كتاب ومقالات

مدى ثقتنا في رؤية 2030... وخطر التخلف الاقتصادي

محمد سالم سرور الصبان

لم أكن لأستغرب من ردة فعل مجتمعنا السعودي تجاه الرؤية 2030، حيث كانت مزيجا من المتفائلة والمتشائمة، ومن المتقبلة ومن الرافضة لأية تغييرات. فالتعود على بقاء الأمور كما هي قد لازمنا لفترة طويلة، ولم يكن أحد يتوقع ظهور مثل هذه الرؤية الشاملة والبرامج واضحة الهدف، وسلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، التي توزع عبئها بين مختلف شرائح المجتمع قبل أن تتضح نتائج برامج الرؤية ومزاياها على الاقتصاد والمواطن. وهي كالذي بدأ برحلة عبر طرق وعرة لا بديل لها، ليصل في نهاية المطاف إلى العيش الجميل المستقر.

فالوضع الذي نعيش فيه غير مستدام اقتصاديا واجتماعيا، يعرضنا إلى تقلبات متلاحقة ليست من عمل أيدينا بشكل كبير من خلال تغيرات أسواق النفط وهي السلعة التي ما زلنا نعتمد عليها بشكل شبه مطلق، وربما لا ناقة لنا فيها أو جمل. أيضا نحن لا نملك رفاهية تبني مبدأ التدرج في الإصلاحات الجذرية فالأزمة المالية الخانقة الناتجة عن تدني أسعار النفط لا تتيح ذلك على الإطلاق، حيث كان لا بد وأن تبدأ بالأمس وليس اليوم.

إن التحدي الذي نواجهه في الفترة القادمة يتمثل في:

«هل نستطيع خفض اعتمادنا شبه المطلق على النفط، قبل أن يخفض العالم من اعتماده عليه».

فقد كنا وما زلنا نتأثر بشكل كبير من جراء انخفاض أسعار النفط العالمية، ويتأثر الإنفاق الحكومي وبرامج التنمية الاقتصادية، وكأننا نتوقف عن الحركة تماما ريثما تستأنف أسعار النفط صعودها من جديد. وهي التقلبات السعرية التي لا نملك غير القليل تجاه تغيير تقلباتها المتلاحقة.

لقد أغرانا العصر الذهبي الأخير لأسعار النفط الذي استغرق سنوات في إضفاء إحساس خادع بأنه سيستمر إلى الأبد، وللأسف فإن بعضا منا كان يؤكد لمتخذي القرار لدينا بأن هذا الاعتقاد صحيح، وأن العالم سيظل لقرون قادمة معتمدا على النفط. ولم تكن لدعواتنا التي أطلقناها بأن النفط سلعة مثله مثل أي سلعة أخرى وتخضع لدورات اقتصادية أي صدى، فطبيعة البشر لا تحب سماع إلا الأخبار المتفائلة حتى وإن لم تكن واقعية. فذهبت دعواتنا بالتحرك أدراج الرياح.

أما وقد انخفضت أسعار النفط العالمية بالنسبة الكبيرة التي كانت عليها منذ 2014، فقد غيرت كثيرا من الأفكار لدينا والمعتقدات، وكانت بمثابة جرس إنذار لنا بعدم استمرارية وضعنا الحالي دون إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية تقلل تدريجيا من اعتمادنا الكبير على الإيرادات النفطية. فهذه الجراح التي نالت كل جزء من جسمنا الاقتصادي، فأصابته بالوهن والنزيف المستمر، كان لا بد من علاجها حتى يغدو الاقتصاد السعودي سليما معافى، ورشيقا يتنافس مع الاقتصادات العالمية الأخرى.

أما سوق النفط العالمية فهي تشهد ثورة عارمة، تسيدها التقدم التقني في كل جوانب سوق النفط من طلب وعرض عالمي، وتغيرت الصورة تماما. وها نحن نقبل على اقتراب الوصول إلى ذروة الطلب، التي يبدأ بعدها انحدار نصيب النفط في ميزان الطاقة العالمي وتبدأ أسعاره في الانخفاض الشديد وهو ما يعرف بـ«النضوب الاقتصادي».

