في مجتمعنا قوتان متضادتان، دائمتا التصارع فيما بينهما، إحداهما تدفع إلى الأمام والأخرى تدفع إلى الخلف.

فيديو هواجيس لماجد العيسى، الذي ذاع وانتشر وترجم للغة الإنجليزية ليطوف العالم منبئا عما يجري داخل السعودية من صراع بين هاتين القوتين المتضادتين، كان مثالا جيدا لتوثيق هذه المرحلة التاريخية في حياة المجتمع.

أجمل ما في الفيديو أنه يعتمد البرود والفكاهة في رده على قوة الدفع للخلف. وحق له أن يعتمد ذلك، فما تتسلح به تلك القوة من أسلحة، لا يليق الرد عليها بشيء سوى الفكاهة، فمتى كان الخطاب بعيدا عن المنطق، لا يصح الرد عليه بمنطق!

قوة الدفع للأمام، تقوم بتيسير التزود بالمعرفة العلمية للناس، كرعاية المؤسسات العلمية، وتخصيص جامعة بأكملها للعلوم، وإقامة مدينة كبرى للبحث العلمي، وتحفيز عقد المؤتمرات البحثية، وابتعاث الطلاب والطالبات لدراسة العلوم في الجامعات المتقدمة، وغير ذلك مما له أثر فعلي في تقدم المعرفة العلمية في المجتمع.

قوة الدفع للخلف، تقوم بعرقلة كل ذلك، مرة بالتشكيك في نوايا الباحثين، والربط بين ما ينشرونه من اكتشافاتهم العلمية ورغبتهم في نشر الإلحاد والكفر، ومرة بإصدار مؤلفات تنكر حقائق علمية مسلما بها كدوران الأرض أو هبوط الإنسان على سطح القمر أو غيرها من اكتشافات العلم الحديث.

قوة الدفع للأمام، تعبد الطريق للمرأة لتسير مع بقية نساء العالم في خط التسابق نحو العلم والعمل والإنتاج الثري، تحمل النساء فوق أجنحتها تحلق بهن إلى بلوغ مقاعد المحاماة والترافع في المحاكم، وشغل المقاعد الأمامية في محاضن التنمية.

قوة الدفع للخلف، تزرع المسامير في طريق النساء، ترجمهن بحصى اللفظ، تطلب منهن التراجع والعودة إلى مواقعهن الأولى، تنفخ أعاصير غضبها في كل مكان، تريد إغلاق منافذ ولوج المرأة إلى أي عالم جديد لم يعرفه الزمن الخلفي من قبل.

قوة الدفع للأمام، تحتضن شبانا وشابات متحمسين لتطوير صناعة الفنون والغناء والسينما والمسرح في بلادهم، فتدفع بهم إلى تقديم نماذج فنية جيدة ذات رسالة ومعنى تحقق رسالة الفن الرامية إلى تذوق الجمال وتطوير الحس الإنساني.

قوة الدفع للخلف، تهجو الفنون كلها وتصمها ليس بمعاداة الخلق والدين فحسب، وإنما أيضا بالتواطؤ مع الراغبين في دحر الإسلام وإلهاء أبنائه عن دينهم.

قوة الدفع للأمام، ترى أن المرأة التي باتت تقود مؤسسات كبرى وتبني عقولا وتربي أجيالا، من المعيب أن تظل إلى الآن محظورا عليها قيادة آلة كالسيارة.

قوة الدفع للخلف، تناهض ذلك، مرة بحجة الحفاظ على صحة المرأة الإنجابية، ومرة بالحفاظ على صحة المجتمع الأخلاقية.

قوة الدفع للأمام، تريد للمرأة أن يكون لها الرأي الأخير في اتخاذ القرارات الخاصة بها، بدون حاجة لموافقة أحد غيرها.

قوة الدفع للخلف، تعارض بتر حبل الولي، متشبثة بعدم التفريط بآخر معاقل التخلف في التعامل مع النساء!.