فوضى العمل وجرس النقابات المهنية
الثلاثاء / 22 / صفر / 1438 هـ الثلاثاء 22 نوفمبر 2016 02:08
عبداللطيف الضويحي
من السهل أن تغير مهنتك حسب الطلب، إذا كنت في سوق عمل لا تحكمه مرجعية مهنية. فاليوم سباك وغداً كهربائي، وفي الصباح صحافي وفي المساء محاسب، أو مدرس في الصباح وفي المساء مهندس زراعي.
مهما كبر سوق العمل أو تنوعت مجالاتها في بلد أو منطقة، تبقى السوق محكومة بالفوضى حقوقياً ومهنياً وأخلاقيا، ما لم تتلازم هذه المهن في أطر مهنية يؤسس كل إطار منها ويرتقي بهوية وثقافة كل مهنة بما يكفل لممارسي هذه المهنة على اختلاف تصنيفاتهم ومستوياتهم حقوقهم ويرعى أخلاقيات تلك المهنة وممارسيها.
تعاني أسواق العمل الخليجية من غياب أو ضعف الثقافة المهنية بشكل تغيب معها هوية وثقافة المهنة وأخلاقيات العمل وحقوق العاملين، فضلا عن تدني مستوى الاحترافية وذوبان بعض المهن بعضها ببعض بسبب غياب مرجعيات مهنية ناضجة حقيقية وقوية كالهيئات والجمعيات، رغم أن هذه الأسواق من أكبر أسواق العمل وأكثرها تنوعا وتعددا في الجنسيات. كان من المفترض أن يسهم تعدد الجنسيات، بالارتقاء بثقافة المهنة، لكن غياب المرجعيات المهنية التي تحكم سوق العمل وغياب معايير الاستقدام المهني جعل أسواق العمل في الخليج من أكبر وأكثر الأسواق فوضى مهنية.
فلم يعد نادرا أن يعمل الفني مهندسا والمساعد أو الممرض طبيباً والسباك والنجار مقاولاً وربما مهندساً، وليس استثناء أن يعمل المهندس أو الطبيب مدرساً، وليس غريبا أن يعمل المدرس سائقا أو السائق إداريا وليس نادرا أن يعمل المحامي صحافيا والصحافي يعمل محاميا.
إنها فوضى تصنيف المستويات في المهنة الواحدة، عندما يتقاضى مهندس من الدرجة الخامسة أكثر مما يتقاضاه مهندس من الدرجة الثانية أو الدرجة الأولى، إنها فوضى المستويات عندما يتقاضى طبيب من الدرجة العاشرة ما يتقاضاه طبيب من الدرجة الأولى، وإنها الفوضى عندما يتقاضى محاسب حديث التخرج أكثر مما يتقاضاه محاسب من الدرجة الثانية.
وإنها فوضى المرجعيات المهنية، عندما يستمر مقاول فاشل في سوق العمل لأكثر من 30 عاما يكرر الكارثة تلو الكارثة مع مواطن بعد مواطن ما بين سقوط مبنى وتصدع آخر وتشقق جدران وسطوح ثالث.
إنه سوق عمل لم يؤثر به العمال الفلبينيون والآسيويون المتميزون، لأنه سوق عمل هش أثرت به ويؤثر العمال المفتقرون للمهنية والحرفية وهم الذين يتعلمون به كحقل تجارب كل المهن فلا يجيدون منها أي مهنة.
يوجد بعض الجمعيات والهيئات لبعض المهن، لكن تجارب تلك الهيئات والجمعيات سيئة على صعيد الحقوق والأخلاقيات والارتقاء بالمهن وتكشف تلك التجارب عن أنها لم تكن أفضل حالا من المهن الأخرى.
أسباب كثيرة حالت وتحول دون تفعيل دور تلك المرجعيات المهنية السائدة حاليا، منها ما يتعلق بالتشريعات ومنها ما يتعلق بثقافة المهنة والحرفة بين ممارسيها ومنها ما يتصل بثقافة المجتمع ككل، ناهيك العقبات والصعوبات التي تتسبب بها أنظمة الخدمة المدنية والتصنيفات الوظيفية الحكومية المؤطرة والمعنونة بـ«موظف حكومي» والتي أخفقت حتى الآن بالتحول الحقيقي والجذري من مفهوم «الموظف» إلى مفهوم «المهنة»،
لعلنا نجد برؤية 2030 للمملكة فرصة، لاقتراح تشريعات تضع الأمور في نصابها. تشريعات لنظام النقابات المهنية تستفيد منه المهن كلها، تتجاوز الثغرات والعثرات التي عانت وتعاني منها هيئة المهندسين وهيئة المقاولين والمحامين والأطباء وهيئة الصحفيين وغيرها.
