ليعذرني الوعيل فالنقيدان محق
الأربعاء / 08 / ربيع الأول / 1438 هـ الأربعاء 07 ديسمبر 2016 01:17
إدريس الدريس
كتب الزميل الأستاذ محمد الوعيل قبل أيام مقالاً يعترض فيه على عبارة أطلقها الأخ الأستاذ منصور النقيدان ربما قبل عامين وهي التي كان مؤداها ينصرف إلى سهولة «استحمار السعوديين»، وقد قالها النقيدان تعليقاً على سهولة انضمام بعض السعوديين إلى تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين.
وأنا هنا على النقيض من اعتراض الأستاذ الوعيل وتحفظه على التركيز على السعوديين في قضايا الإرهاب فإنني أجدني منحازًا لتأييد النقيدان ولنا في «التبعيض» منجاة من التعميم، لكن المؤكد هو أن «بعض السعوديين» لديهم ربما بحكم النشأة المحافظة أو بسبب بعض الحقن الوعظي المتشدد والمتواتر من بعض الأسر وأولياء الأمور أو بعض الدعاة والمعلمين الذين هم من الغلاة المتطرفين فيعمدون إلى التزهيد في الحياة وتكريس استرخاص العيش في الدنيا مع الترغيب في الآخرة وهذا بدوره يجعل بعض الشباب فريسة سهلة لبعض التنظيمات المتطرفة من خلال تحبيب الملذات الحسية وذلك بتقصير المسافة الزمنية إلى محاضن الحور العين التي لا تجاوز كما يوحون إليهم إلا بغمزة سريعة للحزام الناسف ليكون المفجر بين الأحضان.
أما تركيز بعض الكتّاب وحصر كلامهم وتوجيهاتهم عن الإرهاب على فئة «السعوديين» - التي لم ترق للأستاذ الوعيل - فإن مرد ذلك عائد لوجوبية دور الكاتب الطليعي والوطني في التنوير ونشر الوعي وكشف الملتبس من المخططات والمؤامرات المسخرة لتفتيت هذا الوطن ونشر الخراب في أرجائه العامرة بالأمن والنماء، وبالتالي فإن هذا هو مناط التركيز على الشاب السعودي ولا ينتظر - بالتالي - بل قد لا يليق بكاتب سعودي أن يتحدث مثلاً عن استحمار بعض الأشقاء التوانسة أو غيرهم من العرب أو غيرهم من سائر البشر وذلك لأن كل بلد معني بهمومه الداخلية الخاصة، وهذا هو ما دفع النقيدان للحديث في هذا الجانب، خاصة وقد قيل منذ الأزل «ولا ينبئك مثل خبير»، والأستاذ النقيدان ينطلق في هذا الجانب مفتياً عن بينةٍ وبصيرة فهو كما أعلم وتعلم ويعلم الجميع كان قبل أن يعود إلى رشده من الذين «استحمروا» إلى الحد الحركي والعملي التطبيقي، ولهذا فهو يصدر في كلامه عن تجربة حقيقية فيصبح لرأيه وقعة لا يشوبها التنظير والفذلكة.
ولهذا فإنني أتفق معه على أن كل الذين فجروا ويفجرون أنفسهم حين يستهدفون الجوامع أو المنشآت أو رجال أمننا أو المستهدفين من منظور مذهبي وطائفي أو المستأمنين من الوافدين هم من البغال المستحمرة لداعش أو للقاعدة والذين يقومون باصطفاء بعض السذّج ويصيحون بهم: أش: أش ثم يتولون تلبيسهم البردعة ويطوقونهم بالأسلحة والأحزمة الناسفة ويطلقونهم ليمضوا إلى حيث تم توجيههم بلا بصر أو بصيرة ليرتكبوا جريمتهم بدم بارد يليق بكل من رضي بالاستحمار ورضي لنفسه الدنية والسخرة وتعطيل العقل.
