كتاب ومقالات

معارض الكتب، هل تنمي الثقافة حقا؟

عزيزة المانع

من الملاحظ أن الحراك الثقافي في المجتمع أخذ يتزايد في الآونة الأخيرة، وذلك يظهر في أشكال متعددة، كالتزايد في أعداد المؤتمرات والندوات الثقافية التي تنظمها المؤسسات الأكاديمية والنوادي الأدبية والجمعيات المتخصصة وغيرها، والتزايد في ظهور الجوائز الثقافية في مناح متنوعة، وكذلك التزايد في المبادرات الشخصية إلى عقد مجالس ثقافية داخل البيوت، وأيضا التزايد في ما يقدم من دورات تدريبية على الفنون التعبيرية المختلفة، وغير ذلك. هذا الحراك الثقافي المتزايد، هو وإن كان يسير في الخط الذي ترسمه أهداف رؤية المملكة 2030. التي تضع من بين أهدافها التنمية الثقافية وإثراء النشاط الثقافي في المجتمع، إلا أنه في صورته الحالية لا يمكن له أن يحقق التنمية الثقافية الفعلية، فالتنمية الثقافية تحتاج إلى خطة عمل واضحة، وأهداف إستراتيجية تحدد ضمنها السقف الذي تطمح إلى بلوغه، بينما المشهد الحالي للثقافة يخلو من ذلك، فالثقافة لدينا تسير بلا خطة عمل واضحة تهتدي بها، ولا أهداف مرسومة تتجه نحو تحقيقها، ولا مشاريع ثقافية تتبنى إنجازها، متروكة لهبوب الريح تميل حيث مالت. وفي السنوات الأخيرة باتت معارض الكتب من أكثر الظواهر الثقافية بروزا في المشهد الثقافي المحلي، فهي الأكبر والأكثر انتشارا متى قورنت أعداد الذين يرتادون معارض الكتاب، بأولئك الذين يحضرون ما يلقى من محاضرات أو يعقد من مؤتمرات، سواء في المؤسسات الأكاديمية أو في النوادي الأدبية أو الجمعيات المتخصصة أو غيرها. يتباهى منظمو معارض الكتب بكثرة الزوار وارتفاع عدد المبيعات ويعدون ذلك دليلا على نجاحها، كما أن بعض الدول تفخر بذلك، ترى فيه عنوانا على اعتنائها بالثقافة ودعم تنميتها، فهل ثمة إنجازات ثقافية حقيقية قدمتها هذه المعارض؟

معارض الكتب بصورتها الحاضرة تبدو غايتها أقرب لأن تكون اقتصادية من أن تكون لتنمية الثقافة، فضخامة المعارض وارتفاع عدد زوارها يجعلها أكبر سوق للكتب في البلد، فهل لهذا التسويق المرتفع للكتب أثر ملموس على التنمية الثقافية؟ هل هي تلقي الضوء على الإصدارات القيمة التي تستحق أن تقرأ، وتعقد الندوات التي تناقش محتواها؟ هل شراء الناس للكتب ينتج عنه ارتفاع معدل القراءة بينهم؟ أم أن الناس يشترون الكتب تحت تأثير (حب الشراء) والتظاهر بحب المعرفة، ثم ينتهي بهم الأمر أن يلقوا ما اشتروه منها على الأرفف لينسى أمرها بعد دقائق؟

وإذا افترضنا أن الناس يقرؤون ما يشترونه من كتب، ما المحتوى الذي يقرؤونه فيها؟ إن أغلب ما تقدمه دور النشر في هذه المعارض هو من الإصدارات السطحية التي تعتمد الإثارة ومغازلة العواطف والأهواء، فهذا النوع من الكتب يتوقع له الرواج أكثر من غيره، ومثلها الإصدارات الموجهة التي تهدف إلى تسويق أفكار تدعم الطائفية وتعزز التطرف الديني. بل إن دور النشر صارت تفتح أبوابها لكل من تهجى حرفا ورغب في أن يصدر مؤلفا يحمل اسمه، بصرف النظر عن الجودة أو طبيعة المحتوى، فهي لا تهتم سوى بما تأخذه من مقابل مادي.

هذه العشوائية في نشر المؤلفات انعكس أثرها على مستوى المحتوى الثقافي المتاح في معارض الكتب وبات إسهامها الثقافي موضع شك وظهرت الحاجة إلى دراسة مسحية تقيس إن كان ثمة أثر ثقافي أو تغير فكري ينجم عن انتشار معارض الكتب.