«غالة الرياض».. مأزق العشوائية والجريمة والممنوعات!
يغص بالعمالة المخالفة .. ومروجو «العرق» يعرضون سمومهم في الطرقات
الثلاثاء / 26 / ربيع الثاني / 1438 هـ الثلاثاء 24 يناير 2017 02:47
منصور الشهري (الرياض)
mansooralshehri@
يبدو أن معضلة حي الفيصلية (شرق الرياض) والمعروف شعبيا بـ«الغالة» لا تزال تراوح مكانها، فرغم كل الخطوات العلاجية التي اتخذتها الجهات المعنية لتصحيح مسار الحي، إلا أن الجريمة وبيع الممنوعات لا تزال في أزقة الحي العشوائي، وباحاته تحت شعاع الشمس وأمام مرأى العابرين وقاطني الحي.
«حي الممنوعات» كما يسميه سكان «الغالة»، يزدهر فيه بيع الممنوعات، وتجد فيه العاملة غير النظامية مأوى لها، كما لا يخفي سكان الحي تخوفهم من انتشار السرقات والمشكلات من اعتداءات ومشاجرات يومية، حتى أن عددا منهم يفضل الانتقال من الحي متى ما توافرت الكفاءة المالية للعيش بعيدا عن «الغالة» الذي تطارده حكايا الجريمة.
ويعاني سكان حي الفيصلية منذ أعوام طويلة من مضايقات لأسرهم وأطفالهم من الجرائم والتصرفات المخالفة التي حولت الحي بؤرة ينشط بها كل مخالف في بيع الخمور «محلية الصنع» والحشيش، كما شكلت المستودعات المنتشرة في الحي عبئا إضافيا رغم وجود أوامر عدة بإزالتها وانتقالها إلى خارج التجمعات السكانية في الحي.
بائعون من «وراء جدر»
عدسة «عكاظ» وقفت ميدانيا على حي الغالة (الفيصلية) في وضح النهار لرصد حياة سكان الحي الذين يعتبرونه مغتصبا من المجرمين ومخالفي نظام الإقامة، وبدت الشوارع الرئيسية مليئة بالمحلات التجارية الصغيرة والتي يختبئ بائعوها خلف سياجات حديدية، وكأنهم يخشون من أمزجة بعض المارة.
وعزا عدد من الباعة في المحلات «المحصنة» وضع السياج الحديدي والبيع من خلفه إلى ما يعتبرونه بـ«كثرة جرائم السرقة داخل الحي»، كما تضم جنبات الطرق الرئيسية في الحي محلات لبيع الجراك والمعسل، ما يجعل الأهالي في حيرة من وجودها رغم أن الأنظمة تنص على نقل محلات التبغ إلى خارج عمران المدينة.
السوق الحرة
ورصدت «عكاظ» عددا من المواقع التي ينشط فيها مروجو الممنوعات بأسماء حركية، وكان شارع ذو مدخل واحد يعرف بين المروجين بـ«السوق الحرة» أول المواقع المشبوهة التي تتم فيها عمليات البيع والشراء، وتنتشر في الشارع الضيق مركبات متعطلة وبيوت متهالكة وأخرى مهجورة محاذية له.
وفي الشارع سيئ السمعة، يقف شبان تبدو هيئتهم «رثة»، يقدمون المسكر (محلي الصناعة) إلى السيارات في وضح النهار، ولا تستغرق عملية البيع والشراء سوى 60 ثانية ويوصل المروجون السموم إلى المشترين الذين ينتظرونهم في مركباتهم.
وأوضح أحد المروجين في محادثة في الطريق مع «عكاظ» أن مبلغ 20 ريالا كفيل بأن يحصل به الباحث عن المسكر «العرق» على كمية علبة مشروب غازي لا يتجاوز الـ355 مليلترا.
