كتاب ومقالات

استشرف حتى أراك!

شغب

هيلة المشوح

hailahabdulah20@

شتان بين جملة سقراط الشهيرة «تكلم حتى أراك»، حين قالها لتلميذ جاءه متبختراً، وبين رضا مجتمعنا عن شخص يسوق عليه التقى والورع فيجد القبول لمجرد أنه تلبس قشور الفضيلة حتى أصبح القبول المجتمعي والجماهيري في الغالب مرتبطا «بالاستشراف».

رغم تحفظي على كلمة «استشراف» فهي تخالف المعنى المقصود وهو «التطلع» وقراءة المستقبل، إلا أنه لا يوجد لها مرادف متعارف عليه بإجماع، وسأكتب مستخدمة نفس الكلمة... فقد خرجت علينا فئة تتسربل بالفضيلة لتتكسب بها المباركة الجماهيرية، بينما تخفي كماً من الرذائل فتمثل الفضيلة وتجسدها ممسوخة شوهاء ومكشوفة عند كل ذي لب.

المستشرف شخص مضطرب وفي الغالب مزدوج الشخصية والسلوك فهو يتبنى آراء لا يطبقها وضد سلوكيات يمارسها أو قد جربها مسبقاً ويشعر أنه يكفر عنها أو يتلذذ بنشرها ويعمد عادةً إلى استخدام المصطلحات الأكثر رواجاً وتأثيراً على المجتمع فيستخدمها ليهادن بها الشريحة الأكبر من «السذج» ويبني عليها قضيته وينسبها لتلك المصطلحات كالليبرالي والعلماني والتغريبي، وكما فعل صاحبنا الذي شكك في أن المحتسب المثير للفوضى في معرض الكتاب قبل أيام مدسوس من «الليبرالية» كما يحلو لهم تسمية شريحة المثقفين «الانتلجنسيا» الذين يقودون الوعي العام ويلعبون دوراً فاعلاً في تشكيل ثقافة المجتمع وتغيير توجهاته من الانغلاق إلى الانفتاح ومن الإيديولوجيا التي شكلتها الصحوة إلى التحرر والفردانية، وهي الفئة التي من مهامها أيضا إسقاط الأقنعة وكشف الزيف والتدليس مما يشكل خطرا على نهج المستشرف، أو كما أثار أحدهم موضوع الاختلاط في بهو المثقفين قبل عدة سنوات فسلط الله عليه من نبش تاريخه المثير بالخزي.

المحزن في الأمر أن كبار المستشرفين المعروفين والمكشوفين هم كتاب ومثقفون كانوا وبعضهم مازال يكتب في الصحف المحلية أو مؤثراً في مواقع التواصل وتختلف درجات ذكائهم من شخص لآخر حسب استغلال وتوظيف الحدث تماشياً وأهواءهم الاستشرافية وبما يتماهى مع اضطراباتهم، والبعض الآخر لا يتجاوز استشرافه حسابات تويترية تتهجم على أصحاب التوجهات التنويرية.

المستشرف شخص ضد الوعي وضد التغيير وضد الترفيه، باختصار هو مع ما يرضي الجماهير المغيبة وهو بالمناسبة عايش حياته «طول وعرض»، وتتجلى مهنيته في حرف مسار الوعي العام إلى الحضيض وتوجيهه في قضايا غير حقيقية ويتميز طرحه بالهزل والسذاجة، والوعي بالنسبة له هو انحسار شعبيته ولفظ المجتمع لازدواجيته واستشرافه وآرائه المبنية على كم من الشكوك والأكاذيب والتحليلات المفرطة في الوهم، لذلك يناضل في قضايا تخدر الوعي.

بكاء وعويل أحد الوعاظ من الاختلاط سرعان ما انقلب ضده عندما فغر فاه بضحكة كادت تشق وجنتيه المنتفختين بفعل الباييلا «طبق إسباني» وهو يختلط مع النساء في حفل صاخب على أنغام الموسيقى الباذخة ووسط ضحكات الكاسيات العاريات، فالعالم متغير وبرامج الميديا لن تدعك تستشرف حتى تنبش تاريخك منذ صرختك الأولى على البسيطة حتى اتحفتنا بهذا الحدث التحفة!

أخيراً.. لا تستشرف وأنت «ترقل» مع هبات الهوى، فلربما تكون فريسة يوما ما بين مخالب من ينبش سقطاتك طيلة مراحل حياتك وساعتها برر إن استطعت!