السنعوسي.. «الأب الروحي» للإعلام المرئي الكويتي
الجمعة / 03 / ربيع الأول / 1438 هـ الجمعة 02 ديسمبر 2016 02:05
الدكتور عبدالله المدني أستاذ العلاقات الدولية من مملكة البحرين
الحديث هنا هو عن وزير الإعلام الكويتي الأسبق محمد ناصر السنعوسي، وعن الجهاز الذي ارتبط اسمه به وهو تلفزيون الكويت الذي له مكانة أثيرة في نفوس أبناء الخليج، كونه ظهر في زمن كان البث التلفزيوني فيه مقتصرا على تلفزيون أرامكو ذي البرامج البعيدة عن الأخبار والأحداث السياسية والمسلسلات الفكاهية المحلية والعربية، فكان الناس يتصيدون بث تلفزيون الكويت الذي لم يكن يصل إليهم نقيا إلا في أيام الصيف الرطبة. فكلما اشتدت الرطوبة زادت درجة نقاء الشاشة، وكلما تشوش البث كان لابد من تحريك الهوائيات يمينا ويسارا، وسط صراخ بين شخص على الأرض يراقب الشاشة وآخر فوق السطح يدير «الأريل».
ولد السنعوسي في الكويت عام 1938 لعائلة هاجرت أولا من مدينة حائل السعودية إلى بلدة شقراء، ثم إلى بلدة أثيثية في نجد، قبل أن ينزح جدها «ناصر محمد السنعوسي» إلى الكويت في عام 1909 للعمل تاجر مواد غذائية من خلال دكان صغير في ساحة الصفاة، فدكان أوسع في «سوق الزل».
سكن ناصر أولا في حي الصالحية وتاليا في حي الجبلة حيث يسكن معظم آل السنعوسي حاليا. وأنجب أربعة أبناء هم: ولده الأكبر محمد، الذي هو محورنا حديثنا، عبدالله الذي عمل بالخارجية حتى صار سفيرا، مشاري الضابط في سلاح الطيران بالجيش الكويتي، أحمد الذي عمل سنوات طويلة بالمحاماة قبل أن يتوجه إلى الأعمال التجارية الحرة.
تخصص السنعوسي أكاديميا في الإعلام من خلال دراسته في جامعة جنوب كاليفورنيا وحصوله على درجة البكالوريوس في 1969، لكنه كان قد ذهب قبل ذلك إلى القاهرة عملا بنصيحة حمد الرجيب لدراسة المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية، بالرغم من أنه لم يكن موهوبا في التمثيل ولم يكن المسرح يجذبه إلا مشاهدا طبقا لما كتبه بنفسه في كتابه «السنعوسي تلفزيون الكويت تاريخ وحكايات 1961ـ1985»، الصادر أخيرا عن دار ذات السلاسل، وهو كتاب وثق فيه المؤلف قصته مع تلفزيون بلده فضلا عن أحداث وشخصيات واكبت المراحل الأولى لانطلاق بثه، وسنعتمد عليه هنا مصدرا رئيسيا للحديث عن مشوار الرجل وإنجازاته.
قسم السنعوسي كتابه إلى عدة أقسام، يحكي في كل منها موضوعا مختلفا، وإنْ بدأ بطريقة «الفلاش باك» بمعنى الحديث ابتداء عن يوم استقالته من التلفزيون سنة 1985 وصولا إلى يوم تقديم استقالته وزيرا للإعلام سنة 2006 قبل يوم واحد من استجوابه في مجلس الأمة بطلب مقدم من النائب الإسلامي فيصل المسلم.
التحق السنعوسي بالمدرسة القبلية في 1945، ومنها انتقل إلى مدرسة المثنى، فمدرسة المرقاب، فمدرسة صلاح الدين التي ودعها إلى الكلية الصناعية في 1956. في كل هذه المدارس حفر ذكريات لا تنسى لجهة النشاط اللاصفي وإقامة معسكرات الكشافة وما يصاحبها عادة من تسلية ومرح وترفيه مسرحي وغنائي. ويتذكر السنعوسي، في هذا السياق، كيف أنه وصديقه الحميم «ثامر السيار» ألفا وقدما منولوجات طريفة سخرت من الأوضاع الاجتماعية والسياسية السلبية في الخمسينات.