كما تجلس مسنات داخل أحد أسوار المنازل الشعبية ويبدو أنهن مجهولات الهوية، في أحد الأحواش ويبعن مادة القات المحظورة، وبحسب السكان فإن مالك المنزل يأخذ إيجارا من تلك البائعات نظير استخدامهن لسور منزله، وبات موقع بائعات القات شائعا بين السكان وقاصدي المادة المحظورة في الرياض.
وكشف عدد من سكان الحي (اشترطوا عدم كشف أسمائهم) لـ«عكاظ» الأسماء الحركية لأبرز المروجين داخل حي الغالة (الصوفي، جومارو، الكبدي، البده، السك، أبو أحمد، الدهنون، الندم، الغلام، جحتره)، ويعمد المروجون على التخفي عن الأنظار والتحرك بصحبة كلاب بوليسية لغرض ترهيب الآخرين.
الاستيلاء على أراض حكومية
شهادة سكان الحي تحمل في طياتها مخاوف كبيرة، حتى أن من تحدث إلى «عكاظ» أشار إلى أن السرقات ليست حكرا على المحلات التجارية في الحي، بل تمتد إلى داخل «الغالة»، وترصد عين الزائر إلى داخل الحي استيلاء وافدين على أراض حكومية قبل أن يحولوها إلى «أحواش بدائية» ليسكنوا فيها، فيما يستمدون الطاقة والمياه في «أحواشهم» من خطوط إمداد الخدمات العامة، وعمدت عمالة على تمديد الكهرباء من خلال التمديدات الأرضية في الإجازة الأسبوعية، وبلغت تكلفة عملية إيصال التيار للمنازل العشوائية بحسب السوق السوداء إلى 8000 ريال.
تشليح
ولا تقف الدهشة عند البناء العشوائي داخل الأراض الحكومية، بل تمتد إلى أحواش ضخمة خصصت لبيع قطع السيارات المستخدمة (تشليح)، وينشط في المهمة وافدون يعتقد سكان الحي أنهم من العمالة غير النظامية، كما تجري عملية بيع القطع وشرائها بمعزل عن الرقابة الرسمية. ويبدو أن العشوائية التي تمددت في الحي شملت تأجير أحواش مهترئة كقاعات للأفراح، في وقت تفتقر تلك «القاعات المفترضة» لأبسط وسائل السلامة وتتكون أغلبها من صفائح حديدة ومدخل واحد، ما يجعل تخوف الأهالي من وقوع كوارث شبيهة بالتي وقعت في أحد الزواجات في مدينة بقيق (شرق البلاد) حاضرا في أذهانهم.
تباين تركيبته السكانية وتردي الحالة الاقتصادية يعزلان الحي!
تباين التركيبة السكانية وتردي الحالة الاقتصادية عنصران يساهمان في عزل حي الفيصلية (الغالة) وفق ما يراه الباحث الأكاديمي المتخصص في القضايا الاجتماعية خالد الدوس.
وأوضح الدوس لـ«عكاظ» أن الحي يشهد ارتفاعاً في نسب الفقر والبطالة والأمية، فضلاً عن تنوع الخلفيات الثقافية لسكانيه، مضيفاً «يفتقد الحي أيضاً للمتطلبات الأساسية لتوفير الحياة المستقرة والآمنة، لاسيما أن المستودعات والمخازن التجارية ومواقع السكراب تحيط به من كل مكان».
وقال الدوس إن الحي يعاني من مشكلات تردي البيئة الفيزيقية (المادية) فضلاً عن سوء البيئة الاجتماعية (المكانية) التي باتت مناخاً ملائماً لانتشار الجريمة ومظاهرها بسبب آفة البطالة والفقر والأمية وتنوع الخلفيات الثقافية من جنسيات مختلفة تقيم بطريقة غير مشروعة.
وأضاف: «إلى جانب ذلك توجد أسر تحمل الهوية الوطنية تعاني من ضعف في دخلها الاقتصادي، ومن أمراض اجتماعية (عنوسة وطلاق وغيرها)، تؤثر على بنائها الأسري واستقراره، خصوصا أن الحي أصبح مكاناً جاذبا لمخالفي نظام الإقامة والعمل مما يتوافدون إليه وبمعدلات عالية».
