقف سمعته عن موظف رفع استقالة مسببة لمرجعه فسربت الاستقالة وتم تداولها في المواقع وبين الأيدي فعوتب ذلك الموظف من قبل مرجعه على ذلك التسريب فأكد له أنه لم يسلم أحداً أي نسخة من الاستقالة سوى ما قدمه لمرجعه.. فتساءل مرجعه متعجباً خاصة أنه يعلم في موظفه الصدق طالباً تفسيراً لما حصل من تسريب، فرد عليه قائلاً اسأل موظفي مكتبك الخاص فقد يكون من بينهم من لم تعجبه الاستقالة المسببة فأراد بذلك إحراجي وإلحاق الأذى بك لما ورد في الاستقالة من أسباب!؟