مشروعات الطاقة المتجددة... هل انتهى التأخير وابتدأ المشوار؟
رؤية
الأربعاء / 11 / جمادى الأولى / 1438 هـ الأربعاء 08 فبراير 2017 01:22
محمد سالم سرور الصبان
منذ زمن طويل وكثير منا ينادي بضرورة البدء بإنشاء مشروعات الطاقة المتجددة في المملكة؛ فهي تعمل على تعدد مصادر الطاقة لدينا، وتعالج مسألة نقص الاحتياطيات من الغاز المتوفر لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وتوجيهه لاستخدامات الصناعات المحلية، لَقِيمًا أساسيًّا لها، إضافة إلى عملها على الاستغناء عن النفط المستخدم محليا في هذين القطاعين وتوجيهه للتصدير تحقيقا لعائدات أكبر من جراء بيعه عالميًّا.
وقد صدر أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ عام (1431هـ) بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والمتجددة، لكنَّها تاهت بين مختلف الجهات الحكومية التي تنازعت مسألة تسكين مصادر الطاقة المتجددة هذه لديها، تاهت بين أروقة وزارة البترول، وقتها، وشركة أرامكو، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وغابت مسودة اللوائح والقواعد التنظيمية التي تم إعدادها عن الأنظار لفترة طويلة، بالرغم من متابعة مدينة الملك عبد الله للمسودة فيقفون عند حقيقة أنَّها لا زالت تحت دراسة الجهات الحكومية المختلفة.
ولم يتمَّ البدء طوال السنوات السبع الماضية في تنفيذ أيَّ مشروع سوى ما قام باجتهاد منفرد من قِبَل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وهو مشروع صغير وحيد «لا يُسمن ولا يُغني من جوع»، قياسا بمتطلبات المملكة من الطاقة المتجددة. وباختصار نجد مساوئ البيروقراطية قد تجسدت في هذا الأمر، مُلَخِّصةً طبيعة أداء الجهاز الحكومي في التعامل مع جميع مشاريع التنمية، بما فيها المشروعات ذات الأهمية البالغة.
وبالرغم من التحرك الأخير من قِبَلِ وزارة الطاقة لتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، بدءًا من أبريل القادم (2017م)، والوعود ببدء التعاقد بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لتنفيذ مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج (700 ميغاوات) في كلٍّ من الجوف وتبوك، في إطار برنامج يستهدف (9,5 جيجاوات) بحلول عام (2023م)، إلاَّ أنَّ الكلَّ يتعامل بحذر نحو هذا الإعلان؛ قياسا على تجارب سابقة. وفي الوقت نفسه يحدونا الأمل أنْ يتحقق ذلك بأسرع ما يمكن.
ويعزو البعض التحمسَ الأخير إلى الرغبة في تنفيذ التزاماتنا التي قطعناها على أنفسنا أمام المجتمع الدولي في اتفاق باريس للمناخ العام الماضي. وعلى الرُّغم من ذلك فلابدّ أنْ يكون هدف المملكة من وراء إنشاء مشروعات الطاقة المتجددة اقتصاديّا بحتا ينطلق من حاجتنا إلى موارد طاقة إضافية، لاستغلال المتواجد منها في قطاعات تحقق عائدات أفضل، وتعمل على خفض تكلفة الوحدات المُنْتَجَة من الكهرباء والمياه، مما يساعد على تخفيف العبء الاقتصادي عن المواطن من جراء هذا التوسع في مصادر الطاقة المتوفرة لدينا محليّا.
