كتاب ومقالات

الإغواء بالكلمات

أنمار مطاوع

الإقناع؛ أو ما يسمى بالفن الأسود، له الكثير من الأدوات والوسائل والأساليب التي تعمل كالعصى السحرية. أحد أهم هذه الأدوات -كما يشير علماء الإقناع-: (الكلمات). إذ توجد كلمات محددة -في كل لغات العالم- لها وقع قوي ومؤثر على النفس البشرية، فهي تخاطب الطبيعة الإنسانية؛ بكل رغباتها وميولاتها وأهوائها.. تسمى: (الكلمات الإيجابية)؛ سواء مكتوبة أم منطوقة. وقد تستخدم منفردة بذاتها أو ضمن تركيبة المعنى المراد التعبير عنه. على سبيل المثال، جملة: (أعطيك سيارتي بـ 30 ألف ريال) وجملة: (أريد 30 ألفا في السيارة). رغم أن المعنى واحد، إلا أن تأثير الجملة الأولى أقوى وأعمق. فكلمة (أعطيك) لها وقع أكثر إيجابية من كلمة (أريد). وقد تأتي (الكلمات) مفردة مجردة؛ مثل: تخفيضات، مجانا، توفير، اقتصادي.. ولها وقع لا يقل تأثيرا عن بعض الجمل الكاملة. لهذا، لا يخلو إعلان (ناجح) من واحدة، أو أكثر، من هذه الكلمات.

رغم أن الإقناع مفهوم إيجابي دائما ولا يأتي سلبيا أبدا، إلا أن الوسائل والأدوات والأساليب المستخدمة فيه قد تُستخدم في التضليل والإغواء والتدليس أيضا.. الاختلاف فقط في القصد والنوايا.

في بادرة واعية من وزارة التجارة والاستثمار، تنبهت الوزارة إلى جانب من الحِيَل التي يستخدمها التجار لجلب الزبائن والتدليس عليهم لبيع المنتجات. فأصدرت (حماية المستهلك) ضوابط لواحدة من الكلمات التي تضعها المحلات والمعارض التجارية على واجهاتها لتجذب المتسوقين وتسرق أفئدتهم.. ثم تأكل أموالهم بالباطل؛ وهي كلمة (تخفيضات)، تلك الكلمة التي يضعها المحل على واجهته أو يعلن عنها ليجذب الزبائن، ثم يتضح بعد فوات الأوان أنها كانت أكذوبة كبيرة، وأن الزبون كان ضحية كلمة مجردة من أي مضمون.

الضوابط التي وضعتها الوزارة؛ مثل: وضع ترخيص التخفيض في مكان بارز في المعرض، وإظهار القائمة المعتمدة للأسعار.. وما إلى ذلك من ضوابط، تخفف من وطأة التحايل والتلاعب بعقول الناس وتجعل من الكلمة (تخفيض) ذات معنى حقيقي وليس تدليسا.

المرجو من الوزارة -بهذه الروح الصادقة التي تسيّرها- أن توسع من دائرة تغطيتها لتشمل كل الإعلانات الترويجية التي تضع كلمات مثل: مجانا، أو توفير، أو جديد.. وأن تضع لها ضوابط أيضا. فكثير من الشركات تضع كلمات إيجابية في إعلاناتها لتسحر بها نفوس الخلق.. وهي في الحقيقة تستخدمها فقط لتضليل المستهلك الباحث عن سلعة موفرة أو اقتصادية.. دون وجود مضمون حقيقي للكلمات.

الضوابط يجب أن تتسع لتشمل كل الكلمات التي توضع على الإعلانات؛ وليس المحلات والمعارض فقط، لنضمن للمستهلكين أن تلك الكلمات ذات مدلولات حقيقية وليست مجرد ترويج بالوهم.