كتاب ومقالات

نساء السادس من نوفمبر

مشراق

عبدالرحمن اللاحم

وأنا أقرأ كتاب (السادس من نوفمبر.. المرأة وقيادة السيارة ١٩٩٠) للأستاذتين الجليلتين عائشة المانع وحصة آل الشيخ عاد بي الزمن إلى ربع قرن مضى وتحديدا إلى زاوية منعزلة من زوايا الجامع الكبير في بريدة حيث تحلقتُ مع مجموعة من أصدقائي الشباب، كانت أعمارنا في تلك الفترة لم تتجاوز التاسعة عشرة تنقص قليلا أو تزيد قليلا، وكنا قد ودعنا التعليم العام وبدأنا أولى خطواتنا في الجامعة التي كانت يومها تعج بالثورة المتلاطمة على أنغام قادة الصحوة الذين كانوا يتصدرون المشهد ويسرقون الأضواء بعد أن أعلنوا تمردهم بعد بداية حرب تحرير الكويت وما تبعه من أحداث سياسية في المنطقة.

كنا ننتظر بداية محاضرة لأحد نجوم تلك الفترة وهو محاضر في كلية اللغة العربية اسمه سلمان بن فهد العودة وكانت بعنوان (عفوا.. لسنا أغبياء بدرجة كافية)، وجاءت تلك المحاضرة ضمن سلسلة كان يلقيها في الجامع ذاته بعد صلاة المغرب من كل يوم أحد، وفي انتظار المحاضرة كنا نقلب عدة منشورات كانت توزع بكثافة في مساجد بريدة وفي مدارسها وفي جامعة الإمام تحديدا في كلية الشريعة وأصول الدين، وكانت تلك المنشورات مليئة بالسباب والشتائم والقذف لمجموعة من السيدات قمن بقيادة سياراتهن في أحد أحياء الرياض وأنهن يردن (إسقاط) الحجاب وتغريب المجتمع وجملة من التهم التي صاغها مجاهيل لا أحد يعرفهم إلى اليوم، قاموا بإعداد تلك المنشورات وتوزيعها، ولم نكن يومها نرى أن تلك العبارات داخلة في الشتم والسباب والقذف، بل كان مشايخنا يصورونها على أنها جهاد في سبيل الله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ومواجهة لحملة التغريب ودعاة الضلال، ولم يكن لنا حق التفكير أو الجدل أو النقاش بل كان المطلوب هو التسليم والانقياد.

ألقيت المحاضرة التي كانت ضمن سلسلة من المحاضرات والخطب على مستوى المملكة هاجمت بكل شراسة مجموعة السيدات الفاضلات ونهشت أجسادهن دون مراعاة لأبسط قواعد الأخلاق أو القيم الدينية وتم إسقاطهن وعزلهن تماما عن المجتمع وإيذاؤهن في إرزاقهن، لا لشيء إلا لأن تلك النخبة النسائية لم يخضعن لسلطة شيوخ الصحوة وأعلن التمرد عليهم في أوج قوتهم وجبروتهم، ولم أعرف كم كانت الحملة ظالمة وجائرة إلا بعد أن تعرفت على كثير منهن وأدركت حجم الألم الذي سببه لهن دعاة الغلو والتطرف، لقد أدركت حينها أنني اقترفت خطيئة بأن حضرت تلك المحاضرة وقلبت تلك الأوراق وأرخيت سمعي لقالة السوء.

والآن وبعد ربع قرن من الزمن وقد تبدلت الأحوال وتغيرت مفاهيم قادة الصحوة لم يجرؤ أحد منهم على الاعتذار لأولئك النسوة على ما اقترفوه بحقهن وبحق عوائلهن، مع أنهم يدّعون الانفتاح والتسامح ويثرثرون كثيرا في (سناباتهم) عن قيمة الاعتذار، أما بناتهم اللاتي لم يكن قد ولدن في السادس من نوفمبر عام ٩٠، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يقدن سياراتهن الفاخرة ويتجولن بها بين ولايات الغرب الكافر التي كانوا يفتون لنا بأنه لا يجوز أن نسافر لها، وذهبت تلك الفتاوى أدراج الرياح كما ذهب غيرها دون أن يعتذر منها أحد.