أما عن ذهابه إلى القاهرة بعد إتمامه لمرحلة الدراسة الثانوية فيقول إنه كان يعيش في عام 1961 بحي الزمالك الراقي بالقاهرة سعيدا بحياته ودراسته إلى أن أحاط به ذات يوم «ثلاثة وجوه من أبناء بلدي: خالد المسعود، خالد الشريعان، إبراهيم الفارس.. تحدثوا عن مشروع الكويت الجديد (التلفزيون)، وعن رغبتهم في عودتي إلى «الديرة» للعمل في «شاشتها».. بقليل جهد أقنعني ثلاثتهم بالانضمام إلى الكتيبة المؤسسة لتلفزيون بلادي، فانصرفت عن استكمال دراستي في القاهرة وغادرتها إلى رحلة طويلة مملوءة بكل ألوان الشغف والإثارة والطموح والتحدي».
في القاهرة كان السنعوسي ضمن الطلبة الناشطين في «بيت الكويت» الذي كان بمثابة سفارة لكويت ما قبل الاستقلال في مصر. وفي القاهرة أيضا أقدم على مغامرة متهورة هي دخول لجان وورش عمل تأسيس التلفزيون المصري في مبنى «ماسبيرو»، وحضور اجتماعاتها، دون أن يعلن عن نفسه، ودون أن ينتبه أحدهم إلى شخصيته الحقيقية، وذلك بدافع كسب الخبرات المتقدمة في مجال إدارة التلفزيون وفنياته.
وقتها كانت دولة الكويت المستقلة قد قررت بتوصية من وزير الإرشاد والأنباء الشيخ صباح الحمد الجابر (أمير البلاد الحالي) التفاهم من الإخوة بهبهاني الذين كانوا يديرون منذ عام 1957 محطة تلفزيونية بدائية خاصة تحت إسم «تلفزيون شيرين»، وذلك بهدف ضم محطتهم وأجهزتها إلى دائرة المطبوعات والنشر.
وحينما عاد السنعوسي من القاهرة في أكتوبر 1961 لبدء مسيرته في تلفزيون الكويت صدم بما رآه من أجهزة بدائية، ناهيك عن عدم وجود خريطة للبث، لكنه وجد في انتظاره كتيبة من المذيعين والمذيعات والمهندسين والمخرجين والمتخصصين في الديكور والماكياج والأزياء والنقل الخارجي من مواطني الكويت ورعايا الدول العربية، الأمر الذي شعر معه ببعض الراحة والتفاؤل. والحقيقة أنه حينما نتحدث عن الاخراج التلفزيوني في الكويت فجانب كبير من الفضل يرجع إلى السنعوسي نفسه، لأنه في سنوات التأسيس الأولى، وكذا في السنوات التالية، قام بإخراج عدد من البرامج والافلام المستقرة في وجدان وضمائر المشاهدين مثل قيامه باخراج برنامج للمطرب عبدالحليم حافظ على شاطيء الكويت، ثم إخراجه لفيلم «العاصفة» الذي يمكن اعتباره محطة الانطلاق في تأسيس السينما الكويتية، وإخراجه لاحقا لاوبريت «مذكرات بحار»، وأوبريت «ميلاد أمة»، ناهيك عن تقديمه شخصيا لبعض البرامج التي كان لها صدى طيب عند الجمهور وعند كبار المسؤولين. إذ بدأ السنعوسي بتقديم برنامج يمكن تصنيفه ضمن برامج المسابقات الصامتة وهو «مهنتي» الذي استوحى فكرته من برنامج بريطاني مشابه، ثم قدم برنامج «رسالة» الذي كان عبارة عن شكوى يوجهها مشاهد ما فيجري التقصي والبحث حولها وتحويل النتائج إلى الجهات المختصة ومتابعة ما تم بخصوصها في الحلقة التالية، علما بأن هذا البرنامج تحديدا ساهم في تسليط الضوء على عدد من القضايا وحلها مثل قضية «الشيكات بلا رصيد» وقضية «تكاثر القوارض والفئران في أحياء الكويت». بعد ذلك قدم الرجل أشهر وأهم برامجه وهو برنامج «السنعوسي».