لكنك أخي محمد تعلم أن العرب إجمالاً يعيشون حاضرا بئيسا وتعيسا مع القلاقل التي تدك حصون الأمن والاستقرار في أكثر من دولة عربية على النحو الذي غمر نفوس بعض الشباب العربي باليأس والإحباط إلى الحد الذي ألجأهم إلى تسليم رقابهم طواعية لكل المغرضين الذين يتصيدون فرائسهم عبر وسائل التواصل الحديثة فينقادون بكل استخذاء ليتم استخدامهم كقنابل متحركة تضرب في الأخضر واليابس وفي القريب والبعيد وذلك بحسب التوجيهات المشبوهة التي تتساقط عليهم من الكائنات الافتراضية الغامضة التي لا يراها الشاب «المُستحمر» كما لا يُسمح له أن يسأل فما عليه إلا ان يُنفذ الأوامر النازلة والواصلة إليه في تراتبية غامضة ومدلسة وبالتالي فليس علينا أن نتحرج من مفردة الاستحمار التي أرى أنها نتيجة طبيعية للاستعمار بكل صوره الماضوية والحاضرة، فالاستعمار الذي أطبق بكلكله على عديد من الدول العربية بالقوة العسكرية ثم تسلل تدريجياً إلى نفوس الشعوب العربية من خلال توظيف القوة الناعمة، ثم تدرج الأمر ليصل الشعب المستَعمَر إلى حد الذوبان في هوية هذا المستَعمِر من حيث الولاء له ومن ثم تشرّب لغته وثقافته ثم جعل رموزه الفكرية والفنية والرياضية قدوات تحتذى وتجتذب الإعجاب والإعلاء والترميز، وعلى هذا فكل أنواع الاستعمار التي مرت بالعالم العربي قبل سنوات الاستقلال هي نوع آخر من أنواع الاستحمار، ولهذا أصبح لدى بعض إخواننا العرب من الذين استعمروا حيناً من الدهر حالة من التحسس تجاه التعامل مع الغرب على النحو الذي يدفعهم بشكل مبالغ فيه بإطلاق تهم الإمبريالية وغيرها على بعض الدول العربية الخليجية، ومرجع هذه الحساسية هي الفترات التي جثم فيها الاستعمار على بلادهم واستنزف ثرواتها حتى أدركوا أنهم لم يستفيدوا من الفارق الحضاري والمتمدن الذي كان عليه المستعمرون لكن فاتهم أن الدول الخليجية تتعامل الآن - على خلاف ما كان يحدث منهم - بشيء من الندية والنفعية القائمة على تبادل المصالح مع دول الغرب وهنا يكمن الفرق بين الاستثمار وبين الاستحمار.
بقي أن أقول إن الأستاذ محمد الوعيل الذي رأس تحرير مطبوعتين وعمل في الصحافة خلال أكثر من 40 عاماً حين يصف الأستاذ منصور وهو في سن أحد أبنائه بكلمة «أستاذي النقيدان» أو عندما يلقبه بـ«الأستاذ الكاتب الكبير» فإن ذلك عندي من باب التهذّب واللباقة الفائضة والمجاملة الممجوجة، وألفت هنا إلى أن ليس في كلامي هذا أي انتقاص للأخ النقيدان لكنني بطبعي لا أميل كثيراً إلى لغة التبجيل المبالغ فيه التي تسربت إلينا من مدرسة صحفية أصلها ثابت في مصر وفرعها في تركيا.
وأنا هنا على النقيض من اعتراض الأستاذ الوعيل وتحفظه على التركيز على السعوديين في قضايا الإرهاب فإنني أجدني منحازًا لتأييد النقيدان ولنا في «التبعيض» منجاة من التعميم، لكن المؤكد هو أن «بعض السعوديين» لديهم ربما بحكم النشأة المحافظة أو بسبب بعض الحقن الوعظي المتشدد والمتواتر من بعض الأسر وأولياء الأمور أو بعض الدعاة والمعلمين الذين هم من الغلاة المتطرفين فيعمدون إلى التزهيد في الحياة وتكريس استرخاص العيش في الدنيا مع الترغيب في الآخرة وهذا بدوره يجعل بعض الشباب فريسة سهلة لبعض التنظيمات المتطرفة من خلال تحبيب الملذات الحسية وذلك بتقصير المسافة الزمنية إلى محاضن الحور العين التي لا تجاوز كما يوحون إليهم إلا بغمزة سريعة للحزام الناسف ليكون المفجر بين الأحضان.
أما تركيز بعض الكتّاب وحصر كلامهم وتوجيهاتهم عن الإرهاب على فئة «السعوديين» - التي لم ترق للأستاذ الوعيل - فإن مرد ذلك عائد لوجوبية دور الكاتب الطليعي والوطني في التنوير ونشر الوعي وكشف الملتبس من المخططات والمؤامرات المسخرة لتفتيت هذا الوطن ونشر الخراب في أرجائه العامرة بالأمن والنماء، وبالتالي فإن هذا هو مناط التركيز على الشاب السعودي ولا ينتظر - بالتالي - بل قد لا يليق بكاتب سعودي أن يتحدث مثلاً عن استحمار بعض الأشقاء التوانسة أو غيرهم من العرب أو غيرهم من سائر البشر وذلك لأن كل بلد معني بهمومه الداخلية الخاصة، وهذا هو ما دفع النقيدان للحديث في هذا الجانب، خاصة وقد قيل منذ الأزل «ولا ينبئك مثل خبير»، والأستاذ النقيدان ينطلق في هذا الجانب مفتياً عن بينةٍ وبصيرة فهو كما أعلم وتعلم ويعلم الجميع كان قبل أن يعود إلى رشده من الذين «استحمروا» إلى الحد الحركي والعملي التطبيقي، ولهذا فهو يصدر في كلامه عن تجربة حقيقية فيصبح لرأيه وقعة لا يشوبها التنظير والفذلكة.
