كتاب ومقالات

الفرد.. بين الرسمي والشعبي

مفتاح ضائع

أنمار مطاوع

يشير علماء الإعلام إلى أن الوسائل الإعلامية لها وظائف تُقدمها للفرد، منها وظيفة: تسهيل التفاعل الاجتماعي؛ أي تزويد الأفراد بموضوعات مشتركة للمحادثات العامة يقومون بترديدها والحديث عنها، بوعي ودون وعي.

وفي علم الاجتماع يوجد مصطلح (المسافة الرسمية)؛ وهي المسافة التي تُبقي الفرد -حين يكون في موقع المسؤولية- بعيدا عن الانغماس في نقطة الاجتماعي أو نقطة الشعبي العام.

وحتى لا يؤخذ الوجه السلبي من هذا المصطلح، فالمقصود به هو الجانب الرسمي المعني باتباع مجموعة من الأنظمة والقواعد والبروتوكولات المكتوبة التي تحكم تصرفات المسؤولين الرسميين وتكون ملزمة لهم.

في ظل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، اختلط الرسمي بالشعبي عند الأفراد، حيث عملت هذه الوسائل على إذابة المسافة الفاصلة بين الاثنين.. فأصبح الرسمي يسقط في مساحة الشعبي، والشعبي يندفع لاقتحام المسافة الرسمية. هذه الإذابة المسافية تأثر بها الجميع، فلم يعد الفارق بين الاثنين واضحا.

إلى وقت ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، كان الفرد لا يُلغي الرسمية.

ولكن تغير الواقع بعد ظهور هذه الوسائل، وتلاشت المسافة بين الرسمي والشعبي. واستكمالا للتأثير - نظرا لسطوة هذه الوسائل- انزلق الإعلام التقليدي ليكون تابعا لهاشتاق معين أو لقطة حصلت على نسبة متابعة عالية.. متنازلا عن كل قيمه وأخلاقيات مهنته ليدخل سباق الأكثر متابعة والأكثر إعجابا والأكثر مشاهدة.

كل هذا الكم من الرسائل الإعلامية انعكس على الفرد، الذي يتعرض للرسالة الواحدة عشرات المرات بأوجه مختلفة ووسائل مختلفة وتطبيقات مختلفة، فتسكن الرسالة في عقله الواعي وغير الواعي ولا تلبث أن تظهر في الوقت الخطأ والمكان الخطأ مع الأشخاص الخطأ.. وهنا يحدث الاختلال بين الرسمي والشعبي في أسوأ حالاته.

يتوجب على كل فرد أن يضبط وعيه ويسيطر على نقطة التحول بين الرسمي والشعبي –خصوصا في الأوقات التي يُفترض فيها أن يكون رسميا-، وإلا سنسمع عن الكثير من العقوبات والاستقالات والإعفاءات لمسؤولين أو أفراد وقعوا ضحايا كثافة رسائل الإعلام الجديد الذي يقوده ويخرجه وينتجه الجمهور.