كتاب ومقالات

تعزية أهل البدع

مشراق

عبدالرحمن اللاحم

(الأخلاق) هي الرابط المشترك بين شعوب هذا العالم على اختلاف لغاتهم وأديانهم وأجناسهم، فالابتسامة في وجوه الآخرين وإلقاء التحية ومساعدة الضعيف هي سلوك؛ الجميع يتفق على أنه سلوك أخلاقي يدل على رقي صاحبه ولا علاقة له بديانة الشخص، لأنها قيمة أخلاقية فطرية. وجاءت الأديان بما فيها الإسلام ليؤكد عليها ويعززها لأنه جاء ليتوافق مع فِطر الناس، وكل ما رأيت شعباً ابتعد عن السلوك الأخلاقي الفطري فاعلم أنه بدأ يبتعد عن دينه قبل أن يتحلل من منظومته الأخلاقية.

لم أكن أتصور أن يأتي إنسان ويزعم زورا وبهتاناً على الشريعة بأن الإسلام يحرم أن تعزي شخصاً على مصيبة ألمت به أو تهنيه في مناسبة لأنه يختلف معك أو لا يشبهك!! وينظّر لذلك، في انحدار مهين لأبسط القواعد الإنسانية وانحدار في قاعٍ سحيق من التخلف، ولك أن تتصور أن إنساناً يزجرك على إنقاذ إنسان مثلاً أو مساعدة ضعيف طاعنٍ في السن لأن مذهبه لا يروق له أو لأن له رأياً يختلف معه فيه، ولذا يريد منك أن تتركه لمصيره، وزيادة على الانغماس في ذلك الوحل من التوحش؛ يدعي أنه دينٌ يتعبد الله به ويسوق لذلك أقولاً لأناس يرقدون في المقابر منذ قرون، ويستل أقوالهم ويحيي معاركهم مع خصومهم والتي لا علاقة لنا بها لأنها دفنت مع رموزها وقادتها، وينقل لنا مصطلحات ولدت في زمن غير زمننا مثل (أهل الأهواء) و(أهل البدع)، ويسقطونها على كل من اختلف معهم حتى في مسائل سياسية لا علاقة لها بالدين. والغريب أن دعاة الفرقة والتشرذم؛ لا يستشهدون بكتاب ولا بسنة وإنما بأقوال علماء ماتوا منذ مئات السنين لم يتعبدنا الله بأقوالهم مهما تورمت أسماؤهم وحاول البعض تقديس نصوصهم، لأن الله لم يتعبدنا إلا بكلامه وكلام نبيه عليه الصلاة والسلام، ويريدون أن ينسفوا بأقوال أولئك العلماء مقاصد شرعية وقيما أخلاقية تربى عليها المجتمع قبل أن يسطو عليه الجهل والتخلف من دعاة قرأوا القرآن بألسنتهم ولم تعيه قلوبهم.