لم يكتف السنعوسي بكل ما سبق، بل وقف داعما ومقترحا خلف مجموعة من البرامج التي أحدثت ضجة ولقيت متابعة كثيفة من الجمهور. من هذه البرامج «صفحات من تاريخ الكويت»، و«شبكة التلفزيون» و«عالم السينما» و«اعرف عدوك» و«من ذاكرة الشاشة»، و«العلم والحياة»، و«دنيا الأسرة» من تقديم فاطمة حسين التي كانت من أوائل الكويتيات اللواتي أعدن وقدمن البرامج، وبرنامج المسابقات الشهير «س.ج» الذي استقطب نسبة مشاهدة عالية من تقديم الفلسطيني الموهوب شريف العلمي، و«تحت الأضواء» من تقديم المذيعة الفلسطينية ليلى شعير.
وحينما نتحدث عن المساهمات، فلا بد من تثمين دور الفتيات والنساء الكويتيات اللواتي كن في تلك الفترة، بحسب قول السنعوسي: «أكثر جرأة وإقداما وثقة بالنفس وقدرة على تحدي النظرة الاجتماعية الظالمة». إذ كن يشاركن في الإعداد والتقديم والظهور على الشاشة في حوارات ونقاشات ساخنة بكل أناقتهن دون مخاوف أو هواجس.
هو صاحب صولات وجولات في عالم الإعلام المرئي، وتاريخ حافل بالإنجازات لبلده الكويت منذ أعوام الاستقلال الأولى. لذا ليس كثيرا أن نطلق عليه «الأب الروحي» للإعلام المرئي في دولة الكويت، صاحبة البث التلفزيوني الرابع على مستوى الشرق الأوسط بعد تلفزيون بغداد وتلفزيون أرامكو من الظهران والتلفزيون المصري بالترتيب.
كما لم يكن مستغربا منحه جائزة شخصية العام الإعلامية من قبل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2012، نظير خبراته المتراكمة وخدماته وجهوده في كل المناصب التي شغلها، منسقا ومخرجا ومنتجا ومعدا لبرامج التلفزيون، ووكيلا مساعدا في وزارة الإعلام لشؤون التلفزيون، ووزيرا للإعلام، ومديرا للعديد من الشركات السياحية والسينمائية، وعضوا في الكثير من اللجان الثقافية والاعلامية والعديد من مجالس إدارة شركات ومؤسسات الإنتاج التلفزيوني، ومستشارا للقناة الفضائية المصرية وقنوات «أوربت» الفضائية.
العودة إلى الكويت لإدارة التلفزيون الوطني
من محطات حياة السنعوسي المهمة، محطة ابتعاثه إلى بريطانيا، فالولايات المتحدة مع زميله المرحوم رضا الفيلي للتدرب في محطة «بي بي سي»، وفي قنوات أمريكية مثل «آي تي في». في محطته الأمريكية تزوج السنعوسي من رفيقة دربه وأم أبنائه (المرحوم طارق، وزياد، ولولوه) المذيعة التلفزيونية السابقة «باسمة سليمان شماس»، إذ عقدا قرانهما على يد إمام المركز الإسلامي في نيويورك وبحضور سفير الكويت لدى الأمم المتحدة راشد الراشد شاهدا. والمعروف أن أبا طارق خلال سنوات دراسته في جامعة جنوب كاليفورنيا، لم ينقطع عن التواصل مع تلفزيون الكويت. إذ كان يغطي لحسابها الأحداث، ويزودها بالتقارير الإخبارية. فعلى سبيل المثال، قام بتغطية زيارة الأمير الراحل صباح السالم الصباح لواشنطن ولقائه مع نظيره الأمريكي ليندون جونسون، وتغطية حادثة اغتيال السيناتور والمرشح الرئاسي الأمريكي روبرت كينيدي. كما قام بتسجيل لقاء فريد مع والدة قاتل كينيدي «سرحان سرحان» وشقيقه الأصغر.
