ثقافة وفن

الحصّالـة

عبدالباقـي يوسف *

قالت لـه: هذا لا يجوز يا رجل، إننا ننفق يومياتك يوما بيوم دون أن ندّخر شيئا، بيتنا الآن يحتاج إلى لوازم ضرورية ولا نملك شيئا غير اليومية التي ننفقها. مئة ليرة كاملة تأتي بها كل يوم وتنفذ من أيدينا كماء من غربال.

كم مرة ألححت عليك أن تجلب لنا حصالة حتى نضع فيها كل يوم خمس ليرات، ونفتحها بعد فترة نشتري بما ندخره لوازم البيت الضرورية، لكنك تقول إننا لا نستطيع أن نوفر شيئا. لنفرض أنك تعمل بخمس وتسعين ليرة عند صاحب المحل. قال الرجل: كما تشائين، غدا سوف أشتري حصالة قبل عودتي إلى البيت، وسوف أعطيك كل يوم خمس ليرات. أحست المرأة براحة وهي تضع قدمي زوجها في طشت وتدلكهما بالماء الساخن، ثم بعد أن استراح نحو ساعة مستلقيا على ظهره، قلت بيضتين، وصنعت كأسين من اللبن ونادته لتناول العشاء.

في اليوم التالي، ومع الغروب، عاد من عمله في محل بيع الأدوات الصحية بواسطة دراجته الهوائية، يحمل كعادته كيس الخبز وكيسا يحتوي على بعض متطلبات البيت إضافة إلى حصالة. بدأت المرأة كل يوم تضع خمس ليرات في الحصالة، وبعد نحو شهرين ولدى عودته من العمل قالت إن حاجات البيت لم تعد تحتمل التأخير أكثر من ذلك، ولا بد أن يكسر الحصالة.

تناولا العشاء على عجل، ثم أحضرت المرأة خرقة كبيرة لفتها على الحصالة الفخارية، وأحضرت مطرقة وطلبت إليه أن يكسرها.

وضعها الرجل وسط الغرفة، طرقها طرقات مركزة لتنفلق الحصالة وتكشف عن ثلاثمائة ليرة سورية.

قالت الزوجة وهي تنظر إلى النقود: علينا أن نكتب لوازمنا على ورقة حتى لا ننسى شيئا.

تناول القلم وبدأت تملي عليه الطلبات وهو يكتب: لنبدأ بلوازم ابنتنا الغالية أولا، إنها تحتاج إلى صدرية، ثياب داخلية، لعبة، قبعة، لهـّاية.

والبيت يحتاج إلى: لقاطات غسيل، كاسات شاي، صحون، ملاعق، سفرة، حفارة محشي، سلة مهملات، صابون، مسحوق غسيل، معجون جلي، سيف، بكرة خيط، حزمة إبر. أما أنت يا أبا رنيم تحتاج إلى: شفرات حلاقة، كنزة داخلية، جوز جرابات. والآن جاء دوري، سوف أثقل عليك، لكن ماذا أفعل، إنها ضروريات لا بد منها، سوف تشتري لي طوقا من الخرز بعشر ليرات، وبعشر ليرات تشتري حَـلَـقاً لأذنَــيْ، وتشتري لي خاتما بعشر ليرات، وبخمس ليرات لقاطة لشعري.

استغرق شراء الأغراض نحو ثلاث ساعات، وقبل العودة اكتشف الرجل بقاء خمسين ليرة من النقود، فلم يتردد عند ذاك أن يتجه إلى محل لبيع المناقيش، ومن ثم إلى محل لبيع الحلويات، ومن ثم إلى محل لبيع الموالح وهو يتمتم لزوجته: لنسهر الليلة يا أم رنيم، الذين يسهرون ليسوا أفضل منا.

* قاص سوري