وقد تعيد أرامكو النظر في مساهمتها في صندوق المناخ البالغة 100 مليون دولار، لتقومَ بضخِّها في أبحاث ومشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحقيق الفائدة المباشرة وتوفير تمويل نحن في أمس الحاجة إليه، في هذا الوقت. وقد يقول قائل طبقا للمثل المكي الشهير«جُحا أولى بلحم أرامكو». فهل يُعقل أن نقوم بتمويل مشروعات دولية في مجال الطاقة المتجددة ــ سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ في الوقت الذي لا زلنا فيه عاجزين عن تمويل وإنشاء مشروعاتنا من الطاقات المتجددة محليّا، خاصة إذا عرفنا أنَّ المشروعات الدولية التي سنساهم في تمويلها ستقام في دول تحاول الاستغناء عن النفط، واستبداله بمصادر الطاقة الأخرى؟
وإضافة إلى ما سبقَ فإنَّ مساهمة أرامكو في إقامة هذه المشروعات في المملكة يُحتسب ضمن الوفاء بالتزامات المملكة الدولية، بِما أنَّ الهدف المشترك هو التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة.
إنَّ أية استثمارات محلية حكومية أو شبه حكومية في مجال الطاقة المتجددة ستكون لها أهميتها ليس فقط من الناحية المالية، بل أيضا من ناحية إعطائها نوعا من الضمان للاستثمارات الخاصة؛ فَهي حتما تصبُّ في صالح المستثمر السعودي المعنيِّ بتنفيذ مختلف الشراكات المحلية والموفِّر لهذه الخدمة.
أمَّا فيما يتعلق بالطاقة النووية فواضح أنَّ اندفاعنا نحوها أكبر بكثير من اندفاعنا نحو الطاقة المتجددة؛ على الرغم من عدم استعدادنا من جميع الأوجه لقيامها. صحيح أنَّ القرار السياسي قد تم اتخاذه، لكنْ هل نحن جاهزون لمواجهة أيَّة حوادث إشعاعات نووية؟ أو لكيفية التعامل مع النفايات النووية التي تَحارُ الدول الكبرى في التعامل معها؛ فتقومُ بتصديرها إلى دولنا النامية.
والسؤال الأهم حتما هو: هل لدينا الكوادر السعودية القادرة على التعامل وتشغيل المفاعلات النووية في بلادنا؟ وأحمد الله أنَّ كلَّ ما تمَّ في مجال مشروعات الطاقة النووية إلى الآن، إنَّما هو توقيع مذكرات تفاهم ليس إلا، وأتخوَّف من اندفاعنا نحو خطوات أكبر من هذه دون الوفاء بالمتطلبات الضرورية والتركيز على مثل المشروعات النووية هذه التي أخذت الدول الأخرى في التَّخلص منها. إذا ركزنا على الطاقة المتجددة، فسنردد بارتياح «وابتدأ المشوار»
* مستشار اقتصادي ونفطي
وقد صدر أمر الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ عام (1431هـ) بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والمتجددة، لكنَّها تاهت بين مختلف الجهات الحكومية التي تنازعت مسألة تسكين مصادر الطاقة المتجددة هذه لديها، تاهت بين أروقة وزارة البترول، وقتها، وشركة أرامكو، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وغابت مسودة اللوائح والقواعد التنظيمية التي تم إعدادها عن الأنظار لفترة طويلة، بالرغم من متابعة مدينة الملك عبد الله للمسودة فيقفون عند حقيقة أنَّها لا زالت تحت دراسة الجهات الحكومية المختلفة.
ولم يتمَّ البدء طوال السنوات السبع الماضية في تنفيذ أيَّ مشروع سوى ما قام باجتهاد منفرد من قِبَل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وهو مشروع صغير وحيد «لا يُسمن ولا يُغني من جوع»، قياسا بمتطلبات المملكة من الطاقة المتجددة. وباختصار نجد مساوئ البيروقراطية قد تجسدت في هذا الأمر، مُلَخِّصةً طبيعة أداء الجهاز الحكومي في التعامل مع جميع مشاريع التنمية، بما فيها المشروعات ذات الأهمية البالغة.
وبالرغم من التحرك الأخير من قِبَلِ وزارة الطاقة لتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، بدءًا من أبريل القادم (2017م)، والوعود ببدء التعاقد بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لتنفيذ مشروعات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج (700 ميغاوات) في كلٍّ من الجوف وتبوك، في إطار برنامج يستهدف (9,5 جيجاوات) بحلول عام (2023م)، إلاَّ أنَّ الكلَّ يتعامل بحذر نحو هذا الإعلان؛ قياسا على تجارب سابقة. وفي الوقت نفسه يحدونا الأمل أنْ يتحقق ذلك بأسرع ما يمكن.