لكن ماذا حدث بعد أن أنهى السنعوسي دراسته في كاليفورنيا؟
لم يشأ الرجل أن يعود إلى بلاده فور تخرجه لأسباب لخصها بقوله: «أولها ذلك التحدي الرهيب الذي استفز كل حواسي وقدراتي بإنتاج فيلم (الرسالة)، وإيماني بأنه سيكون أفضل إنجاز للإعلام الكويتي والعربي في ذلك الوقت ولسنوات طويلة، وثانيها هو ارتباطي بالعمل في شركة أمريكية لها مكتب في لبنان، قدرتُ أنها تشكل فرصة للاحتكاك بمدارس إعلامية متقدمة وأساليب عظيمة في ممارسة المهنة».
ولهذين السببين كتب السنعوسي إلى مسؤوليه في الكويت طالبا منهم إجازة من دون راتب، فوافقوا، الأمر الذي شجعه على السفر إلى بيروت والاستقرار فيها مع أسرته لأكثر من عام. لكن هنا حدث ما لم يكن يتوقعه! إذ جاءه اتصال من الكويت يستعجله العودة لمقابلة وزير الإعلام آنذاك سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر. فلملم حوائجه البسيطة وعاد إلى وطنه معتقدا أن زيارته لن تمتد إلا لأيام معدودات، فإذا بالوزير يأمره بالبقاء قائلا: «إنت إشقاعد تسوى في أمريكا ولبنان؟.. تعال امسك التلفزيون».
وهكذا عاد السنعوسي بعد سنوات الغربة إلى بيته الأول، لكن بوصفه مديرا للتلفزيون، وهو المنصب الذي شغله لمدة تسعة أشهر فقط (ما بين نوفمبر 1971 وأغسطس 1972) لأنه رقي بعدها إلى منصب وكيل وزارة الإعلام لشؤون التلفزيون مع زيادة راتبه من 165 إلى 320 دينارا. فما الذي لاحظه من متغيرات في تلفزيون الكويت؟
لقد وجده اكتسب بعدا جديدا بتأسيس «تلفزيون الكويت من دبي» الذي بدأ في سبتمبر 1969 بثا يغطي إمارات دبي والشارقة وعجمان بإدارة الإعلامي الكويتي محمد المهنا، علما بأن هذا الجهاز تم إغلاقه نهائيا في ديسمبر 1972 بسبب تأسيس حكومة دبي لقناتها الرسمية الخاصة قبل عام من ذلك التاريخ. كما وجد أن تلفزيون الكويت قد استحدث قناتين جديدتين بقدرات إشعاعية موجهة أقوى من أجل بث البرنامج الثاني، ودعم بث البرنامج الأول أيضا كي يغطي أطراف الأراضي الكويتية.
وجملة القول إن السنعوسي استطاع أن يرسم اﻻبتسامة على شفاه الكويتيين والخليجيين بأعماله الفنية الخالدة عندما كان وكيلا لوزارة الإعلام.
ومعترفا: لم نقاوم بالشكل الكافي ترهيب «الإخوان المسلمين»
يعترف السنعوسي أنه وزملاءه في جهاز التلفزيون لم يقاوموا بالشكل الكافي حملة الترهيب التي قادها تيار الإخوان المسلمين من خلال جمعية الإصلاح «وابنها المدلل أحمد منصور» (المذيع الحالي في قناة الجزيرة) ضده شخصيا بسبب مشاهد بعض الأفلام المعروضة. بل يعترف أنهم فرضوا على أنفسهم رقابة ذاتية راحت تتضاعف يوما بعد يوم درءا للمتاعب مع التيار المحافظ.
في 13 مايو 2006 صدر قرار بتعيين السنعوسي وزيرا للإعلام في حكومة الشيخ ناصر المحمد الصباح خلفا للوزير المستقيل أنس الرشيد. وقد استمر الرجل في منصبه هذا إلى حين تقديمه لاستقالته في 17 ديسمبر 2006. وفي هذا السياق كتب أحمد بودستور في الوطن الكويتية (21/5/2016): «عندما تسلم الإعلامي الكبير محمد السنعوسي منصبه وزيرا للإعلام كانت عنده رؤية وإستراتيجية لتطوير الوزارة وإعادة الزمن الجميل ولكنه اصطدم في ذلك الوقت بأعضاء مجلس الأمة وخصوصا المحسوبين على التيار الديني، ولأنه ﻻ يعرف المجاملة وطق الطار بالمقلوب وتقديم التنازﻻت للفكر الضيق الذي كان يهيمن على مجلس الأمة فقد استقال من منصبه بعد ستة أشهر تقريبا لأنه ﻻ يستطيع العطاء في أجواء ملوثة تحارب كل فكر مبدع».
