مخاطر سوقـنا «المكشوفة» لن يغطيها سوى «الّلحاف» الوطـني!
السبت / 09 / ربيع الثاني / 1438 هـ السبت 07 يناير 2017 03:07
غسان بادكوك
يقول الخبر: « تدخَّلَ 3 طلاب في مدرسة ثانوية بجيزان لإصلاح خلل كهربائي في مدرستهم؛ قبل وصول فريق صيانة شركة الكهرباء الذي سجّل أفراده إعجابهم بالعمل المهني الاحترافي للطلاب؛ بعد نجاحهم في إصلاح الخلل الذي أصاب وصلات الكيبل الرئيسي المغذّي للمدرسة، ويُعدُّ تدخل أولئك الطلاب هو ثمرة برنامج تدريبي «ربما غير معروف كثيرا» واسمه (تعليم وعمل)؛ أطلقته قبل نحو سنة كل من وزارتي العمل والتعليم؛ بدعم من صندوق «هدف» والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني».
(القصة) السابقة قد تكون صغيرة في فصولها ولكنها بالتأكيد كبيرة جدا في مغزاها، ومفيدة في نتيجتها، لذلك وجدتها مناسِبة لتكون مدخلاً لمقالي اليوم الذي سأُلقي فيه الضوء على مبادرة وطنية مهمة أطلقتها أخيرا وزارة العمل؛ وربما لم يسمع بها الكثيرون في مجتمعنا، المبادرة هي «مشروع الانكشاف المهني وتحقيق الأمان الاقتصادي» وتكمن أهميتها في كونها تقيس مدى اعتماد سوق العمل على الوافدين؛ وتهدف لتصحيح وضعها (المُنحاز للعمالة الوافدة)؛ خصوصاً في بعض المهن والقطاعات المختلفة، كما تضع المبادرة مؤشرات لما بات يُعرف بـ(الانكشاف المهني)؛ بهدف وضع حد لسيطرة العمالة الوافدة عليها، وتحجيم مخاطرها الاقتصادية والاجتماعية؛ وحتى الأمنية.
ولكن قبل التوسُّع في الحديث عن المبادرة، لا بد أن أشير إلى أن الطلاب الثلاثة الذين بدأتُ بهم المقال هم نماذج مضيئة وناجحة؛ تؤكد قدرة شبابنا على (القيام بالواجب)؛ فقط لو أحسنا حفزهم وتوجيههم وتأهيلهم ليُلبّوا حاجتنا الماسّة للمهارات المهنية والتقنية التي نفتقر للأعداد الكافية منها؛ في حين أن برنامج (تعليم وعمل)-الذي دعوتُ لمثله مراراً في مقالات سابقة-، هو إحدى الوسائل الفعّالة لإعلاء ونشر ثقافة العمل المهني بين شبابنا، (التي أهملناها طويلا في تعليمنا وإعلامنا)، في بيئة تدريب عملية، وصولا لإكسابهم المهارات الفنية والقدرات اللازمة، في مجالات متنوعة تؤهلهم للحياة العملية.
وبالعودة لمشروع الانكشاف المهني، فقد جاء بعد موافقة المقام السامي على اعتماد دراسة موسّعة أعدّتها وزارة العمل لأوضاع السوق؛ إذ طالب التوجيه الملكي الجهات الحكومية المشرفة على الأنشطة الاقتصادية، بالتنسيق مع وزارة العمل لتحديد ما يُعرف بـ(المهن الحَرِجة)، ومعرفة نسب التوطين فيها لتحقيق الأمان المهني في البلاد، لاسيما أن أغلب السعوديين يعملون إمّا في مهن منخفضة المخاطر أو لا تتطلّب مهارات مهنية وحرفية!.
وبكلام مبسَّط فإن هناك قطاعات حيوية في اقتصادنا؛ أصبحت تحت سيطرة العمالة الوافدة؛ بمختلف تخصصاتها وتأهيلها، سواء في الإدارة أو التشغيل، كان ذلك نتيجة طبيعية لتفريطنا في تأمين الرصيد الكافي من الكفاءات الوطنية في تلك المجالات، ومكمن الخطورة في الأمر هو أنه لو حدث ما يستدعي مغادرة أولئك الوافدين بشكل مفاجئ وبأعداد كبيرة وخلال وقت قصير، فسنواجه وضعا خطيراً، وقد يتوقف العمل كليّا أو جزئيا في تلك القطاعات؛ أو على الأقل في أقسام أو مهن ووظائف معيّنة فيها، ومن أبرز تلك القطاعات (المنكشفة) كل من الصحة والبناء والكهرباء والنقل والتصنيع وتجارة الجملة والتجزئة والسياحة الزراعة.
