أبناء وبنات تثليث.. من طلب العلم سلك طريق «الموت»
أيدي الآباء والأمهات على قلوبهم منذ بزوغ الفجر حتى غروب الشمس (2-5)
الاثنين / 25 / ربيع الثاني / 1438 هـ الاثنين 23 يناير 2017 02:55
عبدالله آل قمشة (تثليث) @aalqomsha
يزدحم الطريق الرابط بين محافظتي تثليث وبيشة صباحا (من الأحد إلى الخميس) في رحلة طلب العلم لأبناء وبنات تثليث الذين يدرسون في بيشة على بعد 130 كيلومترا، لغياب الكليات عن محافظتهم، ويتكرر المشهد مساء في رحلة العودة لمنازلهم.المشهد في الرحلات اليومية لا يقتصر على الطلاب والطالبات، فهناك معلمون ومعلمات يذهبون من بيشة إلى تثليث صباحا ويعودون مساء، كونهم يعملون في مدارس محافظة تثليث ومراكزها وقراها القريبة من نجران ووادي الدواسر وسراة عبيدة.
رحلات شاقة محفوفة بالخطر يشكله الطريق المفرد، وتزيده خطورة تلك الظروف التي تحيط بالمركبة المستخدمة؛ فنعاس السائقين وكبر سن البعض خطر، وقِدم موديلات المركبات خطر ثانٍ، وضعف صيانتها خطر ثالث، والزحام داخل المركبة خطر رابع.
مناحي القحطاني حاله كحال الكثير من أولياء الأمور يعيش حالة من الترقب والانتظار المقلق حتى تعود ابنته إلى المنزل، إذ يقول: رحلة السفر من تثليث إلى بيشة تبدأ قبل صلاة الفجر يوميا وتنتهي بعد صلاة العصر، تنتقل الطالبات في حافلات كبيرة من تثليث ومراكزها للدراسة في جامعة بيشة لانعدام الكليات في المحافظة، ما يجعل الطالبات وأولياء الأمور بين خيارين كلاهما مر؛ فإما استئجار منزل في بيشة قريبا من الكليات، أو الاعتماد على الحافلات للتنقل من تثليث إلى بيشة صباحا والعكس مساء.
أما محمد المسردي فوصف حال بنات تثليث اللاتي يسافرن كل يوم في رحلتين محفوفتين بالخطر لطلب العلم في جامعة بيشة، وصف حالهن بالمشفق، قائلا: أُشاهدهن يتجمعن قبل الفجر استعداداً للسفر إلى بيشة، وأشاهدهن في العصر بعد عودتهن إلى تثليث، عبر طريق مفرد، وبواسطة حافلات كبيرة وقديمة الموديل مما يجعلها معرضة للأعطال والتوقف في المناطق البرية الخالية من الخدمات والمراكز الأمنية.
ويضيف: أسر الطالبات يعيشون في قلق وترقب، حتى أن ولي الأمر يخشى أي اتصال هاتفي يرد إلى جواله كي لا يسمع خبرا مزعجا يخص ابنته أو أخته المسافرة لطلب العلم في بيشة.
حال المعلمات المسافرات في رحلة معاكسة من بيشة للعمل في مدارس تثليث لا يختلف عن حال الطالبات، وقد يكون حالهن أكثر صعوبة وأشد قساوة، فنسبة كبيرة من المعلمات أمهات لديهن أطفال، ومن بينهن حوامل، ينتقلن في سيارات خاصة وحافلات صغيرة، ما يضطر صاحب المركبة لإزالة بعض الكراسي من المركبة لزيادة عددهن كسبا للمال.
من جانبها، تؤكد المعلمة هياء المعاوي (تسكن بيشة وتعمل في مدرسة بإحدى قرى تثليث) أنها تجتمع هي وزميلاتها المعلمات في سيارة خاصة قبل صلاة الفجر بعد أن تُودع أطفالها عند الأقارب، موضحة أنها وزميلاتها يتزاحمن في تلك المركبة ذات الموديل القديم، ثم ينتقلن إلى تثليث في رحلة محفوفة بالخطر، فالسيارة قديمة، والسائق كبير بالعمر ومريض بالسكر، والطريق مفرد، ولكنها تقول: أنا وزميلاتي مؤمنات بالقضاء والقدر، ونحرص على الأذكار ودعاء السفر، لكننا نناشد وزارة التعليم بمراعاة حالنا وحال الكثير من المعلمات اللواتي يسافرن في مهمة شريفة، مطالبة الوزارة بوضع حد أقصى لغربة المعلمة عن منطقتها التي تسكن فيها، بحيث يمكن للمعلمة النقل بعد إكمال المدة المقررة دون الدخول في مفاضلات غير منصفة.
