كتاب ومقالات

الولايات الترامبية المتحدة..!

هاني الظاهري

رُفعت الأقلام وجفت صحف الانتخابات الرئاسية الأمريكية وطار الملياردير دونالد ترامب بكرسي البيت الأبيض، وبقي لي أن أشكر زملاء الحرف في عكاظ على الإشارة في عدد الخميس الماضي إلى مقالة نُشرت لي قبل نحو سنة بعنوان (لماذا نخسر الشيخ ترامب) توقعت فيها فوزه برئاسة الولايات المتحدة عندما كان معظم المحللين السياسيين يعتبرون ذلك ضربا من ضروب المستحيل.

كتبت حينها أن «من السهل أن يمسك أي كاتب أو محلل سياسي عربي قلما ثم ينهال بالشتائم والتشنيع على المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب في سياق ردود الفعل على دعوته المثيرة لحظر دخول المسلمين للولايات المتحدة.. من السهل كذلك أن يعلن هذا الكاتب أو المحلل أن ترامب بات خارج اللعبة السياسية ولا يمكن أن يفوز بالرئاسة لأنه عنصري ومجنون وما إلى ذلك من أوصاف لا تعني أي شيء بالنسبة للناخب الأمريكي على أرض الواقع، فمشكلة المحلل السياسي العربي أنه شاعري ومنفصل عن الواقع.. يمكنه أحيانا أن يكتب قصائد مديح وهجاء بلغة سياسية ثم يوقعها باسمه ويسميها (رؤية سياسة) ويعتقد أن العالم سيسير وفقها، هكذا بكل صفاقة، لأنه في الغالب لا يستطيع أن يدرس القضايا المطروحة ويلم بكافة جوانبها، كما أنه لا يجيد وزن المعطيات بثقلها الواقعي بشكل يؤهله للحكم عليها موضوعيا».

بعد تلك المقالة بنحو تسعة أشهر وتحديدا بتاريخ 3 سبتمبر 2016م نشرت مقالة أخرى بعنوان (ارتجاج هيلاري ودهاء ترامب) أوضحت فيها أن «تصاعد شعبية ترامب في الاستطلاعات التي تُجرى على عينات عشوائية من الناخبين بشكل أسبوعي مرتبط بحدة خطابه تجاه المهاجرين على عكس ما يتصوره كثير ممن يراهنون على عدم عنصرية الشعب الأمريكي، وهذه مسألة تحتاج مزيدا من التفصيل ليفهمها المتابع العربي، فذكاء أو لنقل «دهاء» حملة ترامب يتلخص في كونها شديدة العداء للمهاجر غير الشرعي، في الوقت الذي تشدد فيه على احترام المقيم النظامي وكذلك المواطن الأمريكي من أصول أخرى، وهذا بالضبط ما يريده الناخب الأمريكي التقليدي الذي يعتقد أن المهاجر غير الشرعي مشروع مجرم ومزاحم له على الأعمال الصغيرة، أما الغاضبون من تصريحات ترامب فهم لا يملكون حق الانتخاب من الأساس؛ لأن غالبيتهم العظمى ليست أمريكية الجنسية».

ما كنت أطرحه في المقالات السابقة عن ترامب ليس من باب التنجيم، بل نتيجة قراءة مكثفة للمشهد الأمريكي عن قرب رغم كل التضليل الإعلامي الذي مورس ضده.. وأزعم أنها قراءة شديدة الصعوبة على كل محلل يصر على إغلاق عينيه وأذنيه عما يخالف أمانيه كما فعل معظم كتابنا ومحللينا العرب الذين أصبحت كتاباتهم اليوم عن ترامب (وسيلة للسخرية منهم) بعد أن قال الأمريكيون كلمتهم.

ربما أكون محظوظا لأنني تعرفت قبل أشهر على عدد من الأصدقاء الأمريكيين المؤيدين لترامب وكذلك المعارضين له مما أتاح لي رؤية ما لا تريد وسائل الإعلام الغربية أن يُرى.. حدث ذلك بعد مقالة نشرتها باللغة الإنجليزية في موقع أمريكي بعنوان (كاسحة الألغام دونالد ترامب) حظيت بعشرات المداخلات التي تنقل بصدق ما يحدث في الشارع الأمريكي بعيدا عن تضليل (الميديا)..

لم يفز ترامب بكرسي الرئاسة فقط بل هزم خصومه جميعا وعلى رأسهم وسائل الإعلام ومراكز الدراسات التي حاولت طوال عام ونصف إيهام العالم بأنه لن ينتصر.. هزم أيضا رفاقه الجمهوريين الذي تخلوا عنه واتخذوا موقفا عدائيا منه، لأنه بكل بساطة يمثل الثقافة الأمريكية الحقيقية، وجاء في وقت كان الأمريكيون يبحثون فيه عن بطل يشبههم ليعيد أمريكا عظيمة كما كانت.. وهذا ما وعدهم به بطلهم الجديد.