ويعزو البعض التحمسَ الأخير إلى الرغبة في تنفيذ التزاماتنا التي قطعناها على أنفسنا أمام المجتمع الدولي في اتفاق باريس للمناخ العام الماضي. وعلى الرُّغم من ذلك فلابدّ أنْ يكون هدف المملكة من وراء إنشاء مشروعات الطاقة المتجددة اقتصاديّا بحتا ينطلق من حاجتنا إلى موارد طاقة إضافية، لاستغلال المتواجد منها في قطاعات تحقق عائدات أفضل، وتعمل على خفض تكلفة الوحدات المُنْتَجَة من الكهرباء والمياه، مما يساعد على تخفيف العبء الاقتصادي عن المواطن من جراء هذا التوسع في مصادر الطاقة المتوفرة لدينا محليّا.
وقد تعيد أرامكو النظر في مساهمتها في صندوق المناخ البالغة 100 مليون دولار، لتقومَ بضخِّها في أبحاث ومشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتحقيق الفائدة المباشرة وتوفير تمويل نحن في أمس الحاجة إليه، في هذا الوقت. وقد يقول قائل طبقا للمثل المكي الشهير«جُحا أولى بلحم أرامكو». فهل يُعقل أن نقوم بتمويل مشروعات دولية في مجال الطاقة المتجددة ــ سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ في الوقت الذي لا زلنا فيه عاجزين عن تمويل وإنشاء مشروعاتنا من الطاقات المتجددة محليّا، خاصة إذا عرفنا أنَّ المشروعات الدولية التي سنساهم في تمويلها ستقام في دول تحاول الاستغناء عن النفط، واستبداله بمصادر الطاقة الأخرى؟
وإضافة إلى ما سبقَ فإنَّ مساهمة أرامكو في إقامة هذه المشروعات في المملكة يُحتسب ضمن الوفاء بالتزامات المملكة الدولية، بِما أنَّ الهدف المشترك هو التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة.
إنَّ أية استثمارات محلية حكومية أو شبه حكومية في مجال الطاقة المتجددة ستكون لها أهميتها ليس فقط من الناحية المالية، بل أيضا من ناحية إعطائها نوعا من الضمان للاستثمارات الخاصة؛ فَهي حتما تصبُّ في صالح المستثمر السعودي المعنيِّ بتنفيذ مختلف الشراكات المحلية والموفِّر لهذه الخدمة.
أمَّا فيما يتعلق بالطاقة النووية فواضح أنَّ اندفاعنا نحوها أكبر بكثير من اندفاعنا نحو الطاقة المتجددة؛ على الرغم من عدم استعدادنا من جميع الأوجه لقيامها. صحيح أنَّ القرار السياسي قد تم اتخاذه، لكنْ هل نحن جاهزون لمواجهة أيَّة حوادث إشعاعات نووية؟ أو لكيفية التعامل مع النفايات النووية التي تَحارُ الدول الكبرى في التعامل معها؛ فتقومُ بتصديرها إلى دولنا النامية.
والسؤال الأهم حتما هو: هل لدينا الكوادر السعودية القادرة على التعامل وتشغيل المفاعلات النووية في بلادنا؟ وأحمد الله أنَّ كلَّ ما تمَّ في مجال مشروعات الطاقة النووية إلى الآن، إنَّما هو توقيع مذكرات تفاهم ليس إلا، وأتخوَّف من اندفاعنا نحو خطوات أكبر من هذه دون الوفاء بالمتطلبات الضرورية والتركيز على مثل المشروعات النووية هذه التي أخذت الدول الأخرى في التَّخلص منها. إذا ركزنا على الطاقة المتجددة، فسنردد بارتياح «وابتدأ المشوار»
* مستشار اقتصادي ونفطي