ويرى أن معطيات الحي جعلت سكان الحي يشعرون بتشكيل الوافدين المخالفين خطراً لبنائهم الاجتماعي، ومصدراً للمشكلات والمثالب الأمنية، مشيراً إلى أن بيئة الحي غير ملائمة من جميع النواحي «إذ يفتقد الحي المنعزل للنظافة، والشوارع تعاني من سوء الإنارة وتسريبات مياه الصرف الصحي والعشوائية فضلاً عن وجود بعض الورش والمستودعات المهجورة والقائمة ومواقع السكراب الموجودة داخل الحي، إلى جانب ضعف الرقابة البلدية (صحيا) على المطاعم وبوفيهات الوجبات السريعة، ما ساهم في ارتفاع مشكلات التلوث الغذائي وحالات التسمم، وظهور بعض الأمراض».
وأكد وصم حي الغالة بـ«الأحياء المحتضنة للجريمة» نظراً لخصائصه الديموغرافية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، عازياً الأمر إلى عشوائية التخطيط وتركيبته السكانية والاجتماعية وسوء الأحوال الاقتصادية لمعظم ساكنيه، ما جعل منه بيئة جاذبة للسكان ذوي الدخل المحدود سواء من المواطنين المحليين أو الأجانب المخالفين لنظام الإقامة.
ولفت إلى أن إعادة تأهيل الحي بيئيا وتنمويا وإخراجه من عزلته عبر الاهتمام بالخدمات البلدية والتعليمية والصحية وتكثيف الحملات الأمنية وتصحيح أوضاع المخالفين لنظام الإقامة وتنظيم حملات توعوية وبرامج تثقيفية لسكان الحي والوقوف على حاجاتهم خاصة، كفيلة بمعالجة مشكلات الحي وتحقيق الأمن والاستقرار فيه.
تحسين بيئة الحي.. وعود تجاوزت الـ28 عاماً
رصدت «عكاظ» أوامر لعدد من الجهات المعنية لمعالجة وتحسين بيئة الحي قبل 28 عاماً، بيد أن الأوامر التي خرجت ضمن إطار مخرجات لجنة زارت الحي ووقفت على وضعه قبل قرابة ثلاثة عقود، لم تنفذ بحسب الأهالي. ومن ضمن توصيات اللجنة نقل جميع مستودعات الخردة الموجودة بالحي إلى الأماكن المخصصة لذلك، وتطبيق نظام مزاولة مهنة جمع الخردة في الحي، إضافة إلى إنشاء وحدة اجتماعية متكاملة مزودة بالمختصين الأكفاء لدراسة أحوال ومشكلات السكان ووضع الحلول المناسبة لها، وتهيئة الأرض المناسبة لإنشاء ساحة شعبية لخدمة أبناء الحي، وتوفير جميع الخدمات الترفيهية والملاعب.
ونفذت «عكاظ» قبل ثمانية أعوام جولة ميدانية لرصد شكاوى أهالي الحي، ويبدو أن الشكاوى واحدة لم تتغير منذ ذلك الحين، رغم كل وعود الحل التي يقدمها مسؤولو الأمانة لسكان الحي، ونُشرت جولة الصحيفة على «حلقتين» متتاليتين، وتطرقت الجولة إلى المروّجين وما يشكلونه من خطر.
.. والأهالي متذمرين: قدمنا شكوى إلى الإمارة والأمانة
يبدي سكان حي الفيصلية (الغالة) في الرياض انزعاجهم مما آلت إليه طرقاتهم وأزقتهم الضيقة، فيما يظهر في أحاديثهم مخاوف ترجمها الأهالي في مبالغاتهم حول عدد الجرائم وانتشار المجرمين، فالأشرار -بحسب الأهالي- موجودون في الطرقات ليلاً وصباحاً.
