كتاب ومقالات

حسن الظن وحساب المواطن!

نجيب يماني

في العام 2016 قال الأمير محمد بن سلمان في إطلالة لسموه عن الرؤية والتحول الوطني الذي تشهده المملكة، بأن هناك دعما نقديا للمواطنين لمواجهة إسراف الأغنياء عن طريق تطوير آلية لتوفير الدعم المادي نقداً لأصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، على اعتبار أن الغني قادر على الدفع. فالدعم المادي الكبير الذي تؤازر به الدولة الوقود والمياه والخبز وغيره تخفيفاً على المواطن المحتاج يستفيد منه أيضاً الغني والمقتدر وصاحب الأرصدة المتضخمة بشكل أكبر، والعمالة الهاربة وغير النظامية والمنتشرة في طول البلاد وعرضها تمارس الممنوع وتتاجر بالمجهول، وبذلك يكون صاحب الدخل المحدود غير قادر على دفع القيمة الحقيقية لهذه السلع. فكان لا بد من تطوير آلية داعمة نافعة لصاحب الدخل البسيط فكان (برنامج حساب المواطن)، لحماية المحتاجين وتخفيف وطأة الآثار الاقتصادية سواء الأثر المباشر أو غير المباشر المتوقع من الإصلاحات الاقتصادية. هذه الإصلاحات تسببت في عبء إضافي على ذوي الدخل المحدود، ولتقليل آثارها كان لا بد من تقديم بدل نقدي مباشر للمواطن سواء كأسرة أو كفرد رجل أو امرأة إضافة إلى أن هذا البرنامج يشمل أسرة المرأة السعودية المتزوجة من غير سعودي، وكذلك حاملي بطاقات التنقل، هذه الآلية المالية الجديدة والمتمثلة في (برنامج حساب المواطن) تأتي لتوفير بدل نقدي لأصحاب الدخل المحدود، ولضمان توجيه موارد الدعم المالي التوجيه الأمثل حقيقة لمن يحتاجونه، مما يؤدي إلى تشجيع الاستهلاك الرشيد بدلا من التبذير والإسراف والذي كان يمارسه البعض في حياتهم ومعاشهم اليومي معتمدين على الدعم الحكومي. بعد جلسة مع العارفين بهذا الحساب وتفاصيله اتضح أنه لا يهدف إلى معرفة دخل المواطن لفرض ضريبة عليه، وليس برنامج تجسس، وليس له أي أهداف بعيدة كما تداولته وسائط التواصل الاجتماعي، وتسابق البعض منا لنشر الإشاعات وإلصاق كل النقائض به حتى من دون أن نقرأه ونعلم فوائده ومثالبه. وكأن الدولة عاجزة عن معرفة دخولنا وأحوالنا بطرقها الخاصة، علاوة على أن المواطن ليس مجبورا على التسجيل فيه بل الأمر متروك لرغبته فلا إكراه على الدخول على بوابته. إن البرنامج يرمي إلى إحداث نتائج معينة مدروسة بعناية فائقة ذات أهداف اجتماعية واقتصادية وأسرية تؤدي إلى قضاء حوائج الشرائح المحتاجة والتي اكتوت بنار الأسعار وحجم التضخم وزيادة دخولها وتهدئة مشاعر أفرادها وحفظ ماء وجوههم مما يساعد على إشاعة الاستقرار ودعم اتجاهات التوازن الاجتماعي في المجتمع، كما يهدف إلى تحريك النشاط الاقتصادي للدولة وتحريك سكون الحركة الشرائية فعندما يزيد دخل المواطن من هذا الحساب يتحول إلى قوة شرائية تولد طلباً فعالاً على البضائع والسلع المختلفة، مما يؤدي إلى تحريك الاقتصاد ودفع عجلة الإنتاج لمقابلة الطلب المتزايد على السلع، إن ما سمعته من المختصين عن هذا البرنامج يدحض كل الإشاعات وما تناولته تصريحات رسمت على جداره الغموض والتناقضات وأحدثت بلبلة مردها كثرة المتحدثين والمنظرين مما أربك المشهد ولخبط المتلقي، فمن قائل إن الدخل الإضافي أياً كان مصدره يجب الإفصاح عنه قل أو كثر منتظماً كان أو متقطعاً حتى (الشرهة والعيدية) وبعض المهن التي دخولها متذبذبة، فكيف يتم الإفصاح عنها؟ رغم أن تعريف الدخل في حساب المواطن أكد على أن يكون دخلا ثابتا أو من عوائد الإيجارات والأعمال الحرة، وتحسب على أساس متوسط الدخل الشهري خلال السنة. كما أن هذا لن يلغي برامج أخرى مثل حافز والضمان الاجتماعي كما صرح مسؤول بذلك! بل إنه ينظمها ويكون مسؤولا عنها، ولعل ما أزعج الكثيرين تصريح أحدهم أن الوزير ومن في حكمه له حق الاشتراك في البرنامج وهذا في حد ذاته ينافي الغرض من حساب المواطن الذي أنشئ للمصلحة العامة، والمصلحة عند الإمام مالك أساساً لأي قرار يتخذه ولي الأمر، فالمصلحة زيادة في المنفعة وتجنب للمفسدة وهي مقصد الشريعة الأسمى، ويجب أن تصان لتحسين الأحوال الاجتماعية للمجتمع، وهذا من صميم السياسة الشرعية، والتي تعني تدبير أمر الأمة على أساس الظروف القائمة، يحق للمواطنة السعودية المتزوجة من غير سعودي أن تستفيد من هذا الحساب دون اعتراض ويقول كيف للمرأة أن تنفق على أسرتها، ورد في صحيح مسلم أن امرأة ابن مسعود كانت تعمل في الصناعة فقالت: يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لزوجي ولا لولدي شيء فهل أنفق عليهم؟ فقال لها عليه الصلاة والسلام: لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم، وقيل إن لها أجرين أجر القرابة وأجر الصدقة وهذا يدخل في باب الإحسان والعشرة بالمعروف. ويؤكد الفقهاء لو عجز الزوج عن نفقة نفسه وامرأته غنية تكفلت بالنفقة عليه لا ترجع بشيء من ذلك بعد اليسار. بعيداً عن الإشاعات وسوء الظن فهو برنامج وطني لتصحيح مسار الدعم لمن يستحقه، فدعونا نجربه.