كتاب ومقالات

أخيرا غنت الرياض

عبده خال

قبل مساء الخميس الماضي لم يكن أحد يتوقع أن تنظم ليلة موسيقية على مسرح مدينة الرياض، كما أننا لم نكن نتوقع أن يتم إلغاء الغناء والموسيقى وتجميدها في جميع أنحاء البلد قبل ثلاثين عاما.. وبين التوقعين ينفتح ملف التشدد الذي ران على حياتنا الاجتماعية وأكسبها التيبس ودفع الكثيرين من الشباب إلى الاتجاه الخطأ حين تأسست مفاهيم مغلوطة في أذهانهم حتى لم يعد منفذ متوفر لدى الناس للترويح عن النفس، ووقف البعض ضد ممارسات اجتماعية كان لها أن تخلق التنوع الإنساني لدى المجتمع، فقد أدى التشدد إلى تحميل الحياة مركب الغلظة في كل شيء.

وبالعودة للخلف فقد كان البلد منفتحا على الغناء والموسيقى ودور السينما والمسرح وبقية القوى الناعمة التي شكلت تنوعا اجتماعيا طبيعيا، ففي تلك الفترة لم يتم تعميم الكره بل كان مجتمعا متصالحا مع نفسه متسامحا مع الاختلاف والأمزجة ومعطيا كل ذي حق حقه من العبادة ومن الترويح، فتشكلت شرائح متنوعة ومتعددة كل منها يسعى إلى الانسجام مع معطيات الحياة في تنوعها وطبيعتها.

ويمكن القول إن ريادة الفنانين السعوديين في الغناء العربي الآن لم تكن نتيجة صدفة، بل نتيجة تسابق إبداعي عربي استطاع فيه المغنون والموسيقيون السعوديون البقاء إلى الآن كنموذج للعصر الذهبي لفن الغناء، فلو ظهر الفنان الكبير محمد عبده قبل ثلاثين سنة لما تمكن بتاتا من أن يكون فنان العرب، فمعطيات ظهوره الزمني أسهمت في تمدد موهبته كونه ارتكز على فن حقيقي تمت تغذيته موسيقيا وكلمات واستماعا وتشجيعا حتى بقي فنانا يمدنا بكمية مهولة من المشاعر الراقية.

والآن ونحن نستعيد فتح مغاليق هذا المجتمع المتسامح علينا ألاّ نستتر خلف مسميات مواربة وتسمية الأشياء بمسمياتها، فما حدث في مركز الملك فهد الثقافي ليس نغمات ثقافية، بل أمسية غنائية فالاختباء خلف الأسماء المواربة كأننا نخشى من مواجهة المنع الذي غلف المجتمع منذ ثلاثين عاما.. فإما أن نفرح صراحة أو نصمت صراحة فالتلميح بالفرح يعني بقاء الحال على ما هو عليه.

والحضور الجماهيري لتلك الأمسية كان مغريا تماما لإقامة العديد من الحفلات الغنائية في جميع مدن البلاد، ولإعطاء المزيد من الأنشطة الجاذبة لجميع أطياف المجتمع؛ لأن هناك تعطشا فنيا. أعجبتني تغريدة للفنان محمد العثيم: «الحمد لله غنت الرياض أمس وطربت، واليوم صلى الناس الجمعة كالمعتاد لم يضل أحد سواء السبيل».

اتركوا الناس يختارون طرق حياتهم، وليس منا أحد ملزم بإدخال الناس الجنة أو النار.