كتاب ومقالات

هيئة الترفيه، مهلا!

أفياء

عزيزة المانع

لم أشهد هيئة أو مؤسسة أو وزارة رسمية أحدثت قدرا كبيرا من اللغط حولها مثلما فعلت هيئة الأمر بالمعروف وهيئة الترفيه، فكلتاهما ملأتا المجتمع وشغلتا الناس.

وإذا كان من طبع الحياة أنها دول، ما بين صعود وهبوط، وتقدم للأمام وتراجع للخلف، فإن هيئة الترفيه اليوم تمر بمرحلة التقدم للأمام في إثارة الضجيج وتضارب الآراء حولها وتزاحم الأضداد في شأنها، ولعل هذا جزء من الدور الذي أنشئت من أجله، فهي أنشئت من أجل أن ترفه عن الناس، وفي ثقافتنا يظهر الجدل حول كل شيء، كأحد وجوه الترفيه التي نعشقها!

في أعقاب إحدى الفعاليات الترفيهية التي نظمت مؤخرا في جدة، اشتد أوار الشغب ضد هيئة الترفيه، باعتبارها الجهة المشرفة والمسؤولة عن تقديم تلك الفعالية، مما اضطر الهيئة إلى إصدار بيان تعتذر فيه عما بدر من مخالفات ارتكبتها الجهة المنظمة لأحد الأنشطة المصاحبة لفعالية (كوميك كون)، مؤكدة أنها ستطبق على تلك الجهة الجزاءات المستحقة.

وما كان أغنى هيئة الترفيه عن الوقوف في مثل هذا الموقف، لو أنها منذ البداية رسمت سياستها الترفيهية بما يتوافق مع السياسة المحلية العامة المتبعة في إحداث التغيير في المجتمع، التي تقوم على تحاشي ما يسبب الصدمة المفاجئة واتباع الانتقال التدرجي بالناس، تماما كما نفعل في تعليم الصغار عندما نتدرج معهم في الانتقال من السهل والقصير إلى الأصعب والأطول. فتغيير المفاهيم الاجتماعية لا يحدث فجأة، ولا يحدث بسرعة كما هو الأمر في تغيير الأشياء المادية كاللباس أو الأثاث أو طراز المباني أو غيرها.

كان على الهيئة أن تدرك هذا، فتنهج نهجا متدرجا في اختيارها للفعاليات التي تقرها، بحيث لا تصدم الناس أو تحدث شغبا بينهم، لكنها لم تفعل، انطلقت متأبطة التسرع في عملها، تنظر إلى عوامل النجاح من خلال منظارها الخاص، وليس عبر منظار شعبي واسع المدى.

فكان أن فاجأت الجماهير ببرامج بالغة الجدة بالنسبة لهم، تتنافر كثيرا مع ما ألفوه ونشأوا عليه، فلم يحتملوا الصدمة، أصابهم الدوار فأحدث عند بعضهم شيئا من الهذيان.

إن كان ثمة ما يستحق أن تعتذر عنه الهيئة، فهو الأسلوب المتسرع في الانتقال بالمجتمع من حالة الجمود الكامل إلى الحركة (السريعة)، فهذا التسرع إن لم تتداركه الهيئة، يخشى عليها أن تصيبها السكتة بسببه.

وحتى لا تصاب الهيئة بالسكتة القلبية، عليها أن تكتفي بالسرعة وتبتعد عن التسرع، فالسرعة تعني إنجاز المهام المطلوبة في أقصر وقت ممكن، أما التسرع فيعني الشروع في إنجاز المهام من قبل الاستعداد الكافي لها.

وهذا ما حدث مع الهيئة.