وعلى سبيل المثال فإن 60 % من الأطباء في مستشفياتنا هم وافدون؛ وتزداد النسبة في التخصصات الطبية المساندة كالتمريض والمختبرات والأشعة، أما لو نظرنا لقطاع الطاقة، فإن الفنيين الوافدين يسيطرون على 80 % من العاملين في أحد أهم أقسامها وأقصد بذلك قسم إنتاج كهرباء (الضغط العالي)، في حين أن قطاع الصيانة؛ وتحديداً صيانة الطائرات، يتم تشغيله بنسبة عالية من مهندسي صيانة وافدين؛ ما يعني صعوبة كبرى في حركة أسطولنا الجوي؛ لو حدث ما نخشاه، وتزداد خطورة الأمر مع وجود 455 مهنة يتركّز فيها الوافدون بنسب عالية؛ من أصل 733 مهنة!؛ خصوصا لو كانت العمالة المسيطرة هي من جنسية واحدة؛ كما هو حال بعض القطاعات.
هذه المبادرة الجريئة، تجعلني اليوم أُشيد بجهود وزارة العمل في إطلاقها خلال فترة وزيرها السابق الأستاذ مفرج الحقباني؛ إذ كثيراً ما وجّهتُ نقدي لجوانب محدّدة في أداء الوزارة، ولكن هذه المبادرة هي بالتأكيد علامة فارقة ومُنجَز مهم يُحسَب لمعاليه؛ وأثق بأن معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية الحالي المهندس علي الغفيص وأركان وزارته سيبنون عليها؛ خصوصا وهو الخبير في التدريب التقني والمهني بعد أن قاد (المؤسسة) لسنوات طوال، ويدرك بالتأكيد تحدياتها ومتطلباتها؛ وحتى بعد أن انتقلت تبعيتها أخيرا لوزارة التعليم، فإن (شراكة إستراتيجية) بين الوزارتين من شأنها التسريع بتحقيق أهداف المبادرة، التي تعتبر أيضا أداةً رئيسية لمعالي وزير التعليم؛ لو أُحسن استثمارها.
تبقى الإشارة إلى أنني تلقيت أخيرا اتصالا من أ. خالد أبا الخيل المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بعد أيام على نشر مقالي قبل الأخير الذي كان عنوانه (المسافة بين شعار ترمب وأمنية القنيبط!)، ناقش معي فيه مضمون ذلك المقال، وأبلغني اهتمام الوزير بالأفكار التي طرحتها في مقالي. وقطعا فإن اقتراب الوزارة من الكتّاب، ومتابعتها للطروحات الخاصة بمجال عملها هو أمر إيجابي؛ أتمنى أن يستمر وأن يزداد مستقبلاً ليشمل مختلف أجهزتنا التنفيذية؛ إذ كثيرا ما طالبنا -ككُتّاب- بالمزيد من تفاعل المسؤولين، خصوصا أن هدفنا مشترك وهو الصالح العام.
وأختم برجاءين لوزيري العمل والتمنية والاجتماعية والتعليم باعتبار وزارتيهما هما (حجرا رحى) إصلاح اختلالات سوق العمل في المملكة، والرجاءان هما:
1. ضرورة توسُّع الوزارتين في نشر برنامج (تعليم وعمل) الذي مكّن طلابنا من إصلاح العطل الكهربائي في مدرستهم بدون الحاجة لفنيين؛ ربما كانوا وافدين.
2. إطلاق مبادرة جريئة أخرى هي التحويل التدريجي لنسبة متزايدة من مدارسنا الثانوية -سنويا- لتصبح مدارس مهنية وتقنية، مع تقديم مكافآت مادية مُشجّعة للطلاب الملتحقين بها، وزيادة أعداد الكليات والمعاهد الحرفية والفنية.
