ذمة «سعودي».. لا ذمة «......»!
قصة بناء الجبيل الصناعية والسواعد الوطنية
الأحد / 29 / جمادى الأولى / 1438 هـ الاحد 26 فبراير 2017 03:16
كتب: صالح الفهيد
salehalfahid@
قبل نحو 40 عاما سافرت مع عائلتي من الرياض إلى الدمام بواسطة عدة سيارات عن طريق البر، وكان قائد السيارة التي نستقلها أنا وإخوتي الفنان الراحل سلامة العبدالله، الذي كان يعمل لدى الأمير سطام بن عبدالعزيز «رحمهما الله»، وعندما اقتربنا من الدمام، وكان الوقت ليلا، دهشت من مشهد النيران المشتعلة، فأينما يممت وجهك شاهدت ألسنة اللهب ترتفع إلى السماء بضعة أمتار من مشاعل منتظمة أحيانا كأعمدة إنارة الشوارع، وأحيانا مبعثرة كيفما اتفق.
وبفضول صحفي مبكر سألت لماذا هذه النيران؟ فقالوا: هذا الغاز المصاحب للبترول يضطرون لإحراقه بدلا من تركه يسمم الأجواء!
شعرت بحرقة على هذه الثروة المهدرة.. وقلت لنفسي لماذا لا يستفاد منه؟
ولم أدر أن هذا السؤال كان يشغل بال قادة هذه البلاد وعلى مختلف المستويات منذ الستينات الميلادية، ومن رحم هذا السؤال ولدت فكرة شركة سابك، والمشروعين الصناعييين في الجبيل وينبع، ولاحقاً مظلتهما الهيئة الملكية، ورغم أن هذه المشاريع طرحت مبكرا ومنذ عهد الملك فيصل، إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد أن أنعم الله على البلاد بوفرة مالية جراء الطفرة في أسعار النفط في السبعينات في عهد الملك خالد، وكان الملف بيد ولي العهد آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز عراب تلك الإنجازات الوطنية العظيمة، وقد أسند مهمة التخطيط والتنفيذ لهذه الأفكار إلى رجال أفذاذ من القيادات الوطنية التاريخية الذين تركوا بصماتهم على مسيرة النهضة والتنمية في السعودية، وفي المقدمة منهم غازي القصيبي وهشام ناظر ومحمد أبا الخيل وجميل الجشي وآخرون.
دور شركة بكتل
وقد زرت قبل أعوام جميل الجشي في منزله بمدينة الخبر وأجريت معه حوارا مطولا نشر في «عكاظ» على حلقات، وتحدث بالتفصيل عن تلك المرحلة بوصفه من أسندت إليه مهمة إدارة «مشروع الجبيل» الذي أصبح مدينة الجبيل الصناعية.
يقول الدكتور الجشي: «بناء على توجيهات من الملك فيصل رحمه الله تقدمت شركة بكتل بدراسة عن مجمع الجبيل الصناعي، وكان السيد ستيف بكتل يأمل أن تفوز شركته بتنفيذ مشروع أو أكثر من المشاريع الصناعية التي بدأت الدولة تفكر في تنفيذها منذ الستينات الميلادية، إذ تم تأسيس المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) لإقامة المشاريع الصناعية المعتمدة على استخدام الغاز المصاحب مصدرا للطاقة أو لقيم، والذي كانت الدولة تحرقه أو تعيد ضخه لباطن الأرض للمحافظة على الضغط في آبار النفط».