وباستقالته من منصبه، أنقذ السنعوسي حكومة الشيخ ناصر المحمد من السقوط والدخول في مشكلات مع نواب مجلس الأمة، ولاسيما من التيار الإسلامي. وقد ثمن رئيس مجلس الأمة وقتذاك جاسم الخرافي قرار السنعوسي ووصفه بالتضحية التي يشكر عليها والنابعة من حرصه على استتباب الهدوء والابتعاد عن التوتر.
ولد السنعوسي في الكويت عام 1938 لعائلة هاجرت أولا من مدينة حائل السعودية إلى بلدة شقراء، ثم إلى بلدة أثيثية في نجد، قبل أن ينزح جدها «ناصر محمد السنعوسي» إلى الكويت في عام 1909 للعمل تاجر مواد غذائية من خلال دكان صغير في ساحة الصفاة، فدكان أوسع في «سوق الزل».
سكن ناصر أولا في حي الصالحية وتاليا في حي الجبلة حيث يسكن معظم آل السنعوسي حاليا. وأنجب أربعة أبناء هم: ولده الأكبر محمد، الذي هو محورنا حديثنا، عبدالله الذي عمل بالخارجية حتى صار سفيرا، مشاري الضابط في سلاح الطيران بالجيش الكويتي، أحمد الذي عمل سنوات طويلة بالمحاماة قبل أن يتوجه إلى الأعمال التجارية الحرة.
تخصص السنعوسي أكاديميا في الإعلام من خلال دراسته في جامعة جنوب كاليفورنيا وحصوله على درجة البكالوريوس في 1969، لكنه كان قد ذهب قبل ذلك إلى القاهرة عملا بنصيحة حمد الرجيب لدراسة المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية، بالرغم من أنه لم يكن موهوبا في التمثيل ولم يكن المسرح يجذبه إلا مشاهدا طبقا لما كتبه بنفسه في كتابه «السنعوسي تلفزيون الكويت تاريخ وحكايات 1961ـ1985»، الصادر أخيرا عن دار ذات السلاسل، وهو كتاب وثق فيه المؤلف قصته مع تلفزيون بلده فضلا عن أحداث وشخصيات واكبت المراحل الأولى لانطلاق بثه، وسنعتمد عليه هنا مصدرا رئيسيا للحديث عن مشوار الرجل وإنجازاته.
قسم السنعوسي كتابه إلى عدة أقسام، يحكي في كل منها موضوعا مختلفا، وإنْ بدأ بطريقة «الفلاش باك» بمعنى الحديث ابتداء عن يوم استقالته من التلفزيون سنة 1985 وصولا إلى يوم تقديم استقالته وزيرا للإعلام سنة 2006 قبل يوم واحد من استجوابه في مجلس الأمة بطلب مقدم من النائب الإسلامي فيصل المسلم.
التحق السنعوسي بالمدرسة القبلية في 1945، ومنها انتقل إلى مدرسة المثنى، فمدرسة المرقاب، فمدرسة صلاح الدين التي ودعها إلى الكلية الصناعية في 1956. في كل هذه المدارس حفر ذكريات لا تنسى لجهة النشاط اللاصفي وإقامة معسكرات الكشافة وما يصاحبها عادة من تسلية ومرح وترفيه مسرحي وغنائي. ويتذكر السنعوسي، في هذا السياق، كيف أنه وصديقه الحميم «ثامر السيار» ألفا وقدما منولوجات طريفة سخرت من الأوضاع الاجتماعية والسياسية السلبية في الخمسينات.
أما عن ذهابه إلى القاهرة بعد إتمامه لمرحلة الدراسة الثانوية فيقول إنه كان يعيش في عام 1961 بحي الزمالك الراقي بالقاهرة سعيدا بحياته ودراسته إلى أن أحاط به ذات يوم «ثلاثة وجوه من أبناء بلدي: خالد المسعود، خالد الشريعان، إبراهيم الفارس.. تحدثوا عن مشروع الكويت الجديد (التلفزيون)، وعن رغبتهم في عودتي إلى «الديرة» للعمل في «شاشتها».. بقليل جهد أقنعني ثلاثتهم بالانضمام إلى الكتيبة المؤسسة لتلفزيون بلادي، فانصرفت عن استكمال دراستي في القاهرة وغادرتها إلى رحلة طويلة مملوءة بكل ألوان الشغف والإثارة والطموح والتحدي».