وبدأنا نحدد عام هذه الذروة، ما بين 2025-2030 وهي تقديرات العديد من شركات النفط ودور الاستشارات الدولية، وعام 2040 وهو تقدير يكاد يكون منعزلا لوكالة الطاقة الدولية (IEA) - وهي الجهة المسيسة كون أعضائها هم مجموعة الدول المستهلكة للنفط - الذي تدفع من خلاله المنتجين إلى الاستمرار في الاستثمار في مزيد من إنتاج النفط. ولنقل إن عام الذروة هو 2030، فإن ذلك متوافق مع وصولنا افتراضا إلى تحقيق رؤيتنا 2030.

من هنا كان لظهور الرؤية السعودية 2030 أهمية كبرى من منطلق تبنيها شمولية الإصلاح وبرامج استثمارية تحقق تدريجيا تنويعا في مصادر دخلنا، مع تقليص الاعتماد على تصدير النفط الخام من خلال زيادة قيمته المضافة، وتطوير مختلف القطاعات الاقتصادية. حيث لم يسبق للمملكة أن اتخذت خطوات شاملة وجادة في طريق تصحيح مسار اقتصادنا مثلما تبنته الرؤية 2030، بالرغم من كل الجهود المخلصة التي تمت في الماضي والتي أتت مجزأة بعيدة عن الشمولية، وتم التراجع عن بعضها حتى قبل أن تبدأ.

وأذكر - كمثال - حينما كنت عضوا في المجلس الاقتصادي الأعلى، كان الملك عبدالله، رحمه الله، يأتينا في كل جلسة للمجلس منزعجا من كثرة تساؤلات المجتمع له ماذا فعل المجلس ويحثنا، رحمه الله، على العمل وسرعة الإنجاز. وأعترف بأن القصور كان منا نحن أعضاء المجلس وهيئته الاستشارية، ولم نحقق تطلعات المليك، رحمه الله، والمجتمع السعودي في تطبيق رؤية شاملة لاقتصادنا السعودي، في ظل اعتقاد بعضنا - وهم مؤثرون في القرار - بأن عصورنا النفطية الذهبية ستستمر للأبد. مما أحدث تراخيا غريبا تجاه ما يجب تبنيه. بل وحتى بعض الإصلاحات وصلت إلى مرحلة اتخاذ القرار وتم العدول عنها بسبب الحساسية المفرطة لدى بعضنا تجاه معادلة العقد الاجتماعي بين الحكومة والمواطن.

المرحلة الحالية تحتاج إلى بناء الثقة بين المواطن والحكومة من خلال:

أولا: لا بد وأن يتم إطلاع المواطن أولا بأول بما تم إنجازه في برامج الرؤية، وتأثير الإصلاحات الاقتصادية من القضاء على الهدر والفساد وزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي وأداء الأجهزة الحكومية، مع إشراك فئات المجتمع وبصفة دورية في الاطلاع والمساءلة مثل ما حدث من خلال ورش العمل أو جلسات الحوار مع ولي ولي العهد.

ثانيا: لا بد وأن يتبنى المواطن بصورة كاملة هذه الرؤية وتطبيقها، فهو شريك فيها من خلال أنه الذي يجد فرصا وظيفية من خلال برامج الرؤية، وهو المتلقي لبرامج تعليمية وتدريبية أفضل، وهو المستفيد الحقيقي والنهائي من جميع برامج التحول الوطني.

ثالثا: تبني مزيد من السياسة الإعلامية الواضحة لبعض برامج الرؤية 2030، التي لم تكن واضحة من قبل. فالتنمية المتوازنة بين المناطق أمر مهم جدا، وتمت مراعاته في الرؤية، ويحتاج إلى توضيح أكبر حتى يشعر المواطن من مختلف المناطق أنه ليس بحاجة إلى الانتقال إلى المدن الكبرى من أجل البحث عن فرص وظيفية. وكما تم تعميم الجامعات في مختلف مناطق المملكة فإن هنالك مستوى أدنى من الخدمات العامة ونشاط القطاعات الاقتصادية المختلفة الذي يتم تسكينه في هذه المناطق.

وفي الختام فإننا بحاجة لهذه الرؤية 2030 ونجاحها أكثر من أي وقت مضى، وبحاجة لالتفاف الجميع حولها ومساندتها والتدليل على أخطائها المحتملة. فبدون هذه الإصلاحات والبرامج واستمرار الوضع الاقتصادي المتردي حاليا، سنعود نصف قرن إلى الوراء.