ويرجع عدد من الأهالي (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) انتشار الجريمة في الحي إلى أكثر من 30 عاماً، محملين جهات حكومية معنية بتطوير الحي ما آلت إليه الأمور، «لا يتفاعلون مع البلاغات المقدمة، والفوضى في البناء والبيع، والطرقات، باتت من معالم الحي». وألقت شكاوى سكان الحي ظلالها على تجاوزات يرونها الأهالي «كارثية»، مشيرين إلى أن الحي شهد تكاثرا في أعداد العمال، نظراً لكثرة أعداد المستودعات الكبيرة المحيطة بالحي، «ما تسبب بعزلنا عن بقية الأحياء السكنية».
ويعرج السكان على لجان شكلتها الإمارة قبل أعوام مكونة من عدة جهات حكومية لمعالجة مشكلات الحي، وخرجت اللجان بضرورة إزالة المستودعات، بيد أن الأهالي يؤكدون عدم وجود تحركات رسمية في هذا الخصوص.
ويرى سكان الحي أن أحد الأسباب لكثرة الجرائم بالحي تعود إلى توافد أصحاب السوابق الإجرامية إلى الحي مستغلين عشوائيته، موضحين أن ناشري الجريمة أغلبهم وافدون مخالفون لنظام الإقامة، ولهم سوابق. ويشير عدد من السكان إلى تقديم شكوى إلى إمارة الرياض مطلع العام الجديد، وأبدى أمير الرياض تفاعلاً مع السكان، واجتمع بمقدم الشكوى، لافتاً إلى إيجابية الأمير في الاستماع إلى المشكلة وإبدائه رغبة في وضع حل للمشكلات القائمة في الحي.
وتقدم سكان الحي بشكوى إلى أمين أمانة الرياض في شهر صفر الماضي، واجتمعوا بالأمين، وشرحوا خطورة الأحواش المخالفة، مطالبينه بتطبيق أمر إزالة الأحواش إلى جانب إخراج محلات الشيشة والجراك والمعسل الموجودة داخل الحي، نظراً لكون وجودها مخالفة للأنظمة.
يبدو أن معضلة حي الفيصلية (شرق الرياض) والمعروف شعبيا بـ«الغالة» لا تزال تراوح مكانها، فرغم كل الخطوات العلاجية التي اتخذتها الجهات المعنية لتصحيح مسار الحي، إلا أن الجريمة وبيع الممنوعات لا تزال في أزقة الحي العشوائي، وباحاته تحت شعاع الشمس وأمام مرأى العابرين وقاطني الحي.
«حي الممنوعات» كما يسميه سكان «الغالة»، يزدهر فيه بيع الممنوعات، وتجد فيه العاملة غير النظامية مأوى لها، كما لا يخفي سكان الحي تخوفهم من انتشار السرقات والمشكلات من اعتداءات ومشاجرات يومية، حتى أن عددا منهم يفضل الانتقال من الحي متى ما توافرت الكفاءة المالية للعيش بعيدا عن «الغالة» الذي تطارده حكايا الجريمة.
ويعاني سكان حي الفيصلية منذ أعوام طويلة من مضايقات لأسرهم وأطفالهم من الجرائم والتصرفات المخالفة التي حولت الحي بؤرة ينشط بها كل مخالف في بيع الخمور «محلية الصنع» والحشيش، كما شكلت المستودعات المنتشرة في الحي عبئا إضافيا رغم وجود أوامر عدة بإزالتها وانتقالها إلى خارج التجمعات السكانية في الحي.
بائعون من «وراء جدر»
عدسة «عكاظ» وقفت ميدانيا على حي الغالة (الفيصلية) في وضح النهار لرصد حياة سكان الحي الذين يعتبرونه مغتصبا من المجرمين ومخالفي نظام الإقامة، وبدت الشوارع الرئيسية مليئة بالمحلات التجارية الصغيرة والتي يختبئ بائعوها خلف سياجات حديدية، وكأنهم يخشون من أمزجة بعض المارة.