ويضيف الجشي: «وكانت بترومين قد انتهت من إنشاء شركة الأسمدة العربية السعودية (سافكو) في الدمام منتصف الستينات، وتقوم في ذات الوقت بمفاوضات مكثفة مع بعض الشركات العالمية في مجالات الصناعات الأساسية كمصاهر الألمنيوم والحديد ومصانع البتروكيماويات.. وبناء على وجود ورقة بكتل (المقترح) التي أشرفت عليها اللجنة الوزارية برئاسة وزير المالية والاقتصاد الوطني آنذاك الأمير مساعد بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، اعتقد البعض أن فكرة «مشروع الجبيل» قد جاءت من شركة «بكتل» وهذا الاعتقاد غير صحيح بدليل أن «بترومين» كانت قد قطعت شوطا طويلا مع بعض الشركات لتنفيذ عدد من المشاريع الصناعية التي استكملت مفاوضاتها في ما بعد «سابك».
ويستطرد الجشي في سرد المعلومات والحقائق التي تؤكد أن فكرة إنشاء مشروعي الجبيل وينبع الصناعيين فكرة سعودية خالصة ويقول: «أيضا كانت (بترومين) قد خصصت بعض قطع الأراضي لتلك الشركات في الأرض التي كانت الحكومة قد خصصتها لمشروع الجبيل شمال مدينة الجبيل التاريخية، والتي أقيم عليها مشروع الجبيل أو ما يعرف الآن بمدينة الجبيل الصناعية».
ويشدد الجشي على الحقيقة التي يعرفها الجميع، وهي أن فكرة تأسيس شركة سابك هي للوزير الراحل غازي القصيبي.
سواعد البناء السعودية
وبنفس الروحية التي انبثقت منها هذه الأفكار الخلاقة، نفذت القيادات والكوادر السعودية من مختلف المستويات المشاريع حتى استحالت على أرض الواقع كمنجزات وطنية عملاقة يفخر بها الوطن ويعتز بها المواطن.
ومناسبة العودة للتذكير بهذه الحقائق، هو أن جهات مشبوهة في وسائل التواصل الاجتماعي دأبت على تشويه الحقائق والترويج لمعلومات غير صحيحة في محاولة لتجريد هذا الوطن وقياداته وأبنائه من منجزاتهم الوطنية الكبيرة، بهدف زعزعة ثقة المواطن بنفسه أولا وبقيادته ثانيا، فهم يريدون من خلال ترويج هذه الأكاذيب الإيحاء بأن قيادة وأبناء هذا الوطن عاجزون عن تحقيق منجزات عملاقة كهذه، وأن أبناء المملكة لا يمكن أن ينفذوا مثل هذه المشاريع على أرقى المواصفات والجودة العالمية، وأن كل ما هو جيد وناجح في هذه البلاد من أفكار وتنفيذ الأجنبي، وكل ماهو سيئ ورديء هو من أفكار وتنفيذ المواطن السعودي.
وهذا بدا واضحا في مناسبات وحوادث كثيرة آخرها بعد الأمطار الأخيرة الغزيرة التي هطلت على بعض مدن المنطقة الشرقية، إذ نشرت صورتان متجاورتان، الأولى لمدينة الجبيل الصناعية وكتب عليها ذمة «كافر» وصورة أخرى لمستنقعات حي الفاخرية وكتب عليها «ذمة مسلم» مضيفا «تنفيذ ربعنا»!
«الدعاية المسمومة»
هذه الصورة وغيرها من الصور والتغريدات والنكات التي تصنعها وتبثها غرف الدعاية المسمومة ضد هذا الوطن شعبا وقيادة، يروج لها بعضنا ويساعد في نشرها وتعميمها بحسن نية ومن دون وعي أو معرفة بأهدافها الخبيثة والشريرة.
فنشر الإحباط في نفوس المواطنين، وخصوصا الشبان منهم، وزعزعة ثقتهم بأنفسهم ووطنهم وقيادتهم هدف أول، وراءه جملة أهداف يريدون تنفيذها على مراحل.
وأعتقد أنه ينبغي أن تواجه هذه الحملات المغرضة بحملات مضادة تبرز منجزات الوطن ودور الرجال الأفذاذ الذين فكروا ونفذوا وأنجزوا المشاريع الوطنية العملاقة، وتعزيز ثقة الأجيال الجديدة بوطنهم وبقياداتهم على مختلف المستويات، ومواجهة الأفكار السوداوية والمحبطة التي يحاول البعض زرعها في نفوس هذه الأجيال.
