«منفى» مصطفى إدريس
تلميح وتصريح
السبت / 16 / ربيع الثاني / 1438 هـ السبت 14 يناير 2017 01:57
حمود أبو طالب
مفارقة مؤلمة أن تتوسل علاجه الصحيفة التي كان يهندس تفاصيلها، وأكثر ما كان يهتم به في تلك التفاصيل القصص الإنسانية والحالات الحرجة في منعطفات الحياة للبشر الذين طحنتهم تروسها القاسية.
جداً مؤلمة هذه المفارقة، حين تنشر «عكاظ» يوم أمس خبراً عن الحالة الصحية الحرجة للأستاذ مصطفى إدريس عنوانه «إدريس لم يعد قادراً على الجلوس وينتظر تدخلاً عاجلاً». مصطفى الذي ظل واقفا طيلة عمره الذي أمضاه احتراقاً وإبداعاً في صحيفته، يأتي اليوم الذي تصدمنا فيه بأنه لم يعد قادراً حتى على الجلوس فحسب، وليس الوقوف على قدميه. الصحيفة التي كان اسمه بارزاً في ترويستها نائباً لرئيس التحرير لفترة طويلة، تعيد نشر اسمه اليوم في خبر حزين، كمريض تحث على انتشاله من آلامه المبرحة، جسدياً ونفسياً. شكراً «عكاظ»، لأنك حفظت ماء وجوه أصدقائه من استجداء علاجه، فقد هاتفني صباح الخميس الصديق الإعلامي بدر العباسي، ولمّا أستعد لياقتي بعد من وعثاء سفر طويل، ليفيدني بحالة مصطفى الحرجة وضرورة الإسراع في مشاركته محاولاته النبيلة لإدخاله مصحة تستطيع علاجه. كان يوماً كئيباً لأني أعرف الدوائر المغلقة والطرق المسدودة التي يمكن أن تنتهي إليها مثل هذه المحاولات والحالات، لكن «عكاظ» بادرت وتحدثت عن حالة مصطفى نيابة عن الكل، وأوصلت الرسالة لكل من يستطيع تخفيف معاناته بعد الله.
***
لم يكن مصطفى إدريس صحافيا عاديا، ولا مثقفاً من الطراز السائد، ولا إنساناً مستنسخاً من النمطية. متمرد على التفكير التقليدي في كل شيء. العمل، العلاقات، الرؤية للحياة، فلسفة التعامل معها ومع الناس، ومع نفسه أولا. قد يختلف الكثير معه وحوله، لكن لا يمكن الاختلاف على نقاء داخله، ونصاعة روحه، وصفاء وجدانه عندما يقرر أن تقترب منه كثيراً ليتخذك صديقاً، يسمح لك بمحاولة اكتشاف أعماقه التي لا يعرفها الآخرون.
أدهشني كثيراً عندما تعرفت عليه في بداية كتابتي في «عكاظ». مختلف جداً حد الصدمة أحيانا في ابتكاراته التي يضخها في عروق الصحيفة، والتي تحولت إلى ما يقترب من المدرسة الصحفية الخاصة به، وحين كان يكتب بعض الأوقات في زاويته (منفى) كان يجعلنا ككتاب نخجل من بعض ما نكتبه، لأنه كاتب عمود صحفي من طراز فريد. ولا أدري هل اختار مصطفى المنفى كعنوان لزاويته لأنه كان قد تأكد منذ ذلك الوقت أنه يعيش في منفى، اختيارياً أو إجبارياً، أم أنه كان يتوقع مثل هذا اليوم الذي سيعيش فيه في منفى المرض وآلام العزلة ووجع بُعد الأصدقاء عنه وعقوقهم للزمن الجميل الذي منحهم من عمره، ولا أستثني نفسي منهم.
كم أنا موجوع بك يا أستاذي. ولن أحاول إيجاد الذرائع والمبررات لنفسي، فمهما كانت الأحوال والظروف قاسية على الذهن والوقت إلا أنها لا يجب أن تشفع لتقصيري. ستنهض بإذن الله يا مصطفى عندما يعرف الوطن أي خطيئة يرتكبها في إهمال علاج قامة مثلك والعناية بكل أحوالها. وعندما تقف على قدميك سيكون للاعتذار منك معنى آخر..