وعزا عدد من الباعة في المحلات «المحصنة» وضع السياج الحديدي والبيع من خلفه إلى ما يعتبرونه بـ«كثرة جرائم السرقة داخل الحي»، كما تضم جنبات الطرق الرئيسية في الحي محلات لبيع الجراك والمعسل، ما يجعل الأهالي في حيرة من وجودها رغم أن الأنظمة تنص على نقل محلات التبغ إلى خارج عمران المدينة.
السوق الحرة
ورصدت «عكاظ» عددا من المواقع التي ينشط فيها مروجو الممنوعات بأسماء حركية، وكان شارع ذو مدخل واحد يعرف بين المروجين بـ«السوق الحرة» أول المواقع المشبوهة التي تتم فيها عمليات البيع والشراء، وتنتشر في الشارع الضيق مركبات متعطلة وبيوت متهالكة وأخرى مهجورة محاذية له.
وفي الشارع سيئ السمعة، يقف شبان تبدو هيئتهم «رثة»، يقدمون المسكر (محلي الصناعة) إلى السيارات في وضح النهار، ولا تستغرق عملية البيع والشراء سوى 60 ثانية ويوصل المروجون السموم إلى المشترين الذين ينتظرونهم في مركباتهم.
وأوضح أحد المروجين في محادثة في الطريق مع «عكاظ» أن مبلغ 20 ريالا كفيل بأن يحصل به الباحث عن المسكر «العرق» على كمية علبة مشروب غازي لا يتجاوز الـ355 مليلترا.
كما تجلس مسنات داخل أحد أسوار المنازل الشعبية ويبدو أنهن مجهولات الهوية، في أحد الأحواش ويبعن مادة القات المحظورة، وبحسب السكان فإن مالك المنزل يأخذ إيجارا من تلك البائعات نظير استخدامهن لسور منزله، وبات موقع بائعات القات شائعا بين السكان وقاصدي المادة المحظورة في الرياض.
وكشف عدد من سكان الحي (اشترطوا عدم كشف أسمائهم) لـ«عكاظ» الأسماء الحركية لأبرز المروجين داخل حي الغالة (الصوفي، جومارو، الكبدي، البده، السك، أبو أحمد، الدهنون، الندم، الغلام، جحتره)، ويعمد المروجون على التخفي عن الأنظار والتحرك بصحبة كلاب بوليسية لغرض ترهيب الآخرين.
الاستيلاء على أراض حكومية
شهادة سكان الحي تحمل في طياتها مخاوف كبيرة، حتى أن من تحدث إلى «عكاظ» أشار إلى أن السرقات ليست حكرا على المحلات التجارية في الحي، بل تمتد إلى داخل «الغالة»، وترصد عين الزائر إلى داخل الحي استيلاء وافدين على أراض حكومية قبل أن يحولوها إلى «أحواش بدائية» ليسكنوا فيها، فيما يستمدون الطاقة والمياه في «أحواشهم» من خطوط إمداد الخدمات العامة، وعمدت عمالة على تمديد الكهرباء من خلال التمديدات الأرضية في الإجازة الأسبوعية، وبلغت تكلفة عملية إيصال التيار للمنازل العشوائية بحسب السوق السوداء إلى 8000 ريال.
تشليح
ولا تقف الدهشة عند البناء العشوائي داخل الأراض الحكومية، بل تمتد إلى أحواش ضخمة خصصت لبيع قطع السيارات المستخدمة (تشليح)، وينشط في المهمة وافدون يعتقد سكان الحي أنهم من العمالة غير النظامية، كما تجري عملية بيع القطع وشرائها بمعزل عن الرقابة الرسمية. ويبدو أن العشوائية التي تمددت في الحي شملت تأجير أحواش مهترئة كقاعات للأفراح، في وقت تفتقر تلك «القاعات المفترضة» لأبسط وسائل السلامة وتتكون أغلبها من صفائح حديدة ومدخل واحد، ما يجعل تخوف الأهالي من وقوع كوارث شبيهة بالتي وقعت في أحد الزواجات في مدينة بقيق (شرق البلاد) حاضرا في أذهانهم.