في القاهرة كان السنعوسي ضمن الطلبة الناشطين في «بيت الكويت» الذي كان بمثابة سفارة لكويت ما قبل الاستقلال في مصر. وفي القاهرة أيضا أقدم على مغامرة متهورة هي دخول لجان وورش عمل تأسيس التلفزيون المصري في مبنى «ماسبيرو»، وحضور اجتماعاتها، دون أن يعلن عن نفسه، ودون أن ينتبه أحدهم إلى شخصيته الحقيقية، وذلك بدافع كسب الخبرات المتقدمة في مجال إدارة التلفزيون وفنياته.
وقتها كانت دولة الكويت المستقلة قد قررت بتوصية من وزير الإرشاد والأنباء الشيخ صباح الحمد الجابر (أمير البلاد الحالي) التفاهم من الإخوة بهبهاني الذين كانوا يديرون منذ عام 1957 محطة تلفزيونية بدائية خاصة تحت إسم «تلفزيون شيرين»، وذلك بهدف ضم محطتهم وأجهزتها إلى دائرة المطبوعات والنشر.
وحينما عاد السنعوسي من القاهرة في أكتوبر 1961 لبدء مسيرته في تلفزيون الكويت صدم بما رآه من أجهزة بدائية، ناهيك عن عدم وجود خريطة للبث، لكنه وجد في انتظاره كتيبة من المذيعين والمذيعات والمهندسين والمخرجين والمتخصصين في الديكور والماكياج والأزياء والنقل الخارجي من مواطني الكويت ورعايا الدول العربية، الأمر الذي شعر معه ببعض الراحة والتفاؤل. والحقيقة أنه حينما نتحدث عن الاخراج التلفزيوني في الكويت فجانب كبير من الفضل يرجع إلى السنعوسي نفسه، لأنه في سنوات التأسيس الأولى، وكذا في السنوات التالية، قام بإخراج عدد من البرامج والافلام المستقرة في وجدان وضمائر المشاهدين مثل قيامه باخراج برنامج للمطرب عبدالحليم حافظ على شاطيء الكويت، ثم إخراجه لفيلم «العاصفة» الذي يمكن اعتباره محطة الانطلاق في تأسيس السينما الكويتية، وإخراجه لاحقا لاوبريت «مذكرات بحار»، وأوبريت «ميلاد أمة»، ناهيك عن تقديمه شخصيا لبعض البرامج التي كان لها صدى طيب عند الجمهور وعند كبار المسؤولين. إذ بدأ السنعوسي بتقديم برنامج يمكن تصنيفه ضمن برامج المسابقات الصامتة وهو «مهنتي» الذي استوحى فكرته من برنامج بريطاني مشابه، ثم قدم برنامج «رسالة» الذي كان عبارة عن شكوى يوجهها مشاهد ما فيجري التقصي والبحث حولها وتحويل النتائج إلى الجهات المختصة ومتابعة ما تم بخصوصها في الحلقة التالية، علما بأن هذا البرنامج تحديدا ساهم في تسليط الضوء على عدد من القضايا وحلها مثل قضية «الشيكات بلا رصيد» وقضية «تكاثر القوارض والفئران في أحياء الكويت». بعد ذلك قدم الرجل أشهر وأهم برامجه وهو برنامج «السنعوسي».
لم يكتف السنعوسي بكل ما سبق، بل وقف داعما ومقترحا خلف مجموعة من البرامج التي أحدثت ضجة ولقيت متابعة كثيفة من الجمهور. من هذه البرامج «صفحات من تاريخ الكويت»، و«شبكة التلفزيون» و«عالم السينما» و«اعرف عدوك» و«من ذاكرة الشاشة»، و«العلم والحياة»، و«دنيا الأسرة» من تقديم فاطمة حسين التي كانت من أوائل الكويتيات اللواتي أعدن وقدمن البرامج، وبرنامج المسابقات الشهير «س.ج» الذي استقطب نسبة مشاهدة عالية من تقديم الفلسطيني الموهوب شريف العلمي، و«تحت الأضواء» من تقديم المذيعة الفلسطينية ليلى شعير.
