كتاب ومقالات

القفز من قمة رأس السنة

أشواك

عبده خال

اليوم أول أيام السنة الميلادية، وقد مضت ليلة أمس وما قبلها من استعدادات عالمية جذلة بهذه المناسبة، وفي محيطنا المحلي لم تعد التحذيرات بعدم المشاركة في الاحتفالات برأس السنة كسابق عهدها خصوصا بعد أن تحللت بعض الآراء من شدتها السابقة، ووقفت من هذه المناسبة (بين البين) وهناك البعض منهم لم يحللها ولم يحرمها.

وتقاطر كثير من السعوديين للتهنئة بهذه المناسبة ليس من منطلق التحريم أو التحليل وإنما لشدة التقارب الأممي من خلال وسائل التواصل وثورة الاتصالات ووجود عشرات الآلاف من أبنائنا في الخارج ووجود مسيحيين بين ظهرانينا، وسفر الآلاف من المواطنين إلى دول الجوار ليوم أو يومين لحضور هذه الاحتفالية ومن لم يسافر مارس أفراحه حتى ولو كان منفردا... وقامت جل القنوات الفضائية بنقل مظاهر تلك الأفراح في جميع بقاع العالم...وكثافة الفرح العالمي تدخلك داخل الدائرة من غير أن تستنكف حتى لو كنت متشددا في هذا الامر.

هذه المقدمة أردت من خلالها القول إن المجتمع أخذ يمارس حياته الاجتماعية وفق معطيات زمنه بينما ظل بعض الفقهاء يعيدون فتاواهم التي غدت ثابتة في زمنيتها السابقة ولم يتفاعلوا مع المتغيرات الزمانية والمكانية خصوصا أن مناسبة رأس السنة ليس لها طابع ديني يجعل الحذر حاضرا، ومشاركة الناس في هذه المناسبة يجعل منها قضية حساسة جدا مفادها أن بعض الناس قفزوا على التحريم الموجود في مواقع الفتاوى لدينا وقفزوا على آراء بعض المشايخ في تحريم الاحتفال برأس السنة وقفزوا على تحريم التهنئة لأهل الكتاب أو المشاركة في الاحتفالات أو الأكل أو الشرب معهم، وهذا الانشطار بين ثبات الفتوى وتحرر الناس من تحريمها يجعل القضية بحاجة ماسة إلى أعمال فقه الواقع.

كما أن بعض فتاوى التحريم لمناسبة رأس السنة (في محيطنا الاجتماعي) شديدة الغلظة وتظهر أن المسلمين لا يشاركون الآخرين (بل العالم غير الإسلامي) أفراحهم وأعيادهم حتى ولو بجملة (عام مجيد)، ولأن العالم أصبح يتنفس في غرفة واحدة لم يعد لائقا الظهور أمام الآخرين أننا ضد حياة الآخرين وضد أعيادهم وضد أفراحهم.

وكم منا من تربطه علاقات بالعديد من الأصدقاء الذين يعيشون في حياتنا اليومية وفي مدننا الممتدة وفي شركات ومؤسسات وفنادق محلية.

هؤلاء الأصدقاء هل بالإمكان أن تظل علاقتنا متجهمة معهم وأن نظهر لهم القسوة في كل ما يمارسونه وفق معتقداتهم.

ومن المهم على بعض مشايخنا استلهام فقه الواقع الذي أجاز فيه علماء مسلمون (في دول إسلامية كثيرة) تحليل مشاركة أهل الكتاب أفراحهم وأعيادهم، والناس في بلادنا لا يريدون شيئا سوى الكلام الطيب وأن يهنئ الواحد منا صديقه المسيحي الذي يجاوره في البيت أو يزامله في العمل.

أخيرا، أردت التعليق على وزارة التعليم التي سخرت عشرات المشرفين وكثفت جولاتها المفاجئة على المدارس العالمية لرصد مظاهر احتفاليه دخول السنة الميلادية الجديدة...هذا التكثيف والمداهمة تم فيها استثناء المدارس التي ليست تحت إشراف الوزارة إذ لها أن تقلب (البحر طحينا).

وفعل المداهمة من قبل وزارة التعليم والتهديد من حرمان المدرسة التي تحتفل بالسنة الجديدة فعل لا يبتعد كثيرا عما يمارسه الجهلة من العوام.

Abdookhal2@yahoo.com