قبل نحو 40 عاما سافرت مع عائلتي من الرياض إلى الدمام بواسطة عدة سيارات عن طريق البر، وكان قائد السيارة التي نستقلها أنا وإخوتي الفنان الراحل سلامة العبدالله، الذي كان يعمل لدى الأمير سطام بن عبدالعزيز «رحمهما الله»، وعندما اقتربنا من الدمام، وكان الوقت ليلا، دهشت من مشهد النيران المشتعلة، فأينما يممت وجهك شاهدت ألسنة اللهب ترتفع إلى السماء بضعة أمتار من مشاعل منتظمة أحيانا كأعمدة إنارة الشوارع، وأحيانا مبعثرة كيفما اتفق.
وبفضول صحفي مبكر سألت لماذا هذه النيران؟ فقالوا: هذا الغاز المصاحب للبترول يضطرون لإحراقه بدلا من تركه يسمم الأجواء!
شعرت بحرقة على هذه الثروة المهدرة.. وقلت لنفسي لماذا لا يستفاد منه؟
ولم أدر أن هذا السؤال كان يشغل بال قادة هذه البلاد وعلى مختلف المستويات منذ الستينات الميلادية، ومن رحم هذا السؤال ولدت فكرة شركة سابك، والمشروعين الصناعييين في الجبيل وينبع، ولاحقاً مظلتهما الهيئة الملكية، ورغم أن هذه المشاريع طرحت مبكرا ومنذ عهد الملك فيصل، إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد أن أنعم الله على البلاد بوفرة مالية جراء الطفرة في أسعار النفط في السبعينات في عهد الملك خالد، وكان الملف بيد ولي العهد آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز عراب تلك الإنجازات الوطنية العظيمة، وقد أسند مهمة التخطيط والتنفيذ لهذه الأفكار إلى رجال أفذاذ من القيادات الوطنية التاريخية الذين تركوا بصماتهم على مسيرة النهضة والتنمية في السعودية، وفي المقدمة منهم غازي القصيبي وهشام ناظر ومحمد أبا الخيل وجميل الجشي وآخرون.
دور شركة بكتل
وقد زرت قبل أعوام جميل الجشي في منزله بمدينة الخبر وأجريت معه حوارا مطولا نشر في «عكاظ» على حلقات، وتحدث بالتفصيل عن تلك المرحلة بوصفه من أسندت إليه مهمة إدارة «مشروع الجبيل» الذي أصبح مدينة الجبيل الصناعية.
يقول الدكتور الجشي: «بناء على توجيهات من الملك فيصل رحمه الله تقدمت شركة بكتل بدراسة عن مجمع الجبيل الصناعي، وكان السيد ستيف بكتل يأمل أن تفوز شركته بتنفيذ مشروع أو أكثر من المشاريع الصناعية التي بدأت الدولة تفكر في تنفيذها منذ الستينات الميلادية، إذ تم تأسيس المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) لإقامة المشاريع الصناعية المعتمدة على استخدام الغاز المصاحب مصدرا للطاقة أو لقيم، والذي كانت الدولة تحرقه أو تعيد ضخه لباطن الأرض للمحافظة على الضغط في آبار النفط».
ويضيف الجشي: «وكانت بترومين قد انتهت من إنشاء شركة الأسمدة العربية السعودية (سافكو) في الدمام منتصف الستينات، وتقوم في ذات الوقت بمفاوضات مكثفة مع بعض الشركات العالمية في مجالات الصناعات الأساسية كمصاهر الألمنيوم والحديد ومصانع البتروكيماويات.. وبناء على وجود ورقة بكتل (المقترح) التي أشرفت عليها اللجنة الوزارية برئاسة وزير المالية والاقتصاد الوطني آنذاك الأمير مساعد بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، اعتقد البعض أن فكرة «مشروع الجبيل» قد جاءت من شركة «بكتل» وهذا الاعتقاد غير صحيح بدليل أن «بترومين» كانت قد قطعت شوطا طويلا مع بعض الشركات لتنفيذ عدد من المشاريع الصناعية التي استكملت مفاوضاتها في ما بعد «سابك».