الصعود لقمم الجبال لالتقاط «الشبكة»
لا يختلف اثنان من سكان محافظة تثليث على ضعف شبكات الاتصالات في المحافظة بمختلف أنواعها، وعدم تمكنهم من الاستفادة من تلك الشبكات في أوقات كثيرة بالمستوى المطلوب.
وقال كحيلان آل سعد إن الاتصالات لا يستفاد منها بالشكل المطلوب، ولا تتواكب مع النهضة الحضارية التي تعيشها المحافظة، ويفتقد السكان خدمتها في المراكز والقرى البعيدة عن مركز المحافظة، وسكان القرى والمراكز يلجأون لقمم الجبال لالتقاط الخدمة، خصوصا في المواقف الحرجة التي يتطلب فيها الحال الاتصال لطلب الإسعاف أو النجدة، أو الإبلاغ عن أية حالة، أو التواصل مع الأهل والأقارب. لافتا إلى أن شبكات الاتصالات قديمة، ولا يتوفر بها الجيل الرابع، وخدمة (الإنترنت) ضعيفة قياساً بالمدن والمحافظات الأخرى، مما يقلل استفادة المشتركين منها بالشكل المطلوب.
أما عبدالعزيز العاطفي فأوضح أن سكان قرى شرقي تثليث يعانون كثيرا من ضعف شبكات الاتصالات، ويعتبرون وجودها مجرد أبراج قليلة متباعدة مما يقلل من الاستفادة منها، فلا تصل الخدمة للمشتركين في مساكنهم بالقدرة الكاملة، فيخرجون من مساكنهم بالصعود للجبال والمرتفعات لالتقاط الشبكة وإجراء المكالمات والتواصل مع غيرهم، حتى في المراسلات لا يستطيعون إجراءها إلا من جوار الأبراج في قمم الجبال، مطالبا شركات الاتصالات المختلفة بتوفير الخدمة للمشتركين بما يتناسب مع ما يدفعه المشتركون شهريا مقابل خدمة ضعيفة لا تحقق تطلعاتهم.
هجرة بلا عودة.. والسبب غياب الخدمات
كان بالإمكان تغيير مسار الهجرة التي تشهدها مراكز وقرى محافظة تثليث إلى هجرة عكسية لو توفرت الخدمات الضرورية في تلك المراكز والقرى المتناثرة على محافظة تثليث، لكن انعدام الخدمات المهمة؛ كالكهرباء والصحة والخدمات البلدية أجبر عددا كبيرا من سكان المراكز والقرى للهجرة إلى مدينة تثليث، لينعموا بالخدمات التي يفتقدونها، وتفتقدها أسرهم في المراكز والقرى.
محمد الشبوي اعتبر هجرته بأسرته من مركز كحلان ضرورة، قائلا: كنا في السابق لا نفكر في ترك ديارنا لارتباطنا بها منذ نشأتنا وآبائنا وأجدادنا، كانت تثليث سابقا تفتقد الكثير من الخدمات إلا من اليسير منها، حالها كحال مراكزها وهجرها، لكن تلك الحال تغيرت وتحديدا منذ عام 1406، بتوفير الدولة للخدمات المهمة للمواطن، إذ تم إطلاق التيار الكهربائي في تثليث، الذي يمثل أحد شرايين الحياة، وتوسع نشاط البلدية في توزيع المخططات وسفلتة الشوارع وإنارتها، وزاد عدد المدارس بمراحلها (بنين وبنات) فتحولت مدينة تثليث إلى مدينة حضارية تتوفر بها كل المقومات للحياة، لكن المراكز البعيدة، ومنها (كحلان) افتقدت للكثير من الخدمات المهمة كالكهرباء والصحة ومراحل التعليم العليا، إضافة إلى الجانب التجاري، وتوفر التموينات اللازمة للأسرة ومتطلباتهم، فاضطررنا للانتقال لمدينة تثليث رغبة في توفير حياة كريمة لأسرنا.
وأشار الشبوي إلى أن هناك الكثير من الأسر التي هاجرت بكامل أفرادها من المراكز البعيدة في غرب وشرق وشمال المحافظة إلى مدينة تثليث، ولم يبق لهم هناك إلا الإبل والغنم التي أوكلوا أمرها للرعاة، مناشدا الجهات المعنية بتوفير الخدمات المهمة لحياة الناس وأن تعمل على إيقاف هجرة السكان من المراكز والقرى بتوفير الخدمات في تلك المناطق وفق استراتيجية متكاملة، مؤكداً أن مدينة تثليث ستزدحم سكانيا، ما لم توقف الهجرة إليها من الأطراف، مضيفا أنه وغيره من المواطنين وأسرهم يتطلعون للعودة لمراكزهم وقراهم التي ولدوا وعاشوا بدايات حياتهم فيها لكن ذلك لن يتحقق إلا بتطويرها وتزويدها بالخدمات المطلوبة لتوفير حياة حضارية مكتملة المقومات.
