عن جيل السبعينات أحدثكم!
الاثنين / 07 / جمادى الآخرة / 1438 هـ الاثنين 06 مارس 2017 01:44
محمد الساعد
ربما كان هذا الجيل محظوظا أقل مما يستحق، أو مظلوما أكثر من اللازم، خاصة وأن التجارب التي مر بها، صنعت منه إنسانا مختلفا، نراه اليوم في تفاصيل حياتنا، لعلها ظروف ليست من صنع يديه، لكن المؤكد أنه عاش مكافحا، بلا فرص حقيقية، ولا بعثات في عواصم الدنيا، ولا تعليم متطورا في مدارس عالمية، لأنها كانت محرمة عليهم، ولا لغات أجنبية، لأن الفتاوى كانت تلاحقها وتحذر منها.
مع ذلك، كان وما زال الجيل في أغلبه، يرفع من مكانة الوطن والتسامح والأسرة، ويقدمها على مصلحته، اشتغل على نفسه، ضحى، تعلم، اكتسب المعارف المتاحة، التي ساعدته على الصمود، طوال 50 سنة ماضية.
فمن أين بدأت الحكاية..؟!
ولد هذا الجيل في الفترة بين 1970 – 1980، وربما بضع سنين قبلها، ومثلها بعد ذلك، عرف تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية حادة، متضادة في أغلبها، كان شاهدا على حروب وصراعات، لم يتوجب أن يكون طرفا فيها، إلا أن الأميين أغرقوه فيها، من أفغانستان للشيشان، للبوسنة والهرسك، ثم إلى كشمير ومندناو، متاجرين بهم وبه.
عرف الفقر، والطفرة، والانفتاح، والانغلاق، لحق بآخر الشعراء والملحنين، شاهد زملاء سبقوه ببضع سنوات، يلتحقون بالبعثات الأولى، وعندما جاء دوره، توقفت نتيجة الظرف الاقتصادي، وللمفارقة يشارك هو نفسه بعد عدة عقود، في ابتعاث أجيال أخرى، بعشرات الآلاف إلى عواصم الدنيا للدراسة.
نفس زملائه المبتعثين القدامى، شهدوا السينما والمسرح، وطربوا لنجوم الحفلات الغنائية، في حاراتهم وشوارعهم، وبين بيوتهم، ليجد نفسه نتيجة تسلط الصحوة، وحيدا يعيش حياة متصحرة قاحلة، لا حياة فيها، ولا أنس بريء.
ما إن قُضي على الإرهابيين في الحرم، حتى غزا الحركيون حياته، مختطفين تدينه الفطري، دافعين به نحو مناطق الفتن، مغرينه بهجران المخالف، ومروعينه بقصص مختلقة عن المخطئين، فدفعوا بزهرة شبابنا إلى مناطق الفتن، للتطهر السريع من الخطايا، لقد حولوا من استطاعوا منهم إلى مجرد «أشباح»، يقدسونهم ويأتمرون بوصاياهم.
أرعبوهم من التصوير، والتلفزيون، والمعازف، والآلات الموسيقية، فأحرقوا صورهم، وذاكرتهم، واختلفوا مع أهاليهم، وما إن كبر الجميع، حتى رأوا من حذروهم، يتزينون للتصوير، ويكتبون كلمات الشيلات المعزوفة بالأوتار والأورج، ويتصدرون التلفزيونات، بقي الكثير حائرين، تائهين، منهم من تشوه، ومنهم من تطرف، ومنهم من سلمه الله.
في العام 1977، تدفقت الطفرة الأولى بمليارات الريالات إلى جيوب السعوديين، كان معظم جيلنا الذي نتحدث عنه، أطفالا لم تتح لهم فرصة الغنى كغيرهم، كانوا شهودا على ظهور دولة الرفاه، إلا أنهم، اكتووا بمرحلة التقشف 1985، وما تبعها من سنوات شد الحزام، وهي التي استمرت حتى بداية الألفية.
التحولات الصادمة لاحقتهم، فأخذت الطفرة بالانحسار، وما إن جاء وقت قطاف التعب، حتى جفت الوظائف، وسحبت منح الأراضي المخصصة للجامعيين، وألغيت مكافأة الخمسين ألف ريال، المصممة لمساعدة الشباب على بداية حياتهم، وتحفيزهم للالتحاق بالجامعات.
مع كل ذلك، واصل «الجيل»، الحفر في الصخر الناتئ في كل طرقاته، لكن اغرب ما واجهوه، أنهم كلما جاءتهم فرص تقلد المناصب في السابق، قالوا لهم: لا زلتم صغارا، وعندما كبروا اليوم، قيل لهم: لقد «هرمتم»، وعليكم ترك المجال للأصغر سنا منكم.