ويستطرد الجشي في سرد المعلومات والحقائق التي تؤكد أن فكرة إنشاء مشروعي الجبيل وينبع الصناعيين فكرة سعودية خالصة ويقول: «أيضا كانت (بترومين) قد خصصت بعض قطع الأراضي لتلك الشركات في الأرض التي كانت الحكومة قد خصصتها لمشروع الجبيل شمال مدينة الجبيل التاريخية، والتي أقيم عليها مشروع الجبيل أو ما يعرف الآن بمدينة الجبيل الصناعية».
ويشدد الجشي على الحقيقة التي يعرفها الجميع، وهي أن فكرة تأسيس شركة سابك هي للوزير الراحل غازي القصيبي.
سواعد البناء السعودية
وبنفس الروحية التي انبثقت منها هذه الأفكار الخلاقة، نفذت القيادات والكوادر السعودية من مختلف المستويات المشاريع حتى استحالت على أرض الواقع كمنجزات وطنية عملاقة يفخر بها الوطن ويعتز بها المواطن.
ومناسبة العودة للتذكير بهذه الحقائق، هو أن جهات مشبوهة في وسائل التواصل الاجتماعي دأبت على تشويه الحقائق والترويج لمعلومات غير صحيحة في محاولة لتجريد هذا الوطن وقياداته وأبنائه من منجزاتهم الوطنية الكبيرة، بهدف زعزعة ثقة المواطن بنفسه أولا وبقيادته ثانيا، فهم يريدون من خلال ترويج هذه الأكاذيب الإيحاء بأن قيادة وأبناء هذا الوطن عاجزون عن تحقيق منجزات عملاقة كهذه، وأن أبناء المملكة لا يمكن أن ينفذوا مثل هذه المشاريع على أرقى المواصفات والجودة العالمية، وأن كل ما هو جيد وناجح في هذه البلاد من أفكار وتنفيذ الأجنبي، وكل ماهو سيئ ورديء هو من أفكار وتنفيذ المواطن السعودي.
وهذا بدا واضحا في مناسبات وحوادث كثيرة آخرها بعد الأمطار الأخيرة الغزيرة التي هطلت على بعض مدن المنطقة الشرقية، إذ نشرت صورتان متجاورتان، الأولى لمدينة الجبيل الصناعية وكتب عليها ذمة «كافر» وصورة أخرى لمستنقعات حي الفاخرية وكتب عليها «ذمة مسلم» مضيفا «تنفيذ ربعنا»!
«الدعاية المسمومة»
هذه الصورة وغيرها من الصور والتغريدات والنكات التي تصنعها وتبثها غرف الدعاية المسمومة ضد هذا الوطن شعبا وقيادة، يروج لها بعضنا ويساعد في نشرها وتعميمها بحسن نية ومن دون وعي أو معرفة بأهدافها الخبيثة والشريرة.
فنشر الإحباط في نفوس المواطنين، وخصوصا الشبان منهم، وزعزعة ثقتهم بأنفسهم ووطنهم وقيادتهم هدف أول، وراءه جملة أهداف يريدون تنفيذها على مراحل.
وأعتقد أنه ينبغي أن تواجه هذه الحملات المغرضة بحملات مضادة تبرز منجزات الوطن ودور الرجال الأفذاذ الذين فكروا ونفذوا وأنجزوا المشاريع الوطنية العملاقة، وتعزيز ثقة الأجيال الجديدة بوطنهم وبقياداتهم على مختلف المستويات، ومواجهة الأفكار السوداوية والمحبطة التي يحاول البعض زرعها في نفوس هذه الأجيال.