لعله من نافلة القول إن من الميزات التي ستثمر عنها هذه الخطوة التشريعية للنقابات المهنية، هو جسر الهوة العميقة بين القطاع العام والقطاع الخاص وبين القطاع نفسه مع باقي مؤسساته وبنوكه. فكلنا يعرف الفجوة بالدخل بين أصحاب المهنة الواحدة والمستويات الواحدة في القطاع الخاص، فضلا عن القطاع العام.
كما أن نظام النقابات المهنية ينسجم مع توجه الدولة في برنامج التحول الاقتصادي والمنبثق من رؤية 2030 والقائم على المحرك الاقتصادي وموارده الطبيعية والبشرية.
ولعل هذا النظام الذي نراه يمثل صمام الأمان للمهنة والمهنيين على اختلاف مجالاتهم، يمثل سقف العدالة بين شرائح المجتمع العاملة استنادا إلى الاختبارات والامتحانات الضرورية للقبول في أي مهنة، وتنظيم كل مهنة بحزمة من القوانين وتطبيقها تطبيقا صارما لا يسمح للدخلاء ولا يسمح للمحسوبيات أو المزورين أو الوهميين من تسطيحها وتدمير مقوماتها وخلط الصالح بالطالح من أبناء المهنة.
لعل النقابات المهنية ستكشف لنا عن مصدر كبير لتوليد فرص العمل للشباب السعودي، فمنع ممارسة الشخص لمهن متعددة، سيتيح مهنا كثيرة تلقائيا للراغبين بممارستها على شكل مشاريع صغيرة أو متوسطة أو مهنة، كما أن جهات التدريب والتعليم والتأهيل ستجدها خدمة كبيرة أن تعرف المهن الحقيقية المطلوبة في سوق العمل ككل أو سوق العمل في كل منطقة وفي كل مدينة من مدن وريف المملكة، كما أن جهات الاستقدام ستجد ضالتها بالاستقدام المتخصص وإنقاذ البلد من العمال الذين لا يجيدون أي مهنة، حيث يغرقون البلد بمن لا يجيدون أي مهنة ويمارسون كل مهنة. لذلك أصبحوا هؤلاء عبأ حقيقيا على الاقتصاد وعلى ثقافة المهن وعلى الهوية والثقافة المحلية.
مهما كبر سوق العمل أو تنوعت مجالاتها في بلد أو منطقة، تبقى السوق محكومة بالفوضى حقوقياً ومهنياً وأخلاقيا، ما لم تتلازم هذه المهن في أطر مهنية يؤسس كل إطار منها ويرتقي بهوية وثقافة كل مهنة بما يكفل لممارسي هذه المهنة على اختلاف تصنيفاتهم ومستوياتهم حقوقهم ويرعى أخلاقيات تلك المهنة وممارسيها.
تعاني أسواق العمل الخليجية من غياب أو ضعف الثقافة المهنية بشكل تغيب معها هوية وثقافة المهنة وأخلاقيات العمل وحقوق العاملين، فضلا عن تدني مستوى الاحترافية وذوبان بعض المهن بعضها ببعض بسبب غياب مرجعيات مهنية ناضجة حقيقية وقوية كالهيئات والجمعيات، رغم أن هذه الأسواق من أكبر أسواق العمل وأكثرها تنوعا وتعددا في الجنسيات. كان من المفترض أن يسهم تعدد الجنسيات، بالارتقاء بثقافة المهنة، لكن غياب المرجعيات المهنية التي تحكم سوق العمل وغياب معايير الاستقدام المهني جعل أسواق العمل في الخليج من أكبر وأكثر الأسواق فوضى مهنية.
فلم يعد نادرا أن يعمل الفني مهندسا والمساعد أو الممرض طبيباً والسباك والنجار مقاولاً وربما مهندساً، وليس استثناء أن يعمل المهندس أو الطبيب مدرساً، وليس غريبا أن يعمل المدرس سائقا أو السائق إداريا وليس نادرا أن يعمل المحامي صحافيا والصحافي يعمل محاميا.
