كتاب ومقالات

أوبرا في الكويت.. وأوبر في السعودية!

محمد الساعد

دشنت الكويت والإمارات العربية خلال شهر واحد دارين للأوبرا، كان التوقيت متزامنا، لعلها مصادفة، أو لعله العقل الجمعي الذي يقود الدولتين المتشابهتين في الظروف الاجتماعية، الأمر الذي مكنهما من رؤية أهمية بناء صرح ثقافي وموسيقي بهذا الحجم في وقت واحد.

دارا الأوبرا في الخليج تضافان إلى الأوبرا المصرية الشهيرة، التي تعد اليوم نهرا سيالا بجانب نهر النيل، وإذا تعب اقتصاد وسياسة مصر فإن فنونها وثقافتها تبقى هي القوة الناعمة التي تمد حياة المصريين بشيء من الأمل.

لقد كانت خطوة متقدمة جدا، تؤكد أن «أعراب»، الخليج الذين قيل عنهم ذات يوم إنهم ليسوا سوى رعاة إبل ونفط، يتقدمون بخطى متسارعة نحو الحضارة، بل ويبنون أسسها في «مرابعهم».

السعودية وقبل ثلاثة أشهر أعلنت عن استثمارها في شركة أوبر العالمية، وهي خدمة التاكسي بمفهومها العصري الحديث، المفارقة ليست في التشابه بين الأسماء وبين المشاريع الثقافية، لكن في معادلة صلبة، تقول من الجيد أن تبني الجسور والطرقات والمطارات الحديثة، وتستثمر في الفرص التجارية حول العالم، لكن بالتوازي عليك أن تستثمر في الفنون والموسيقى، وأن تبني الحواضن الثقافية التي تمدها بالروح وتحميها من المشاريع الأسمنتية.

لا يجب أن نتحدث عن تحول وطني وتقدم اقتصادي، بمعزل عن تقدم فني وسينمائي وموسيقي في الوقت نفسه، لا تعلن عن حفلة ثم تتراجع عنها، لا تتوارى خلف الأسماء المحايدة، قل للسينما سينما، وللمسرح مسرحا، وللسيرك سيركا، امش نحو العالم، بلا تحفظ، فالأمم العرجاء لا مكان لها في التاريخ.

بناء المسارح ليس ترفا، كليات الموسيقى ليست عبثا وضياع وقت، النحت فن لا يمكن أن ينقلب إلى عبادة كما يتصور البعض، عصر الفنون العظيمة في أوروبا هو من قادهم لتسيد العالم اليوم.

علينا أن نبني المسارح ودور السينما، وندرس الموسيقى في المدارس، وندعم رواد الفنون، أن يكونوا هم النخب والنماذج التي يفاخر بهم المجتمع ـ الكويت التي كانت منارة الخليج وفنها الباذخ، بمسرحها العظيم الذي رعاه العبقري زكي طليمات، وتراثها الموسيقي البحري الجميل، اختفى بفعل حركيي الكويت القادمين من وعثاء السفر وهجرة الجوع والثقافة.

يمكن للفنون أن تكون مصدرا للدخل، وتحتضن طيفا واسعا من الموهوبين، وتفتح أمامهم مصادر واسعة للرزق، يمكن أن تكون صناعة كاملة تدر مليارات الريالات ويشتغل بها عشرات الآلاف من المواطنين.

وزارة الإعلام السعودية، وعدت أن يكون المجمع الملكي للفنون، باكورة مشاريعها الفنية، وأن يكون حاضنا لكل الفنون السبعة التي ابتكرتها البشرية، اليوم يقوم مركز الملك فهد الثقافي بدور خجول في بث الوعي الفني ويدير العديد من الأنشطة، هو أمر جيد لكنه يبقى مهمة من مهام الوزارة الثقيلة، ولذلك سيبقى أثرها محدودا.

في ظني أن هذا الأمر يسير بالتوازي مع فكرة تطوير الاقتصاد وإعادة هيكلته، وعندما تحدث الاقتصاد، لا يمكن أن تبقي الشعب حائرا حول قضايا مدنية محسومة بشريا، يجب أن تعيد هيكلة المجتمع أيضا، وتدفع نحو تبنيه لأدوات الحضارة، وأن تخلع عنه عباءة اللون والطعم الواحد، فكل إشكاليات الفنون هي بالأساس آراء فقهية مختلفة، وليست قطعية الأمر.