زراعة القمح مرة أخرى
السبت / 19 / صفر / 1438 هـ السبت 19 نوفمبر 2016 01:49
عيسى الحليان
في أعقاب القرار الشهير القاضي بإيقاف زراعة القمح، تعرض القطاع الزراعي في البلاد آنذاك لصدمة في ظل وجود هذه المساحات الزراعية الشاغرة والاستثمارات القائمة عليها، وعدم إيجاد حلول لها، وإن كان القرار ترك الباب مواربا لزراعة محاصيل بديلة على رأسها زراعة الأعلاف، وذلك بحكم ارتباطها بصناعة الألبان وتربية الإبل والماشية وقوة تأثير هذا «التكتل»، والدليل على أن هذا القرار كان صدمة حقيقية أن زراعة القمح قد أعيدت ضمن القرار الأخير، وهو ما يثبت أن ذلك القرار لم يكن سوى استجابة لـ«فوبيا المياه» التي رفعت وزارة المياه والكهرباء لواءها -آنذاك- دون أن يصاحبها حزمة من الضوابط والآليات لضمان تحقيق الهدف الذي صدرت من أجله هذه القرارات.
ورغم أن القرار استهدف ترشيد المياه، إلا أن المياه كانت هي المتضرر الأكبر من بين كل اللاعبين في القطاع، بعد أن استخرجنا ما يقارب ثلاثة أضعاف كميات المياه عبر الانتقال من المحاصيل الشتوية إلى الصيفية. أتذكر حينها أن اللجنة الزراعية في غرفة تجارة الرياض قد أصدرت دراسة زراعية تبنتها اللجنة الوطنية الزراعية لبحث آثار وتداعيات هذا القرار، وتركزت توصيات التقرير آنذاك على إيجاد الآليات اللازمة لتحقيق النتائج المتوخاة، وهي ترشيد المياه، وإلا فإن المشكلة سوف تتفاقم، وللأسف فإن ما تنبأت به الدراسة هو ما حصل بالضبط.
تقدم الفريق البحثي بثلاثة مقترحات من بينها تخصيص 200 ريال لكل طن من الإنتاج المتوقع من المزارع مضروباً في عدد السنوات المتبقية من القرار (8 سنوات) مقابل عدم زراعة أي محصول آخر، وهذا الحل لم تكن تكاليفه لتتجاوز 3.2 مليارات ريال طوال السنوات الثماني، والمقترح الثاني كان يرمي إلى حل المشكلة من جذورها من خلال استعادة الأراضي الزراعية بما قيمته 5 ريالات للمتر المربع يدفع منها للمزارع 40% وبقية القيمة على مراحل، و60% تدفع له لاحقا كأسهم عينية في الشركة القابضة للاستثمار الزراعي المزمع إقامتها آنذاك في الخارج (كبديل عن الاستثمار الزراعي الداخلي)، وكانت كل التكاليف لا تتجاوز 26 مليار ريال، لكنها كانت تنهي المشكلة تماماً بعد استعادة كامل الأراضي الزراعية من قبل الدولة لتكون في عهدة وزارة المياه للاستفادة من الآبار الموجودة.
أتذكر أن اللجنة الزراعية ظلت تسوق لهذه الدراسة وخيارات الحلول المطروحة في أروقة الوزارات المختصة ومجالس الشورى والاقتصادي الأعلى دون أن يلتفت لهم أحد، اليوم صدرت الضوابط الجديدة لوقف زراعة البرسيم التي تجاوزت مشكله القمح، بل إن بين هذه الحلول زراعة القمح نفسه، أي معالجة آثار القرار السابق على طريقة «داوها بالتي كانت هي الداء» وليصبح القمح جزءا من الحل، بعد أن كان جزءا من المشكلة، وهي مفارقة عجيبة، خصوصا أن كل القرارات الجديدة جاءت لإصلاح ما خلفه ذلك القرار الشهير وبتكاليف أكبر قطعا، وهكذا تتكرر هذه الأسطوانة على مدى عقود، فكل مشكلة تلد أخرى، وبتكاليف مائية ومالية أكبر من سابقتها. اليوم عليك أن تتصور خروج كل هذه المساحات من الخدمة، وهل سوف يسلم أصحابها بذلك أو يسعون لاختراقها بشتى السبل! في اعتقادي أنه إذا لم يتم إيجاد حلول مستدامة لهذه المساحات والآليات الزراعية التي ظلت كل القرارات المتعاقبة تسقطها من دفاتر حساباتها، فإن المشكلة قد تستمر، وربما تطول، لتطل برأسها علينا كل مرة بشكل جديد وموديل زراعي آخر.