الحلقة القادمة:
أهالي تثليث: فاقد الشيء لا يعطيه يا «صحة بيشة»
رحلات شاقة محفوفة بالخطر يشكله الطريق المفرد، وتزيده خطورة تلك الظروف التي تحيط بالمركبة المستخدمة؛ فنعاس السائقين وكبر سن البعض خطر، وقِدم موديلات المركبات خطر ثانٍ، وضعف صيانتها خطر ثالث، والزحام داخل المركبة خطر رابع.
مناحي القحطاني حاله كحال الكثير من أولياء الأمور يعيش حالة من الترقب والانتظار المقلق حتى تعود ابنته إلى المنزل، إذ يقول: رحلة السفر من تثليث إلى بيشة تبدأ قبل صلاة الفجر يوميا وتنتهي بعد صلاة العصر، تنتقل الطالبات في حافلات كبيرة من تثليث ومراكزها للدراسة في جامعة بيشة لانعدام الكليات في المحافظة، ما يجعل الطالبات وأولياء الأمور بين خيارين كلاهما مر؛ فإما استئجار منزل في بيشة قريبا من الكليات، أو الاعتماد على الحافلات للتنقل من تثليث إلى بيشة صباحا والعكس مساء.
أما محمد المسردي فوصف حال بنات تثليث اللاتي يسافرن كل يوم في رحلتين محفوفتين بالخطر لطلب العلم في جامعة بيشة، وصف حالهن بالمشفق، قائلا: أُشاهدهن يتجمعن قبل الفجر استعداداً للسفر إلى بيشة، وأشاهدهن في العصر بعد عودتهن إلى تثليث، عبر طريق مفرد، وبواسطة حافلات كبيرة وقديمة الموديل مما يجعلها معرضة للأعطال والتوقف في المناطق البرية الخالية من الخدمات والمراكز الأمنية.
ويضيف: أسر الطالبات يعيشون في قلق وترقب، حتى أن ولي الأمر يخشى أي اتصال هاتفي يرد إلى جواله كي لا يسمع خبرا مزعجا يخص ابنته أو أخته المسافرة لطلب العلم في بيشة.
حال المعلمات المسافرات في رحلة معاكسة من بيشة للعمل في مدارس تثليث لا يختلف عن حال الطالبات، وقد يكون حالهن أكثر صعوبة وأشد قساوة، فنسبة كبيرة من المعلمات أمهات لديهن أطفال، ومن بينهن حوامل، ينتقلن في سيارات خاصة وحافلات صغيرة، ما يضطر صاحب المركبة لإزالة بعض الكراسي من المركبة لزيادة عددهن كسبا للمال.
من جانبها، تؤكد المعلمة هياء المعاوي (تسكن بيشة وتعمل في مدرسة بإحدى قرى تثليث) أنها تجتمع هي وزميلاتها المعلمات في سيارة خاصة قبل صلاة الفجر بعد أن تُودع أطفالها عند الأقارب، موضحة أنها وزميلاتها يتزاحمن في تلك المركبة ذات الموديل القديم، ثم ينتقلن إلى تثليث في رحلة محفوفة بالخطر، فالسيارة قديمة، والسائق كبير بالعمر ومريض بالسكر، والطريق مفرد، ولكنها تقول: أنا وزميلاتي مؤمنات بالقضاء والقدر، ونحرص على الأذكار ودعاء السفر، لكننا نناشد وزارة التعليم بمراعاة حالنا وحال الكثير من المعلمات اللواتي يسافرن في مهمة شريفة، مطالبة الوزارة بوضع حد أقصى لغربة المعلمة عن منطقتها التي تسكن فيها، بحيث يمكن للمعلمة النقل بعد إكمال المدة المقررة دون الدخول في مفاضلات غير منصفة.
الصعود لقمم الجبال لالتقاط «الشبكة»
لا يختلف اثنان من سكان محافظة تثليث على ضعف شبكات الاتصالات في المحافظة بمختلف أنواعها، وعدم تمكنهم من الاستفادة من تلك الشبكات في أوقات كثيرة بالمستوى المطلوب.