إنها فوضى تصنيف المستويات في المهنة الواحدة، عندما يتقاضى مهندس من الدرجة الخامسة أكثر مما يتقاضاه مهندس من الدرجة الثانية أو الدرجة الأولى، إنها فوضى المستويات عندما يتقاضى طبيب من الدرجة العاشرة ما يتقاضاه طبيب من الدرجة الأولى، وإنها الفوضى عندما يتقاضى محاسب حديث التخرج أكثر مما يتقاضاه محاسب من الدرجة الثانية.
وإنها فوضى المرجعيات المهنية، عندما يستمر مقاول فاشل في سوق العمل لأكثر من 30 عاما يكرر الكارثة تلو الكارثة مع مواطن بعد مواطن ما بين سقوط مبنى وتصدع آخر وتشقق جدران وسطوح ثالث.
إنه سوق عمل لم يؤثر به العمال الفلبينيون والآسيويون المتميزون، لأنه سوق عمل هش أثرت به ويؤثر العمال المفتقرون للمهنية والحرفية وهم الذين يتعلمون به كحقل تجارب كل المهن فلا يجيدون منها أي مهنة.
يوجد بعض الجمعيات والهيئات لبعض المهن، لكن تجارب تلك الهيئات والجمعيات سيئة على صعيد الحقوق والأخلاقيات والارتقاء بالمهن وتكشف تلك التجارب عن أنها لم تكن أفضل حالا من المهن الأخرى.
أسباب كثيرة حالت وتحول دون تفعيل دور تلك المرجعيات المهنية السائدة حاليا، منها ما يتعلق بالتشريعات ومنها ما يتعلق بثقافة المهنة والحرفة بين ممارسيها ومنها ما يتصل بثقافة المجتمع ككل، ناهيك العقبات والصعوبات التي تتسبب بها أنظمة الخدمة المدنية والتصنيفات الوظيفية الحكومية المؤطرة والمعنونة بـ«موظف حكومي» والتي أخفقت حتى الآن بالتحول الحقيقي والجذري من مفهوم «الموظف» إلى مفهوم «المهنة»،
لعلنا نجد برؤية 2030 للمملكة فرصة، لاقتراح تشريعات تضع الأمور في نصابها. تشريعات لنظام النقابات المهنية تستفيد منه المهن كلها، تتجاوز الثغرات والعثرات التي عانت وتعاني منها هيئة المهندسين وهيئة المقاولين والمحامين والأطباء وهيئة الصحفيين وغيرها.
لعله من نافلة القول إن من الميزات التي ستثمر عنها هذه الخطوة التشريعية للنقابات المهنية، هو جسر الهوة العميقة بين القطاع العام والقطاع الخاص وبين القطاع نفسه مع باقي مؤسساته وبنوكه. فكلنا يعرف الفجوة بالدخل بين أصحاب المهنة الواحدة والمستويات الواحدة في القطاع الخاص، فضلا عن القطاع العام.
كما أن نظام النقابات المهنية ينسجم مع توجه الدولة في برنامج التحول الاقتصادي والمنبثق من رؤية 2030 والقائم على المحرك الاقتصادي وموارده الطبيعية والبشرية.
ولعل هذا النظام الذي نراه يمثل صمام الأمان للمهنة والمهنيين على اختلاف مجالاتهم، يمثل سقف العدالة بين شرائح المجتمع العاملة استنادا إلى الاختبارات والامتحانات الضرورية للقبول في أي مهنة، وتنظيم كل مهنة بحزمة من القوانين وتطبيقها تطبيقا صارما لا يسمح للدخلاء ولا يسمح للمحسوبيات أو المزورين أو الوهميين من تسطيحها وتدمير مقوماتها وخلط الصالح بالطالح من أبناء المهنة.
لعل النقابات المهنية ستكشف لنا عن مصدر كبير لتوليد فرص العمل للشباب السعودي، فمنع ممارسة الشخص لمهن متعددة، سيتيح مهنا كثيرة تلقائيا للراغبين بممارستها على شكل مشاريع صغيرة أو متوسطة أو مهنة، كما أن جهات التدريب والتعليم والتأهيل ستجدها خدمة كبيرة أن تعرف المهن الحقيقية المطلوبة في سوق العمل ككل أو سوق العمل في كل منطقة وفي كل مدينة من مدن وريف المملكة، كما أن جهات الاستقدام ستجد ضالتها بالاستقدام المتخصص وإنقاذ البلد من العمال الذين لا يجيدون أي مهنة، حيث يغرقون البلد بمن لا يجيدون أي مهنة ويمارسون كل مهنة. لذلك أصبحوا هؤلاء عبأ حقيقيا على الاقتصاد وعلى ثقافة المهن وعلى الهوية والثقافة المحلية.