تباين تركيبته السكانية وتردي الحالة الاقتصادية يعزلان الحي!
تباين التركيبة السكانية وتردي الحالة الاقتصادية عنصران يساهمان في عزل حي الفيصلية (الغالة) وفق ما يراه الباحث الأكاديمي المتخصص في القضايا الاجتماعية خالد الدوس.
وأوضح الدوس لـ«عكاظ» أن الحي يشهد ارتفاعاً في نسب الفقر والبطالة والأمية، فضلاً عن تنوع الخلفيات الثقافية لسكانيه، مضيفاً «يفتقد الحي أيضاً للمتطلبات الأساسية لتوفير الحياة المستقرة والآمنة، لاسيما أن المستودعات والمخازن التجارية ومواقع السكراب تحيط به من كل مكان».
وقال الدوس إن الحي يعاني من مشكلات تردي البيئة الفيزيقية (المادية) فضلاً عن سوء البيئة الاجتماعية (المكانية) التي باتت مناخاً ملائماً لانتشار الجريمة ومظاهرها بسبب آفة البطالة والفقر والأمية وتنوع الخلفيات الثقافية من جنسيات مختلفة تقيم بطريقة غير مشروعة.
وأضاف: «إلى جانب ذلك توجد أسر تحمل الهوية الوطنية تعاني من ضعف في دخلها الاقتصادي، ومن أمراض اجتماعية (عنوسة وطلاق وغيرها)، تؤثر على بنائها الأسري واستقراره، خصوصا أن الحي أصبح مكاناً جاذبا لمخالفي نظام الإقامة والعمل مما يتوافدون إليه وبمعدلات عالية».
ويرى أن معطيات الحي جعلت سكان الحي يشعرون بتشكيل الوافدين المخالفين خطراً لبنائهم الاجتماعي، ومصدراً للمشكلات والمثالب الأمنية، مشيراً إلى أن بيئة الحي غير ملائمة من جميع النواحي «إذ يفتقد الحي المنعزل للنظافة، والشوارع تعاني من سوء الإنارة وتسريبات مياه الصرف الصحي والعشوائية فضلاً عن وجود بعض الورش والمستودعات المهجورة والقائمة ومواقع السكراب الموجودة داخل الحي، إلى جانب ضعف الرقابة البلدية (صحيا) على المطاعم وبوفيهات الوجبات السريعة، ما ساهم في ارتفاع مشكلات التلوث الغذائي وحالات التسمم، وظهور بعض الأمراض».
وأكد وصم حي الغالة بـ«الأحياء المحتضنة للجريمة» نظراً لخصائصه الديموغرافية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، عازياً الأمر إلى عشوائية التخطيط وتركيبته السكانية والاجتماعية وسوء الأحوال الاقتصادية لمعظم ساكنيه، ما جعل منه بيئة جاذبة للسكان ذوي الدخل المحدود سواء من المواطنين المحليين أو الأجانب المخالفين لنظام الإقامة.
ولفت إلى أن إعادة تأهيل الحي بيئيا وتنمويا وإخراجه من عزلته عبر الاهتمام بالخدمات البلدية والتعليمية والصحية وتكثيف الحملات الأمنية وتصحيح أوضاع المخالفين لنظام الإقامة وتنظيم حملات توعوية وبرامج تثقيفية لسكان الحي والوقوف على حاجاتهم خاصة، كفيلة بمعالجة مشكلات الحي وتحقيق الأمن والاستقرار فيه.