وقال كحيلان آل سعد إن الاتصالات لا يستفاد منها بالشكل المطلوب، ولا تتواكب مع النهضة الحضارية التي تعيشها المحافظة، ويفتقد السكان خدمتها في المراكز والقرى البعيدة عن مركز المحافظة، وسكان القرى والمراكز يلجأون لقمم الجبال لالتقاط الخدمة، خصوصا في المواقف الحرجة التي يتطلب فيها الحال الاتصال لطلب الإسعاف أو النجدة، أو الإبلاغ عن أية حالة، أو التواصل مع الأهل والأقارب. لافتا إلى أن شبكات الاتصالات قديمة، ولا يتوفر بها الجيل الرابع، وخدمة (الإنترنت) ضعيفة قياساً بالمدن والمحافظات الأخرى، مما يقلل استفادة المشتركين منها بالشكل المطلوب.
أما عبدالعزيز العاطفي فأوضح أن سكان قرى شرقي تثليث يعانون كثيرا من ضعف شبكات الاتصالات، ويعتبرون وجودها مجرد أبراج قليلة متباعدة مما يقلل من الاستفادة منها، فلا تصل الخدمة للمشتركين في مساكنهم بالقدرة الكاملة، فيخرجون من مساكنهم بالصعود للجبال والمرتفعات لالتقاط الشبكة وإجراء المكالمات والتواصل مع غيرهم، حتى في المراسلات لا يستطيعون إجراءها إلا من جوار الأبراج في قمم الجبال، مطالبا شركات الاتصالات المختلفة بتوفير الخدمة للمشتركين بما يتناسب مع ما يدفعه المشتركون شهريا مقابل خدمة ضعيفة لا تحقق تطلعاتهم.
هجرة بلا عودة.. والسبب غياب الخدمات
كان بالإمكان تغيير مسار الهجرة التي تشهدها مراكز وقرى محافظة تثليث إلى هجرة عكسية لو توفرت الخدمات الضرورية في تلك المراكز والقرى المتناثرة على محافظة تثليث، لكن انعدام الخدمات المهمة؛ كالكهرباء والصحة والخدمات البلدية أجبر عددا كبيرا من سكان المراكز والقرى للهجرة إلى مدينة تثليث، لينعموا بالخدمات التي يفتقدونها، وتفتقدها أسرهم في المراكز والقرى.
محمد الشبوي اعتبر هجرته بأسرته من مركز كحلان ضرورة، قائلا: كنا في السابق لا نفكر في ترك ديارنا لارتباطنا بها منذ نشأتنا وآبائنا وأجدادنا، كانت تثليث سابقا تفتقد الكثير من الخدمات إلا من اليسير منها، حالها كحال مراكزها وهجرها، لكن تلك الحال تغيرت وتحديدا منذ عام 1406، بتوفير الدولة للخدمات المهمة للمواطن، إذ تم إطلاق التيار الكهربائي في تثليث، الذي يمثل أحد شرايين الحياة، وتوسع نشاط البلدية في توزيع المخططات وسفلتة الشوارع وإنارتها، وزاد عدد المدارس بمراحلها (بنين وبنات) فتحولت مدينة تثليث إلى مدينة حضارية تتوفر بها كل المقومات للحياة، لكن المراكز البعيدة، ومنها (كحلان) افتقدت للكثير من الخدمات المهمة كالكهرباء والصحة ومراحل التعليم العليا، إضافة إلى الجانب التجاري، وتوفر التموينات اللازمة للأسرة ومتطلباتهم، فاضطررنا للانتقال لمدينة تثليث رغبة في توفير حياة كريمة لأسرنا.
وأشار الشبوي إلى أن هناك الكثير من الأسر التي هاجرت بكامل أفرادها من المراكز البعيدة في غرب وشرق وشمال المحافظة إلى مدينة تثليث، ولم يبق لهم هناك إلا الإبل والغنم التي أوكلوا أمرها للرعاة، مناشدا الجهات المعنية بتوفير الخدمات المهمة لحياة الناس وأن تعمل على إيقاف هجرة السكان من المراكز والقرى بتوفير الخدمات في تلك المناطق وفق استراتيجية متكاملة، مؤكداً أن مدينة تثليث ستزدحم سكانيا، ما لم توقف الهجرة إليها من الأطراف، مضيفا أنه وغيره من المواطنين وأسرهم يتطلعون للعودة لمراكزهم وقراهم التي ولدوا وعاشوا بدايات حياتهم فيها لكن ذلك لن يتحقق إلا بتطويرها وتزويدها بالخدمات المطلوبة لتوفير حياة حضارية مكتملة المقومات.
الحلقة القادمة:
أهالي تثليث: فاقد الشيء لا يعطيه يا «صحة بيشة»