وحينما نتحدث عن المساهمات، فلا بد من تثمين دور الفتيات والنساء الكويتيات اللواتي كن في تلك الفترة، بحسب قول السنعوسي: «أكثر جرأة وإقداما وثقة بالنفس وقدرة على تحدي النظرة الاجتماعية الظالمة». إذ كن يشاركن في الإعداد والتقديم والظهور على الشاشة في حوارات ونقاشات ساخنة بكل أناقتهن دون مخاوف أو هواجس.
هو صاحب صولات وجولات في عالم الإعلام المرئي، وتاريخ حافل بالإنجازات لبلده الكويت منذ أعوام الاستقلال الأولى. لذا ليس كثيرا أن نطلق عليه «الأب الروحي» للإعلام المرئي في دولة الكويت، صاحبة البث التلفزيوني الرابع على مستوى الشرق الأوسط بعد تلفزيون بغداد وتلفزيون أرامكو من الظهران والتلفزيون المصري بالترتيب.
كما لم يكن مستغربا منحه جائزة شخصية العام الإعلامية من قبل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2012، نظير خبراته المتراكمة وخدماته وجهوده في كل المناصب التي شغلها، منسقا ومخرجا ومنتجا ومعدا لبرامج التلفزيون، ووكيلا مساعدا في وزارة الإعلام لشؤون التلفزيون، ووزيرا للإعلام، ومديرا للعديد من الشركات السياحية والسينمائية، وعضوا في الكثير من اللجان الثقافية والاعلامية والعديد من مجالس إدارة شركات ومؤسسات الإنتاج التلفزيوني، ومستشارا للقناة الفضائية المصرية وقنوات «أوربت» الفضائية.
العودة إلى الكويت لإدارة التلفزيون الوطني
من محطات حياة السنعوسي المهمة، محطة ابتعاثه إلى بريطانيا، فالولايات المتحدة مع زميله المرحوم رضا الفيلي للتدرب في محطة «بي بي سي»، وفي قنوات أمريكية مثل «آي تي في». في محطته الأمريكية تزوج السنعوسي من رفيقة دربه وأم أبنائه (المرحوم طارق، وزياد، ولولوه) المذيعة التلفزيونية السابقة «باسمة سليمان شماس»، إذ عقدا قرانهما على يد إمام المركز الإسلامي في نيويورك وبحضور سفير الكويت لدى الأمم المتحدة راشد الراشد شاهدا. والمعروف أن أبا طارق خلال سنوات دراسته في جامعة جنوب كاليفورنيا، لم ينقطع عن التواصل مع تلفزيون الكويت. إذ كان يغطي لحسابها الأحداث، ويزودها بالتقارير الإخبارية. فعلى سبيل المثال، قام بتغطية زيارة الأمير الراحل صباح السالم الصباح لواشنطن ولقائه مع نظيره الأمريكي ليندون جونسون، وتغطية حادثة اغتيال السيناتور والمرشح الرئاسي الأمريكي روبرت كينيدي. كما قام بتسجيل لقاء فريد مع والدة قاتل كينيدي «سرحان سرحان» وشقيقه الأصغر.
لكن ماذا حدث بعد أن أنهى السنعوسي دراسته في كاليفورنيا؟
لم يشأ الرجل أن يعود إلى بلاده فور تخرجه لأسباب لخصها بقوله: «أولها ذلك التحدي الرهيب الذي استفز كل حواسي وقدراتي بإنتاج فيلم (الرسالة)، وإيماني بأنه سيكون أفضل إنجاز للإعلام الكويتي والعربي في ذلك الوقت ولسنوات طويلة، وثانيها هو ارتباطي بالعمل في شركة أمريكية لها مكتب في لبنان، قدرتُ أنها تشكل فرصة للاحتكاك بمدارس إعلامية متقدمة وأساليب عظيمة في ممارسة المهنة».