وأثق بأن تحقيق المقترحين سيُعجِّل بوضع حد لتركُّز العمالة الوافدة في العديد من قطاعات اقتصادنا، وهو ما سيعُزّز أمننا الاقتصادي والاجتماعي، ويوفر ملايين فرص العمل لأبنائنا، ويدعم مشروع الانكشاف المهني، ويؤدي لإصلاح تشوهات سوق العمل؛ ربما خلال 15 عاما؛ أي بحلول عام 2030؛ وهو موعدنا المنتظر لتحقيق رؤيتنا، والأهم من كل ذلك هو تدارك تقاعسنا طوال العقود السابقة في تعزيز قيمة إسلامية سامية هي..العمل المهني.
(القصة) السابقة قد تكون صغيرة في فصولها ولكنها بالتأكيد كبيرة جدا في مغزاها، ومفيدة في نتيجتها، لذلك وجدتها مناسِبة لتكون مدخلاً لمقالي اليوم الذي سأُلقي فيه الضوء على مبادرة وطنية مهمة أطلقتها أخيرا وزارة العمل؛ وربما لم يسمع بها الكثيرون في مجتمعنا، المبادرة هي «مشروع الانكشاف المهني وتحقيق الأمان الاقتصادي» وتكمن أهميتها في كونها تقيس مدى اعتماد سوق العمل على الوافدين؛ وتهدف لتصحيح وضعها (المُنحاز للعمالة الوافدة)؛ خصوصاً في بعض المهن والقطاعات المختلفة، كما تضع المبادرة مؤشرات لما بات يُعرف بـ(الانكشاف المهني)؛ بهدف وضع حد لسيطرة العمالة الوافدة عليها، وتحجيم مخاطرها الاقتصادية والاجتماعية؛ وحتى الأمنية.
ولكن قبل التوسُّع في الحديث عن المبادرة، لا بد أن أشير إلى أن الطلاب الثلاثة الذين بدأتُ بهم المقال هم نماذج مضيئة وناجحة؛ تؤكد قدرة شبابنا على (القيام بالواجب)؛ فقط لو أحسنا حفزهم وتوجيههم وتأهيلهم ليُلبّوا حاجتنا الماسّة للمهارات المهنية والتقنية التي نفتقر للأعداد الكافية منها؛ في حين أن برنامج (تعليم وعمل)-الذي دعوتُ لمثله مراراً في مقالات سابقة-، هو إحدى الوسائل الفعّالة لإعلاء ونشر ثقافة العمل المهني بين شبابنا، (التي أهملناها طويلا في تعليمنا وإعلامنا)، في بيئة تدريب عملية، وصولا لإكسابهم المهارات الفنية والقدرات اللازمة، في مجالات متنوعة تؤهلهم للحياة العملية.
وبالعودة لمشروع الانكشاف المهني، فقد جاء بعد موافقة المقام السامي على اعتماد دراسة موسّعة أعدّتها وزارة العمل لأوضاع السوق؛ إذ طالب التوجيه الملكي الجهات الحكومية المشرفة على الأنشطة الاقتصادية، بالتنسيق مع وزارة العمل لتحديد ما يُعرف بـ(المهن الحَرِجة)، ومعرفة نسب التوطين فيها لتحقيق الأمان المهني في البلاد، لاسيما أن أغلب السعوديين يعملون إمّا في مهن منخفضة المخاطر أو لا تتطلّب مهارات مهنية وحرفية!.
وبكلام مبسَّط فإن هناك قطاعات حيوية في اقتصادنا؛ أصبحت تحت سيطرة العمالة الوافدة؛ بمختلف تخصصاتها وتأهيلها، سواء في الإدارة أو التشغيل، كان ذلك نتيجة طبيعية لتفريطنا في تأمين الرصيد الكافي من الكفاءات الوطنية في تلك المجالات، ومكمن الخطورة في الأمر هو أنه لو حدث ما يستدعي مغادرة أولئك الوافدين بشكل مفاجئ وبأعداد كبيرة وخلال وقت قصير، فسنواجه وضعا خطيراً، وقد يتوقف العمل كليّا أو جزئيا في تلك القطاعات؛ أو على الأقل في أقسام أو مهن ووظائف معيّنة فيها، ومن أبرز تلك القطاعات (المنكشفة) كل من الصحة والبناء والكهرباء والنقل والتصنيع وتجارة الجملة والتجزئة والسياحة الزراعة.
