كتاب ومقالات

هيبة العزة

أفياء

عزيزة المانع

العزة، في نظري من أجمل السمات الأخلاقية، فهي تعني احترام الإنسان لذاته؛ بمعنى إكرامها بالنأي بها عما يهينها، وعدم وضعها موضعا يذلها، والإيمان بأنه ليس لأحد أن ينال منها مهما ارتقى في المنصب أو الجاه أو المال، فالناس سواسية في الحقوق والواجبات مهما تفاوتت أحجام أرصدتهم البنكية، أو ارتقت مراتبهم الاجتماعية.

في كتب اللغة تعرف العزة بأنها تأتي في مقابل الذلة، وما أكثر الذين يذلون أنفسهم طمعا في نيل أمور مادية كالحصول على مال أو منصب أو الاحتفاظ به، أو غير ذلك. ومن المسلمات التي لا جدل حولها أن من يذل نفسه يستذله الناس، فلا غرابة إن وجدت بعض الرؤساء وذوي المناصب العالية يتغطرسون على من هم دونهم، يشجعهم على ذلك، ما يبديه بعض المرؤوسين من إذلال للنفس طمعا في نيل الرضا من أجل بلوغ ما يرجون، لكن ما يرجون، مهما بلغ قدره، لا يعادله مطلقا بيعهم عزة أنفسهم وإذلالهم لها، وكم يعجبني قول المتنبي في تفضيله الموت على عيش الذل، حتى وإن كان في قوله مفارقة لا تنطبق على سيرته:

(ذل من يغبط الذليل بعيش *** رب عيش أخف منه الحِمام)

العزة لا تعني الكبر، فالعزة لا تنال من كرامة الآخرين ولا تقلل من شأنهم. أما الكبر فيتمثل فيه رؤية الذات في مكانة أعلى من غيرها، ومن ثم لها حق أكبر من حق الآخرين، غالبا خلق الكبر يجعل صاحبه يتوقع الاحترام والأدب من الناس حين تعاملهم معه، بينما هو يبيح لنفسه ازدراءهم والنيل من كرامتهم. فشتان ما بين العزة والكبر!

خلق العزة ليس خاصا بالفرد وحده وإنما هو يشمل الأمم أيضا، فهناك أمم تعتز بذاتها، بلغتها وقوميتها وتاريخها وتقاليدها، فلا ترضى لنفسها بديلا غير ذلك، وهناك أمم تفتقد هذا الخلق، فتراها تذل نفسها بازدرائها لغتها وتقديم لغة أخرى عليها تكن لها الاحترام وترى لها الأفضلية، وتزدري ثقافتها المحلية وتتطبع بثقافة أخرى تراها أرقى وأجود، وهذا مع الأسف، هو ما نراه منتشرا في بلادنا العربية، التي لا تبدو تحمل قدرا كافيا من الاعتزاز بذاتها أمام الدول المتقدمة، خاصة الدول الغربية.

حقا إن تقدم الغرب العلمي والاقتصادي والتقني والعسكري، مزايا لا ينكرها أحد، لكنها، حتى مع افتقار العالم العربي إلى كثير منها، ليس لها أن تسلب العرب خلق العزة، فذلك فيه إذلال لهم لا ترضاه النفوس الأبية.