ولهذين السببين كتب السنعوسي إلى مسؤوليه في الكويت طالبا منهم إجازة من دون راتب، فوافقوا، الأمر الذي شجعه على السفر إلى بيروت والاستقرار فيها مع أسرته لأكثر من عام. لكن هنا حدث ما لم يكن يتوقعه! إذ جاءه اتصال من الكويت يستعجله العودة لمقابلة وزير الإعلام آنذاك سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر. فلملم حوائجه البسيطة وعاد إلى وطنه معتقدا أن زيارته لن تمتد إلا لأيام معدودات، فإذا بالوزير يأمره بالبقاء قائلا: «إنت إشقاعد تسوى في أمريكا ولبنان؟.. تعال امسك التلفزيون».
وهكذا عاد السنعوسي بعد سنوات الغربة إلى بيته الأول، لكن بوصفه مديرا للتلفزيون، وهو المنصب الذي شغله لمدة تسعة أشهر فقط (ما بين نوفمبر 1971 وأغسطس 1972) لأنه رقي بعدها إلى منصب وكيل وزارة الإعلام لشؤون التلفزيون مع زيادة راتبه من 165 إلى 320 دينارا. فما الذي لاحظه من متغيرات في تلفزيون الكويت؟
لقد وجده اكتسب بعدا جديدا بتأسيس «تلفزيون الكويت من دبي» الذي بدأ في سبتمبر 1969 بثا يغطي إمارات دبي والشارقة وعجمان بإدارة الإعلامي الكويتي محمد المهنا، علما بأن هذا الجهاز تم إغلاقه نهائيا في ديسمبر 1972 بسبب تأسيس حكومة دبي لقناتها الرسمية الخاصة قبل عام من ذلك التاريخ. كما وجد أن تلفزيون الكويت قد استحدث قناتين جديدتين بقدرات إشعاعية موجهة أقوى من أجل بث البرنامج الثاني، ودعم بث البرنامج الأول أيضا كي يغطي أطراف الأراضي الكويتية.
وجملة القول إن السنعوسي استطاع أن يرسم اﻻبتسامة على شفاه الكويتيين والخليجيين بأعماله الفنية الخالدة عندما كان وكيلا لوزارة الإعلام.
ومعترفا: لم نقاوم بالشكل الكافي ترهيب «الإخوان المسلمين»
يعترف السنعوسي أنه وزملاءه في جهاز التلفزيون لم يقاوموا بالشكل الكافي حملة الترهيب التي قادها تيار الإخوان المسلمين من خلال جمعية الإصلاح «وابنها المدلل أحمد منصور» (المذيع الحالي في قناة الجزيرة) ضده شخصيا بسبب مشاهد بعض الأفلام المعروضة. بل يعترف أنهم فرضوا على أنفسهم رقابة ذاتية راحت تتضاعف يوما بعد يوم درءا للمتاعب مع التيار المحافظ.
في 13 مايو 2006 صدر قرار بتعيين السنعوسي وزيرا للإعلام في حكومة الشيخ ناصر المحمد الصباح خلفا للوزير المستقيل أنس الرشيد. وقد استمر الرجل في منصبه هذا إلى حين تقديمه لاستقالته في 17 ديسمبر 2006. وفي هذا السياق كتب أحمد بودستور في الوطن الكويتية (21/5/2016): «عندما تسلم الإعلامي الكبير محمد السنعوسي منصبه وزيرا للإعلام كانت عنده رؤية وإستراتيجية لتطوير الوزارة وإعادة الزمن الجميل ولكنه اصطدم في ذلك الوقت بأعضاء مجلس الأمة وخصوصا المحسوبين على التيار الديني، ولأنه ﻻ يعرف المجاملة وطق الطار بالمقلوب وتقديم التنازﻻت للفكر الضيق الذي كان يهيمن على مجلس الأمة فقد استقال من منصبه بعد ستة أشهر تقريبا لأنه ﻻ يستطيع العطاء في أجواء ملوثة تحارب كل فكر مبدع».
وباستقالته من منصبه، أنقذ السنعوسي حكومة الشيخ ناصر المحمد من السقوط والدخول في مشكلات مع نواب مجلس الأمة، ولاسيما من التيار الإسلامي. وقد ثمن رئيس مجلس الأمة وقتذاك جاسم الخرافي قرار السنعوسي ووصفه بالتضحية التي يشكر عليها والنابعة من حرصه على استتباب الهدوء والابتعاد عن التوتر.