وعلى سبيل المثال فإن 60 % من الأطباء في مستشفياتنا هم وافدون؛ وتزداد النسبة في التخصصات الطبية المساندة كالتمريض والمختبرات والأشعة، أما لو نظرنا لقطاع الطاقة، فإن الفنيين الوافدين يسيطرون على 80 % من العاملين في أحد أهم أقسامها وأقصد بذلك قسم إنتاج كهرباء (الضغط العالي)، في حين أن قطاع الصيانة؛ وتحديداً صيانة الطائرات، يتم تشغيله بنسبة عالية من مهندسي صيانة وافدين؛ ما يعني صعوبة كبرى في حركة أسطولنا الجوي؛ لو حدث ما نخشاه، وتزداد خطورة الأمر مع وجود 455 مهنة يتركّز فيها الوافدون بنسب عالية؛ من أصل 733 مهنة!؛ خصوصا لو كانت العمالة المسيطرة هي من جنسية واحدة؛ كما هو حال بعض القطاعات.
هذه المبادرة الجريئة، تجعلني اليوم أُشيد بجهود وزارة العمل في إطلاقها خلال فترة وزيرها السابق الأستاذ مفرج الحقباني؛ إذ كثيراً ما وجّهتُ نقدي لجوانب محدّدة في أداء الوزارة، ولكن هذه المبادرة هي بالتأكيد علامة فارقة ومُنجَز مهم يُحسَب لمعاليه؛ وأثق بأن معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية الحالي المهندس علي الغفيص وأركان وزارته سيبنون عليها؛ خصوصا وهو الخبير في التدريب التقني والمهني بعد أن قاد (المؤسسة) لسنوات طوال، ويدرك بالتأكيد تحدياتها ومتطلباتها؛ وحتى بعد أن انتقلت تبعيتها أخيرا لوزارة التعليم، فإن (شراكة إستراتيجية) بين الوزارتين من شأنها التسريع بتحقيق أهداف المبادرة، التي تعتبر أيضا أداةً رئيسية لمعالي وزير التعليم؛ لو أُحسن استثمارها.
تبقى الإشارة إلى أنني تلقيت أخيرا اتصالا من أ. خالد أبا الخيل المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بعد أيام على نشر مقالي قبل الأخير الذي كان عنوانه (المسافة بين شعار ترمب وأمنية القنيبط!)، ناقش معي فيه مضمون ذلك المقال، وأبلغني اهتمام الوزير بالأفكار التي طرحتها في مقالي. وقطعا فإن اقتراب الوزارة من الكتّاب، ومتابعتها للطروحات الخاصة بمجال عملها هو أمر إيجابي؛ أتمنى أن يستمر وأن يزداد مستقبلاً ليشمل مختلف أجهزتنا التنفيذية؛ إذ كثيرا ما طالبنا -ككُتّاب- بالمزيد من تفاعل المسؤولين، خصوصا أن هدفنا مشترك وهو الصالح العام.
وأختم برجاءين لوزيري العمل والتمنية والاجتماعية والتعليم باعتبار وزارتيهما هما (حجرا رحى) إصلاح اختلالات سوق العمل في المملكة، والرجاءان هما:
1. ضرورة توسُّع الوزارتين في نشر برنامج (تعليم وعمل) الذي مكّن طلابنا من إصلاح العطل الكهربائي في مدرستهم بدون الحاجة لفنيين؛ ربما كانوا وافدين.
2. إطلاق مبادرة جريئة أخرى هي التحويل التدريجي لنسبة متزايدة من مدارسنا الثانوية -سنويا- لتصبح مدارس مهنية وتقنية، مع تقديم مكافآت مادية مُشجّعة للطلاب الملتحقين بها، وزيادة أعداد الكليات والمعاهد الحرفية والفنية.
وأثق بأن تحقيق المقترحين سيُعجِّل بوضع حد لتركُّز العمالة الوافدة في العديد من قطاعات اقتصادنا، وهو ما سيعُزّز أمننا الاقتصادي والاجتماعي، ويوفر ملايين فرص العمل لأبنائنا، ويدعم مشروع الانكشاف المهني، ويؤدي لإصلاح تشوهات سوق العمل؛ ربما خلال 15 عاما؛ أي بحلول عام 2030؛ وهو موعدنا المنتظر لتحقيق رؤيتنا، والأهم من كل ذلك هو تدارك تقاعسنا طوال العقود السابقة في تعزيز قيمة إسلامية سامية هي..العمل المهني.