كتاب ومقالات

الدراسات العليا والبحث العلمي في السعودية (3/3)

سعيد اليزيدي الحارثي

كتبت في مقالي الجمعة الماضية أننا خلال الفترة القادمة بحاجة إلى الجودة وفقا للاحتياج في خريج الدراسات العليا وهذا لن يتحقق إلا بعدد من المبادرات الحقيقية والجادة تقوم بها وزارة التعليم ممثلة في الجامعات السعودية، وخصوصا الجامعات الأم والتي من المفترض أن تكون الرادف الأساسي للجامعات الناشئة في إكمال معيديها ومحاضريها لدراساتهم العليا فيها وحاجة الوطن إلى إسهام هذه الجامعات في العملية التعليمية والبحثية في ظل ما يعيشه العالم من ركود اقتصادي ونحن جزء من هذا العالم وسيكون من الطبيعي أن يكون هناك صعوبة في الابتعاث الخارجي لمنسوبي الجامعات الناشئة وغيرها من القطاعات الحكومية والخاصة. أولى تلك المبادرات وهي الأساس أن يتم دمج عمادة الدراسات العليا مع عمادة البحث العلمي في كل جامعة والخروج بلائحة موحدة تحقق الهدف من جدوى الدراسات العليا والبحث العلمي في جميع الجامعات السعودية ونكون لها الاستقلالية في رسم المستقبل وفقا لمتطلبات الوطن. هذا الفصل القائم حاليا بين الدراسات العليا والبحث العلمي كانت نتائجه فقط تقتصرعلى منح شهادة بدون جودة من قبل عمادة الدراسات العليا، وعلى منتج بحثي من مشروع بحثي تم دعمه ماديا بمئات الألوف من الريالات وأحيانا بالملايين وينتهى بتقرير نهائي وبدون نشر علمي في مجلة علمية مرموقة من قبل عمادة البحث العلمي أو الجهات الداعمة للبحث العلمي. هذا الفصل جعل من الدراسات العليا تفتقر للدعم المادي وجعل البحث العلمي يفتقر للعنصر البشري وكل عمادة لها أهدافها وإستراتيجيتها (الواهمة) والنتيجة من وجهة نظر الجودة والنشر العلمي العالمي صفرا مربعا. لا يمكن أبدا في جميع بلدان العالم المتقدم أدبيا وقانونيا أن تفصل الدراسات العليا عن البحث العلمي، فالدراسات العليا هي القوة البشرية والبحث العلمي هي القوة المادية والمنتج لهما هو خريج بجودة عالية لسوق العمل واستمرار قوي لمدرسة بحثية قائمة. نحن الآن نملك جميع مقومات بلدان العالم المتقدم، نملك البنى التحتية اللازمة لتخريج أفضل طالب ماجستير ودكتوراه ينافس بلدان الدول المتقدمة وأقصد بالبنى التحتية لغير المتخصصين التالي: مباني حديثة، مكتبات عصرية، كليات عريقة، مراكز تميز بحثية، كراسي بحثية، أودية للتقنية والابتكار، كادر فني، مساعدي باحثين وباحثين، أعضاء هيئة تدريس مميزين، ميزانية للدراسات العليا، ميزانية للبحث العلمي. وتكتمل هذه البنية بخريجين وخريجات بأعداد هائلة من المواطنين ومن الدول المجاورة في مختلف التخصصات يتطلعون إلى إكمال دراستهم العليا حبا في العلم أو من متطلبات تعيينهم الأساسي شرط إكمال دراستهم العليا كمنسوبي الجامعات وهم في الأصل، الاستثمار الحقيقي وهم أصل في استمرار البنية التحتية للدراسات العليا والبحث العلمي قوية وصلبة. مع الأسف هذه البنية التحتية مقسمة بين عمادتي البحث العلمي وعمادة الدراسات العليا ولن تقوم لهما قائمة إيجابية من دون صهرها في قالب واحد لكي تخرج من قوقعتها الحالية.

في البلدان المتقدمة التي نبتعث أبناءنا وبناتنا إليها، دراسة الماجستير تنتهي خلال سنة واحدة أو سنتين فقط... ونحن خلال ثلاث سنوات إلى أربع وخمس سنوات لماذا؟ في الدكتوراه خلال ثلاث أو أربع... ونحن حدث ولا حرج؟ في الخارج المشرف على طالب الدراسات العليا يحظى بامتيازات مادية وبحثية، ونحن، المشرف نصابه الإشرافي ساعة واحدة في الأسبوع على كل طالب.. فهل يعقل هذا؟ والقائمة تطول وتحتاج إلى صفحات من التساؤل.

باختصار لا يوجد أهداف، لا يوجد احترام للوقت، لا يوجد جودة خريج، لا يوجد مخرجات بحوث مقارنة بالدعم، والسبب أن الدراسات العليا في كوكب والبحث العلمي في كوكب آخر ولوائحهما لا تتلاءم مع متطلبات العصر.

خاتمة:

إذا لم يتخذ أصحاب القرار مبادرات حقيقية في إنشاء وزارة مستقلة للدراسات العليا والبحث العلمي بعد عقود من الزمن في البناء لهذه البنية التحتية الحالية.. والتي حان الوقت لكي ننتقل من مرحلة الكم والعدد إلى مرحلة الكيفية والجودة وتتماشى مع رؤية المملكة 2030 في أن نكون وطنا للاستثمار وليس للاستهلاك، في أن نقدم أبناءنا وبناتنا للآخر لكي يستفيدوا من خبراتهم، ولكي نكون إحدى الدول الحاضنة للتقدم المعرفي التطبيقي، بعد أن أصبحنا ضمن قائمة العشرين اقتصاديا. هذه الوزارة ليست حلما لكي يتحقق.. بل أصبحت ضرورة لكي نستمر ونكون ضمن أوائل القائمة العالمية علميا ومعرفيا.

* أكاديمي سعودي