ورغم أن القرار استهدف ترشيد المياه، إلا أن المياه كانت هي المتضرر الأكبر من بين كل اللاعبين في القطاع، بعد أن استخرجنا ما يقارب ثلاثة أضعاف كميات المياه عبر الانتقال من المحاصيل الشتوية إلى الصيفية. أتذكر حينها أن اللجنة الزراعية في غرفة تجارة الرياض قد أصدرت دراسة زراعية تبنتها اللجنة الوطنية الزراعية لبحث آثار وتداعيات هذا القرار، وتركزت توصيات التقرير آنذاك على إيجاد الآليات اللازمة لتحقيق النتائج المتوخاة، وهي ترشيد المياه، وإلا فإن المشكلة سوف تتفاقم، وللأسف فإن ما تنبأت به الدراسة هو ما حصل بالضبط.
تقدم الفريق البحثي بثلاثة مقترحات من بينها تخصيص 200 ريال لكل طن من الإنتاج المتوقع من المزارع مضروباً في عدد السنوات المتبقية من القرار (8 سنوات) مقابل عدم زراعة أي محصول آخر، وهذا الحل لم تكن تكاليفه لتتجاوز 3.2 مليارات ريال طوال السنوات الثماني، والمقترح الثاني كان يرمي إلى حل المشكلة من جذورها من خلال استعادة الأراضي الزراعية بما قيمته 5 ريالات للمتر المربع يدفع منها للمزارع 40% وبقية القيمة على مراحل، و60% تدفع له لاحقا كأسهم عينية في الشركة القابضة للاستثمار الزراعي المزمع إقامتها آنذاك في الخارج (كبديل عن الاستثمار الزراعي الداخلي)، وكانت كل التكاليف لا تتجاوز 26 مليار ريال، لكنها كانت تنهي المشكلة تماماً بعد استعادة كامل الأراضي الزراعية من قبل الدولة لتكون في عهدة وزارة المياه للاستفادة من الآبار الموجودة.
أتذكر أن اللجنة الزراعية ظلت تسوق لهذه الدراسة وخيارات الحلول المطروحة في أروقة الوزارات المختصة ومجالس الشورى والاقتصادي الأعلى دون أن يلتفت لهم أحد، اليوم صدرت الضوابط الجديدة لوقف زراعة البرسيم التي تجاوزت مشكله القمح، بل إن بين هذه الحلول زراعة القمح نفسه، أي معالجة آثار القرار السابق على طريقة «داوها بالتي كانت هي الداء» وليصبح القمح جزءا من الحل، بعد أن كان جزءا من المشكلة، وهي مفارقة عجيبة، خصوصا أن كل القرارات الجديدة جاءت لإصلاح ما خلفه ذلك القرار الشهير وبتكاليف أكبر قطعا، وهكذا تتكرر هذه الأسطوانة على مدى عقود، فكل مشكلة تلد أخرى، وبتكاليف مائية ومالية أكبر من سابقتها. اليوم عليك أن تتصور خروج كل هذه المساحات من الخدمة، وهل سوف يسلم أصحابها بذلك أو يسعون لاختراقها بشتى السبل! في اعتقادي أنه إذا لم يتم إيجاد حلول مستدامة لهذه المساحات والآليات الزراعية التي ظلت كل القرارات المتعاقبة تسقطها من دفاتر حساباتها، فإن المشكلة قد تستمر، وربما تطول، لتطل برأسها علينا كل مرة بشكل جديد وموديل زراعي آخر.