أيوه تعبني هواك
أشواك
الثلاثاء / 01 / صفر / 1438 هـ الثلاثاء 01 نوفمبر 2016 21:59
عبده خال
كنت في زيارة قريبة للقاهرة، وكان النهر الخالد يسير بتقاعس رتيب متعمما بشال اتسخ من عوادم المركبات فلا تسعفه المدينة بشيء يزيل ما علق به.
وعلى جنباته أغلقت المنازل في وجه نوافذها، وتراخت أعمدة الإنارة فلا ضوء ينير جلسة عاشق ولا قدم بائع يوزع الفرح مع سلعته الزهيدة..
كان النيل واجما يلمح عبور المارة المهدودين بتعبهم، وغير العابئين أن سيد الأنهر يلقى عليهم تلويحة تحية، فمن ذا الذي لا يلقي بالا لتحية الخلود؟
قلة من يعرف معنى أن تكون خالدا في جزء من الزمن، وأهل القاهرة ينسون يوميا أنهم محطة عبور خالدة، ولأنه النسيان أتسخ النيل بكل شيء.!
وفي زمن سابق لم أكن متنبها بأنني لا ألقي بالا لهذا الخلود كلما قدمت للقاهرة، وقبل زيارتي الأخيرة عبرت النهر، عبرته بتيمة أنني أجسد لحظة وأثبتها كلحظة خالدة لن تمحى أو تزول، فكل نقطة في النيل تحمل بصمة العابرين..أنفاسهم.. ضحكاتهم..أمانيهم.. أغانيهم. وثبتُ تلك اللحظة بإشارة مروري بطائر وقف ساكنا على غصن بين مشيئة التحليق أو المكوث، ولعله ثبتَ كي أُشهده أنني مررت برحلة خلود النيل ولكي لا تكون لحظة غير موثقة فقد التقطت له صورة وحييتها على وعد على أن لا تكون تحية وداع.
وفي الرحلة الأخيرة عبرت النيل أبحث في صفحة الماء عن ذلك الطائر..فإذا به استقوى بمشيئة الرحيل، فبقي الغصن والخلود وأنا العابر بينهما أنظر إلى شفق شمس استعار من النيل شاله المتسخ ليؤكد أنه خالد أيضا.
ودعت النيل بكرب طاغٍ وثمة غصن يابس لم يعد يقف على رأسه كائن حي... أكان لا بد أن يخفق الطائر في رحلة خلود معاكسة.؟
آآآآآآه يا علي!
الصديق علي فقندش ينعش القلب إن تعب، وكنا رفقاء هذه الرحلة (أنا وعلي ووشل)..فماذا يجدي الخلود إن لم نستشعر به يا علي ؟ ولأنه ينعش القلب قال:
- أمام هذا النهر الخالد هناك عشرات الأنهر الخالدة منحت قلوبنا رعشتها وفرحتها.. هناك الفن ومن صنعوه.
وكان الاقتراح زيارة الموسيقار محمد سلطان.
وفي بيته (وبيت زوجته الفنانة الكبيرة فائزة أحمد) مضينا ليلة خالدة أيضا، كان الموسيقار سلطان يحكي تفاصيل ممتعة عن رحلته في معارج الفن التي بدأت بعلاقته المبكرة بمحمد عبدالوهاب وانتهت بأن يكون سلطان هو من أدخل عبدالوهاب لقبره عندما لم يكن أحد من الأقارب حاضرا للحظة الوداع تلك...عدد كبير من القصص سمعناها في تلك الليلة، كنا نستمع فنهضت فائزة من مرقدها وانضمت إلينا، كان حضور فائزة أحمد رذاذا يبلل مشاعرنا، فطغت بحضورها.. واقتعدت مقعدها خلف صورتها بينما كان صوتها رخيما وهي تترجى سلطان أن لا يقول شيئا عن آخر لحظات علاقتها بالدنيا.
كان هو المشهد الوحيد الذي تصلبت له شراييني، فقبل موتها بلحظات سألت سلطان عن صوتها هل اعتراه تغير أو لا. ولكي تحصل على الإجابة كانت تغني له: ( أيوه تعبني هواك) ووقفت على أول الكبليه:
وانا ها تغير انا ها تغير
الا في حبك
طمن قلبك لسه باحبك
زي زمان واكتر بزمان
وعندما طمأناها أن صوتها الماسي لايزال على جوهره لامعا عانقته وأسلمت روحها.