إنها جزء يسير من قصة جيل، قدره أن يكون شاهدا على نفسه وناسه، وجسرا بين جيلين، ومرحلتين، وتفكيرين، وتدينين، دهمته الأيام «الخشنة» في فترة مبكرة من عمره، متأثرا بتغيرات عميقة وجذرية، عصفت بحياته، ربما تستحق أن يكتب عنها أكثر، وترصد فيها تأثيراتها النفسية والاقتصادية بدقة.
مع ذلك، كان وما زال الجيل في أغلبه، يرفع من مكانة الوطن والتسامح والأسرة، ويقدمها على مصلحته، اشتغل على نفسه، ضحى، تعلم، اكتسب المعارف المتاحة، التي ساعدته على الصمود، طوال 50 سنة ماضية.
فمن أين بدأت الحكاية..؟!
ولد هذا الجيل في الفترة بين 1970 – 1980، وربما بضع سنين قبلها، ومثلها بعد ذلك، عرف تقلبات سياسية واجتماعية واقتصادية حادة، متضادة في أغلبها، كان شاهدا على حروب وصراعات، لم يتوجب أن يكون طرفا فيها، إلا أن الأميين أغرقوه فيها، من أفغانستان للشيشان، للبوسنة والهرسك، ثم إلى كشمير ومندناو، متاجرين بهم وبه.
عرف الفقر، والطفرة، والانفتاح، والانغلاق، لحق بآخر الشعراء والملحنين، شاهد زملاء سبقوه ببضع سنوات، يلتحقون بالبعثات الأولى، وعندما جاء دوره، توقفت نتيجة الظرف الاقتصادي، وللمفارقة يشارك هو نفسه بعد عدة عقود، في ابتعاث أجيال أخرى، بعشرات الآلاف إلى عواصم الدنيا للدراسة.
نفس زملائه المبتعثين القدامى، شهدوا السينما والمسرح، وطربوا لنجوم الحفلات الغنائية، في حاراتهم وشوارعهم، وبين بيوتهم، ليجد نفسه نتيجة تسلط الصحوة، وحيدا يعيش حياة متصحرة قاحلة، لا حياة فيها، ولا أنس بريء.
ما إن قُضي على الإرهابيين في الحرم، حتى غزا الحركيون حياته، مختطفين تدينه الفطري، دافعين به نحو مناطق الفتن، مغرينه بهجران المخالف، ومروعينه بقصص مختلقة عن المخطئين، فدفعوا بزهرة شبابنا إلى مناطق الفتن، للتطهر السريع من الخطايا، لقد حولوا من استطاعوا منهم إلى مجرد «أشباح»، يقدسونهم ويأتمرون بوصاياهم.
أرعبوهم من التصوير، والتلفزيون، والمعازف، والآلات الموسيقية، فأحرقوا صورهم، وذاكرتهم، واختلفوا مع أهاليهم، وما إن كبر الجميع، حتى رأوا من حذروهم، يتزينون للتصوير، ويكتبون كلمات الشيلات المعزوفة بالأوتار والأورج، ويتصدرون التلفزيونات، بقي الكثير حائرين، تائهين، منهم من تشوه، ومنهم من تطرف، ومنهم من سلمه الله.
في العام 1977، تدفقت الطفرة الأولى بمليارات الريالات إلى جيوب السعوديين، كان معظم جيلنا الذي نتحدث عنه، أطفالا لم تتح لهم فرصة الغنى كغيرهم، كانوا شهودا على ظهور دولة الرفاه، إلا أنهم، اكتووا بمرحلة التقشف 1985، وما تبعها من سنوات شد الحزام، وهي التي استمرت حتى بداية الألفية.
التحولات الصادمة لاحقتهم، فأخذت الطفرة بالانحسار، وما إن جاء وقت قطاف التعب، حتى جفت الوظائف، وسحبت منح الأراضي المخصصة للجامعيين، وألغيت مكافأة الخمسين ألف ريال، المصممة لمساعدة الشباب على بداية حياتهم، وتحفيزهم للالتحاق بالجامعات.
مع كل ذلك، واصل «الجيل»، الحفر في الصخر الناتئ في كل طرقاته، لكن اغرب ما واجهوه، أنهم كلما جاءتهم فرص تقلد المناصب في السابق، قالوا لهم: لا زلتم صغارا، وعندما كبروا اليوم، قيل لهم: لقد «هرمتم»، وعليكم ترك المجال للأصغر سنا منكم.
إنها جزء يسير من قصة جيل، قدره أن يكون شاهدا على نفسه وناسه، وجسرا بين جيلين، ومرحلتين، وتفكيرين، وتدينين، دهمته الأيام «الخشنة» في فترة مبكرة من عمره، متأثرا بتغيرات عميقة وجذرية، عصفت بحياته، ربما تستحق أن يكتب عنها أكثر، وترصد فيها تأثيراتها النفسية والاقتصادية بدقة.