كتاب ومقالات

مات أمير النبل والوفاء تركي بن عبدالعزيز!

على محمد الرابغي

أفاقت جموع من هذا الوطن على خبر أليم تلها من وجدانها وصدم فيها مواقع الحس عندما نقل الأثير نعي أمير الوفاء والنبل والكرم والشهامة تركي بن عبدالعزيز.. خسارة رجل في هذا الحجم وعلى هذا القدر من الشهامة والنبل الإنساني خسارة فاجعة.. لم يكن تركي بن عبدالعزيز أميرا عاديا ولا إنسانا عابرا في هذه الحياة وإنما كان هو مجموعة إنسانية تمثلت في هذا الكيان الإنساني النبيل.

تركي بن عبدالعزيز يبكيه كل من عرف فضله:

فهو رجل وكما يقول المثل والرجال قليل.. كان يشقى بهموم الآخرين ويجتهد حتى يسهم في زحزحة الآلام والمعاناة عن من قصده في ديوانه الكبير.. الذي كان يقصده القاصي والداني، ويبدأ مساءه بالنظر في شكاوى المواطنين واحتياجاتهم.. الأمر الذي يأخذ منه وقتا طويلا.. يلتفت إلى زواره من علية القوم ومن كبار الشخصيات ومن الشعراء والأدباء ورجال الفكر والكلمة.. فهو يعشق الكلمة ويدرك أبعادها ويتعاطى مع المعاني الكبيرة.. وتتحول جلسته إلى أنس وإلى ثقافة وإلى تعاطٍ للكلمة المجنحة.. لذلك فهو قد جعل من صالونه منتدى يروج فيه الحوار ويعلو ويهبط وترتفع درجة حرارته وتسخن ثم تبرد لتكون بردا وسلاما.. وهو من وراء ذلك الحوار الذي يديره في قوة واقتدار وفهم بعيدا عن الممارسات الخاطئة لا يتعدى على أحد إنما يسهم بقدر مشرف في عملية البناء.

أحسب أن تركي بن عبدالعزيز قد غاب عن أرضنا وسمائنا كنجم كبير عملاق قد أثر كثيرا فى مشاعر الكثيرين من عارفي فضله.. ولعلي لا أبالغ إن قلت إن هناك الكثير الكثير من الذين يدينون بالولاء والفضل لهذا الرجل العظيم.. فكم داوى من الجراح وكم أسكت دواعي الفاقة والحاجة عن كثير من البيوت.. وكم أخذ على عاتقه العناية بالشباب وفتح مجال الدراسات العليا لهم.. ولعل مشروعه الكبير الذي اختص به الأوائل من الدول العربية ليساعدهم على حسابه الخاص.. وهم الآن كثر يتقلدون مناصب متقدمة ويحتلون مكانة عالية بارزة.. ما كان لهم أن يصلوا إليها لولا تبني هذا الرجل العظيم لهم وتيسير السبل لكي يصلوا إلى ما وصلوا إليه.

أحسب أن هذا الرجل الأمير في وجدانه الأمير والأنيق في تعامله وفي إشاعة عاطفته أن تصيب الكثيرين الكثيرين.. كل ذلك في تواضع جم كأنما هو يغرف من بحر معينه الإنساني.. وما أكثر المواقف الإنسانية التي كان سببا في إزاحة الهموم الثقيلة عن كواهل الكثيرين، فهو الأمير الذي يعطي من غير أن يسأل.. وكم عتق من الرقاب وكم مسح من الآلام العضال ومتابعة المرضى شخصيا ويتولى أمرهم حتى الشفاء من مرضهم.. كان مجلسه العامر ناديا بحق للعبقريات وللمواهب تتلاقح فيه أفكار الصغار مع أقطاب الفكر كمحمد حسن فقي وكعبدالله بالخير وكطاهر زمخشري وكالزيدان وعبدالمجيد شبكشي وكنعان الخطيب وعبدالله السعد والأدباء الشباب كالجفري والخياط ومحمد عمر العامودي من أبناء هذا الوطن ومن خارجه.. وكلهم يقصدون سموه الكريم ويتبنى المواهب ويتولى الإنفاق على إصداراتهم.. كل ذلك وبسمته العريضة لا تفارقه.. فهو فرح بما يقدمه من إسهامات كان لها الأثر في إضفاء الصحة والعافية على الكثيرين وفي حلحلة أزماتهم وفي توفير الوظائف لطلابها.. رحم الله الفقيد فموته خسارة فادحة ولكن لا راد لقضاء الله ونقول كما قال رسول البشرية إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرْضِى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.. ونحن نقول وإنا بفراقك يا تركي لمحزونون.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. وحسبي الله ونعم الوكيل.