ولهذا فإنني أتفق معه على أن كل الذين فجروا ويفجرون أنفسهم حين يستهدفون الجوامع أو المنشآت أو رجال أمننا أو المستهدفين من منظور مذهبي وطائفي أو المستأمنين من الوافدين هم من البغال المستحمرة لداعش أو للقاعدة والذين يقومون باصطفاء بعض السذّج ويصيحون بهم: أش: أش ثم يتولون تلبيسهم البردعة ويطوقونهم بالأسلحة والأحزمة الناسفة ويطلقونهم ليمضوا إلى حيث تم توجيههم بلا بصر أو بصيرة ليرتكبوا جريمتهم بدم بارد يليق بكل من رضي بالاستحمار ورضي لنفسه الدنية والسخرة وتعطيل العقل.
لكنك أخي محمد تعلم أن العرب إجمالاً يعيشون حاضرا بئيسا وتعيسا مع القلاقل التي تدك حصون الأمن والاستقرار في أكثر من دولة عربية على النحو الذي غمر نفوس بعض الشباب العربي باليأس والإحباط إلى الحد الذي ألجأهم إلى تسليم رقابهم طواعية لكل المغرضين الذين يتصيدون فرائسهم عبر وسائل التواصل الحديثة فينقادون بكل استخذاء ليتم استخدامهم كقنابل متحركة تضرب في الأخضر واليابس وفي القريب والبعيد وذلك بحسب التوجيهات المشبوهة التي تتساقط عليهم من الكائنات الافتراضية الغامضة التي لا يراها الشاب «المُستحمر» كما لا يُسمح له أن يسأل فما عليه إلا ان يُنفذ الأوامر النازلة والواصلة إليه في تراتبية غامضة ومدلسة وبالتالي فليس علينا أن نتحرج من مفردة الاستحمار التي أرى أنها نتيجة طبيعية للاستعمار بكل صوره الماضوية والحاضرة، فالاستعمار الذي أطبق بكلكله على عديد من الدول العربية بالقوة العسكرية ثم تسلل تدريجياً إلى نفوس الشعوب العربية من خلال توظيف القوة الناعمة، ثم تدرج الأمر ليصل الشعب المستَعمَر إلى حد الذوبان في هوية هذا المستَعمِر من حيث الولاء له ومن ثم تشرّب لغته وثقافته ثم جعل رموزه الفكرية والفنية والرياضية قدوات تحتذى وتجتذب الإعجاب والإعلاء والترميز، وعلى هذا فكل أنواع الاستعمار التي مرت بالعالم العربي قبل سنوات الاستقلال هي نوع آخر من أنواع الاستحمار، ولهذا أصبح لدى بعض إخواننا العرب من الذين استعمروا حيناً من الدهر حالة من التحسس تجاه التعامل مع الغرب على النحو الذي يدفعهم بشكل مبالغ فيه بإطلاق تهم الإمبريالية وغيرها على بعض الدول العربية الخليجية، ومرجع هذه الحساسية هي الفترات التي جثم فيها الاستعمار على بلادهم واستنزف ثرواتها حتى أدركوا أنهم لم يستفيدوا من الفارق الحضاري والمتمدن الذي كان عليه المستعمرون لكن فاتهم أن الدول الخليجية تتعامل الآن - على خلاف ما كان يحدث منهم - بشيء من الندية والنفعية القائمة على تبادل المصالح مع دول الغرب وهنا يكمن الفرق بين الاستثمار وبين الاستحمار.
بقي أن أقول إن الأستاذ محمد الوعيل الذي رأس تحرير مطبوعتين وعمل في الصحافة خلال أكثر من 40 عاماً حين يصف الأستاذ منصور وهو في سن أحد أبنائه بكلمة «أستاذي النقيدان» أو عندما يلقبه بـ«الأستاذ الكاتب الكبير» فإن ذلك عندي من باب التهذّب واللباقة الفائضة والمجاملة الممجوجة، وألفت هنا إلى أن ليس في كلامي هذا أي انتقاص للأخ النقيدان لكنني بطبعي لا أميل كثيراً إلى لغة التبجيل المبالغ فيه التي تسربت إلينا من مدرسة صحفية أصلها ثابت في مصر وفرعها في تركيا.