تحسين بيئة الحي.. وعود تجاوزت الـ28 عاماً
رصدت «عكاظ» أوامر لعدد من الجهات المعنية لمعالجة وتحسين بيئة الحي قبل 28 عاماً، بيد أن الأوامر التي خرجت ضمن إطار مخرجات لجنة زارت الحي ووقفت على وضعه قبل قرابة ثلاثة عقود، لم تنفذ بحسب الأهالي. ومن ضمن توصيات اللجنة نقل جميع مستودعات الخردة الموجودة بالحي إلى الأماكن المخصصة لذلك، وتطبيق نظام مزاولة مهنة جمع الخردة في الحي، إضافة إلى إنشاء وحدة اجتماعية متكاملة مزودة بالمختصين الأكفاء لدراسة أحوال ومشكلات السكان ووضع الحلول المناسبة لها، وتهيئة الأرض المناسبة لإنشاء ساحة شعبية لخدمة أبناء الحي، وتوفير جميع الخدمات الترفيهية والملاعب.
ونفذت «عكاظ» قبل ثمانية أعوام جولة ميدانية لرصد شكاوى أهالي الحي، ويبدو أن الشكاوى واحدة لم تتغير منذ ذلك الحين، رغم كل وعود الحل التي يقدمها مسؤولو الأمانة لسكان الحي، ونُشرت جولة الصحيفة على «حلقتين» متتاليتين، وتطرقت الجولة إلى المروّجين وما يشكلونه من خطر.
.. والأهالي متذمرين: قدمنا شكوى إلى الإمارة والأمانة
يبدي سكان حي الفيصلية (الغالة) في الرياض انزعاجهم مما آلت إليه طرقاتهم وأزقتهم الضيقة، فيما يظهر في أحاديثهم مخاوف ترجمها الأهالي في مبالغاتهم حول عدد الجرائم وانتشار المجرمين، فالأشرار -بحسب الأهالي- موجودون في الطرقات ليلاً وصباحاً.
ويرجع عدد من الأهالي (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) انتشار الجريمة في الحي إلى أكثر من 30 عاماً، محملين جهات حكومية معنية بتطوير الحي ما آلت إليه الأمور، «لا يتفاعلون مع البلاغات المقدمة، والفوضى في البناء والبيع، والطرقات، باتت من معالم الحي». وألقت شكاوى سكان الحي ظلالها على تجاوزات يرونها الأهالي «كارثية»، مشيرين إلى أن الحي شهد تكاثرا في أعداد العمال، نظراً لكثرة أعداد المستودعات الكبيرة المحيطة بالحي، «ما تسبب بعزلنا عن بقية الأحياء السكنية».
ويعرج السكان على لجان شكلتها الإمارة قبل أعوام مكونة من عدة جهات حكومية لمعالجة مشكلات الحي، وخرجت اللجان بضرورة إزالة المستودعات، بيد أن الأهالي يؤكدون عدم وجود تحركات رسمية في هذا الخصوص.
ويرى سكان الحي أن أحد الأسباب لكثرة الجرائم بالحي تعود إلى توافد أصحاب السوابق الإجرامية إلى الحي مستغلين عشوائيته، موضحين أن ناشري الجريمة أغلبهم وافدون مخالفون لنظام الإقامة، ولهم سوابق. ويشير عدد من السكان إلى تقديم شكوى إلى إمارة الرياض مطلع العام الجديد، وأبدى أمير الرياض تفاعلاً مع السكان، واجتمع بمقدم الشكوى، لافتاً إلى إيجابية الأمير في الاستماع إلى المشكلة وإبدائه رغبة في وضع حل للمشكلات القائمة في الحي.
وتقدم سكان الحي بشكوى إلى أمين أمانة الرياض في شهر صفر الماضي، واجتمعوا بالأمين، وشرحوا خطورة الأحواش المخالفة، مطالبينه بتطبيق أمر إزالة الأحواش إلى جانب إخراج محلات الشيشة والجراك والمعسل الموجودة داخل الحي، نظراً لكون وجودها مخالفة للأنظمة.