ستظل ألحان سلطان وصوت فائزة خالدين أيضا وقلوبنا المرتعشة لهذا الجمال تبقى خالدة فهي كطائر النيل الذي مكث لتثبيت خلود ما، وخفق بجناحيه في رحلة عكسية ربما كان خلالها ينشد: أيوه تعبني هواك.
وعلى جنباته أغلقت المنازل في وجه نوافذها، وتراخت أعمدة الإنارة فلا ضوء ينير جلسة عاشق ولا قدم بائع يوزع الفرح مع سلعته الزهيدة..
كان النيل واجما يلمح عبور المارة المهدودين بتعبهم، وغير العابئين أن سيد الأنهر يلقى عليهم تلويحة تحية، فمن ذا الذي لا يلقي بالا لتحية الخلود؟
قلة من يعرف معنى أن تكون خالدا في جزء من الزمن، وأهل القاهرة ينسون يوميا أنهم محطة عبور خالدة، ولأنه النسيان أتسخ النيل بكل شيء.!
وفي زمن سابق لم أكن متنبها بأنني لا ألقي بالا لهذا الخلود كلما قدمت للقاهرة، وقبل زيارتي الأخيرة عبرت النهر، عبرته بتيمة أنني أجسد لحظة وأثبتها كلحظة خالدة لن تمحى أو تزول، فكل نقطة في النيل تحمل بصمة العابرين..أنفاسهم.. ضحكاتهم..أمانيهم.. أغانيهم. وثبتُ تلك اللحظة بإشارة مروري بطائر وقف ساكنا على غصن بين مشيئة التحليق أو المكوث، ولعله ثبتَ كي أُشهده أنني مررت برحلة خلود النيل ولكي لا تكون لحظة غير موثقة فقد التقطت له صورة وحييتها على وعد على أن لا تكون تحية وداع.
وفي الرحلة الأخيرة عبرت النيل أبحث في صفحة الماء عن ذلك الطائر..فإذا به استقوى بمشيئة الرحيل، فبقي الغصن والخلود وأنا العابر بينهما أنظر إلى شفق شمس استعار من النيل شاله المتسخ ليؤكد أنه خالد أيضا.
ودعت النيل بكرب طاغٍ وثمة غصن يابس لم يعد يقف على رأسه كائن حي... أكان لا بد أن يخفق الطائر في رحلة خلود معاكسة.؟
آآآآآآه يا علي!
الصديق علي فقندش ينعش القلب إن تعب، وكنا رفقاء هذه الرحلة (أنا وعلي ووشل)..فماذا يجدي الخلود إن لم نستشعر به يا علي ؟ ولأنه ينعش القلب قال:
- أمام هذا النهر الخالد هناك عشرات الأنهر الخالدة منحت قلوبنا رعشتها وفرحتها.. هناك الفن ومن صنعوه.
وكان الاقتراح زيارة الموسيقار محمد سلطان.
وفي بيته (وبيت زوجته الفنانة الكبيرة فائزة أحمد) مضينا ليلة خالدة أيضا، كان الموسيقار سلطان يحكي تفاصيل ممتعة عن رحلته في معارج الفن التي بدأت بعلاقته المبكرة بمحمد عبدالوهاب وانتهت بأن يكون سلطان هو من أدخل عبدالوهاب لقبره عندما لم يكن أحد من الأقارب حاضرا للحظة الوداع تلك...عدد كبير من القصص سمعناها في تلك الليلة، كنا نستمع فنهضت فائزة من مرقدها وانضمت إلينا، كان حضور فائزة أحمد رذاذا يبلل مشاعرنا، فطغت بحضورها.. واقتعدت مقعدها خلف صورتها بينما كان صوتها رخيما وهي تترجى سلطان أن لا يقول شيئا عن آخر لحظات علاقتها بالدنيا.
كان هو المشهد الوحيد الذي تصلبت له شراييني، فقبل موتها بلحظات سألت سلطان عن صوتها هل اعتراه تغير أو لا. ولكي تحصل على الإجابة كانت تغني له: ( أيوه تعبني هواك) ووقفت على أول الكبليه:
وانا ها تغير انا ها تغير
الا في حبك
طمن قلبك لسه باحبك
زي زمان واكتر بزمان
وعندما طمأناها أن صوتها الماسي لايزال على جوهره لامعا عانقته وأسلمت روحها.
ستظل ألحان سلطان وصوت فائزة خالدين أيضا وقلوبنا المرتعشة لهذا الجمال تبقى خالدة فهي كطائر النيل الذي مكث لتثبيت خلود ما، وخفق بجناحيه في رحلة عكسية ربما كان خلالها ينشد: أيوه تعبني هواك.