جداً مؤلمة هذه المفارقة، حين تنشر «عكاظ» يوم أمس خبراً عن الحالة الصحية الحرجة للأستاذ مصطفى إدريس عنوانه «إدريس لم يعد قادراً على الجلوس وينتظر تدخلاً عاجلاً». مصطفى الذي ظل واقفا طيلة عمره الذي أمضاه احتراقاً وإبداعاً في صحيفته، يأتي اليوم الذي تصدمنا فيه بأنه لم يعد قادراً حتى على الجلوس فحسب، وليس الوقوف على قدميه. الصحيفة التي كان اسمه بارزاً في ترويستها نائباً لرئيس التحرير لفترة طويلة، تعيد نشر اسمه اليوم في خبر حزين، كمريض تحث على انتشاله من آلامه المبرحة، جسدياً ونفسياً. شكراً «عكاظ»، لأنك حفظت ماء وجوه أصدقائه من استجداء علاجه، فقد هاتفني صباح الخميس الصديق الإعلامي بدر العباسي، ولمّا أستعد لياقتي بعد من وعثاء سفر طويل، ليفيدني بحالة مصطفى الحرجة وضرورة الإسراع في مشاركته محاولاته النبيلة لإدخاله مصحة تستطيع علاجه. كان يوماً كئيباً لأني أعرف الدوائر المغلقة والطرق المسدودة التي يمكن أن تنتهي إليها مثل هذه المحاولات والحالات، لكن «عكاظ» بادرت وتحدثت عن حالة مصطفى نيابة عن الكل، وأوصلت الرسالة لكل من يستطيع تخفيف معاناته بعد الله.
***
لم يكن مصطفى إدريس صحافيا عاديا، ولا مثقفاً من الطراز السائد، ولا إنساناً مستنسخاً من النمطية. متمرد على التفكير التقليدي في كل شيء. العمل، العلاقات، الرؤية للحياة، فلسفة التعامل معها ومع الناس، ومع نفسه أولا. قد يختلف الكثير معه وحوله، لكن لا يمكن الاختلاف على نقاء داخله، ونصاعة روحه، وصفاء وجدانه عندما يقرر أن تقترب منه كثيراً ليتخذك صديقاً، يسمح لك بمحاولة اكتشاف أعماقه التي لا يعرفها الآخرون.
أدهشني كثيراً عندما تعرفت عليه في بداية كتابتي في «عكاظ». مختلف جداً حد الصدمة أحيانا في ابتكاراته التي يضخها في عروق الصحيفة، والتي تحولت إلى ما يقترب من المدرسة الصحفية الخاصة به، وحين كان يكتب بعض الأوقات في زاويته (منفى) كان يجعلنا ككتاب نخجل من بعض ما نكتبه، لأنه كاتب عمود صحفي من طراز فريد. ولا أدري هل اختار مصطفى المنفى كعنوان لزاويته لأنه كان قد تأكد منذ ذلك الوقت أنه يعيش في منفى، اختيارياً أو إجبارياً، أم أنه كان يتوقع مثل هذا اليوم الذي سيعيش فيه في منفى المرض وآلام العزلة ووجع بُعد الأصدقاء عنه وعقوقهم للزمن الجميل الذي منحهم من عمره، ولا أستثني نفسي منهم.
كم أنا موجوع بك يا أستاذي. ولن أحاول إيجاد الذرائع والمبررات لنفسي، فمهما كانت الأحوال والظروف قاسية على الذهن والوقت إلا أنها لا يجب أن تشفع لتقصيري. ستنهض بإذن الله يا مصطفى عندما يعرف الوطن أي خطيئة يرتكبها في إهمال علاج قامة مثلك والعناية بكل أحوالها. وعندما تقف على قدميك سيكون للاعتذار منك معنى آخر..