كتاب ومقالات

أتراها عودة إلى الرشد؟

أفياء

عزيزة المانع

زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لعمان والكويت، بهدف تلطيف الأجواء مع الدول الخليجية والمملكة بصفة خاصة، هل هي عودة للرشد الغائب، أم إنها (حلاوة الروح) كما يقول المثل العامي؟ بمعنى أن إيران لما شعرت بالاختناق وأدركت أنها تحتضر على فراش النهاية، لم تجد بدا من التسليم بحاجتها إلى أن تبحث عن منفذ هواء نظيف ينعش صدرها المتحشرج؟

ما تقوم به إيران الآن، كان من المفترض أن تفعله منذ زمن طويل، فالحكمة تقتضي منها أن تحرص دائما على الاحتفاظ بحسن العلاقة مع جيرانها، الذين تتشارك معهم ليس في المنطقة الجغرافية وحدها، وإنما في الدين والتاريخ والحضارة، لكنها بدلا من ذلك انساقت مع أوهامها الطامعة في نشر هيمنتها على دول الجوار، وأخذت تحشر أنفها في شؤون المنطقة وتثير القلاقل وتزعزع الأمن والاستقرار فيها.

في العهد الترمبي، إيران وجدت نفسها مطوقة بالخطر، فمع رئيس مندفع وعنيف كترمب ليس من المستبعد أن تتخذ أمريكا مواقف قاسية تجاه إيران، بما في ذلك مهاجمتها عسكريا، وقد يصنع ذلك منها عراقا أخرى.

هذا الاحتمال المرعب، كان بالنسبة لإيران جرسا منذرا أعاد إليها الرشد الغائب وأرغمها على أن تسقط عن رأسها ما ارتكز داخله من غرور وعنجهية، وأن تنظر إلى الواقع المخيف من حولها فتسعى إلى تأمين نفسها ضد ما ينبئ به من أخطار بطلب الصلح مع جيرانها، فبادرت تدعو إلى تحسين العلاقة مع دول المنطقة.

وبعيدا عن صدق نوايا إيران أو كذبها في ما تبديه من رغبة في تصفية الجو وإزالة ما هو قائم من توتر في العلاقة مع الدول الخليجية، فإن استجابة هذه الدول لتلك الرغبة، لا يعني مطلقا التسليم بالأمن من غدرها. فالبقاء على حذر من إيران، يمثل ضرورة أمنية، لابد أن يكون موجودا في كل وقت.

لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون فتح باب الحوار معها كخطوة لحل كثير من المشكلات الناجمة عن تدخلاتها غير المشروعة في شؤون دول المنطقة.

في وقت واحد تقريبا، تزامنت زيارة الرئيس الإيراني لبعض دول الخليج، مع زيارة الرئيس التركي أردوغان.

الزيارتان كلتاهما تستهدفان تقوية العلاقة بالدول الخليجية، لكن دوافع كل منهما تختلف، فالرئيس التركي لا يزور الخليج ليحمي نفسه من ضربة خارجية تتهدده أو خطر حصار اقتصادي يقلقه، كما هو حال الرئيس الإيراني، الرئيس التركي يزور المنطقة بدافع دعم وتعزيز بعض الأهداف الموحدة التي تجمع بين بلده وبينها، فكلا الطرفين يهدف إلى حفظ الأمن والسلام والتغلب على الفوضى المنتشرة في بعض دول الجوار، وكلا الطرفين من مصلحته دعم اقتصاده عبر تعزيز تبادل الاستثمارات الاقتصادية، وكلا الطرفين في حاجة إلى التناغم السياسي في مواجهة التحديات الأمنية التي تحوم قريبا منه.