كتاب ومقالات

رعب الألعاب!

أفياء

عزيزة المانع

تبعا لثقافة التطرف ورؤية الأشياء من منظور وحيد (أبيض/ أسود)، صرنا نعيش في هلع من ألعاب الفيديو، بلغ خوفنا منها أن صرنا نعتقد أنها تدمر الدماغ وتسبب الجنون، وأن داعش تصطاد الشباب عبرها، حتى بتنا في وسواس ورعب دائمين من تلك الألعاب.

عبر هذا المنظور نفسه، نسمع من بعض المختصين أن ألعاب الفيديو تتلف خلايا الدماغ وتضعف البصر، وهي المسئولة عما يظهر على الأطفال من عنف سلوكي وزيادة في الوزن وإهمال للدراسة، ونفور من ممارسة الرياضة، وابتعاد عن التفاعل مع الأهل والأصدقاء والزملاء. كما أنها تعرض الأطفال لاكتساب الألفاظ البذيئة والتصرفات غير الأخلاقية، والوقوع في شباك المجرمين الذين يستغلون الأطفال عبر الإنترنت.

من جانب آخر، نجد بعض الدراسات العلمية لباحثين من جامعات أمريكية معروفة مثل جامعة ولاية ميتشجان وروشستر وويسكنسن وغيرها، تفند ما يثار من مخاوف حول الآثار السلبية لألعاب الفيديو على خلايا الدماغ، مثل ما ذكره أحد الباحثين في علم النفس من جامعة ويسكنسن من أنه وجد أن التغير الذي يحدث في الدماغ أثناء اللعب، ليس سوى نوع من التمارين التي تبني العضلات فتحدث في الدماغ تأثيرا شبيها بما يحدث عند تعلم القراءة أو دراسة الخرائط أو العزف على البيانو، فالدماغ أثناء اللعب يكون في حالة تناوب ما بين شدة التركيز والهيجان، وهذا التناوب يعزز التحول العصبي، الذي يعمل كدعامة للدائرة العصبية التي تبني الدماغ، وقد ظهر أثر ذلك على بعض المسنين الذين ساعدهم اللعب في تحسين الذاكرة ودقة الإبصار.

وتقول دراسة أخرى صادرة عن جامعة روشستر الأمريكية، إن اللعب يطور مهارات التوازن الحركي بين البصر وحركة اليد، وإن الأثر الإيجابي لذلك ظهر على أداء بعض الجراحين والطيارين الحربيين الذين يمارسون اللعب، إضافة إلى أن اللعب بهذه الألعاب يقوي التركيز والانتباه، لذلك فإن ألعاب الفيديو تساعد المصابين بالديسلكسيا على تحسين قدرتهم على القراءة بسرعة أكبر، كما تحسن القراءة عند الصغار، الذين يحرصون على قراءة القصة التي تدور حولها اللعبة وقراءة التعليمات الموجودة في كتيبها، فتعمل على تعزيز مهارة القراءة عندهم من جهة، ومن جهة أخرى تدربهم على اتباع التعليمات بدقة.

كذلك وجد لهذه الألعاب أثر في تدريب الدماغ على التفكير المنطقي، من خلال ممارسة اللاعبين البحث عن حلول للمواقف المتعسرة التي تظهر في اللعبة، وبالنسبة للألعاب التي يشترك فيها أكثر من لاعب، لها أثر في تعليم اللاعبين مهارة العمل ضمن فريق.

ما نخلص إليه، هو أن ألعاب الفيديو مثلها مثل كل شيء في هذه الدنيا، يختلط فيها الخير بالشر، فما هناك حاجة إلى حرمان الأطفال منها، خاصة أن بعض الدراسات تشير إلى أن الأطفال الذين يلعبون لوقت محدد أكثر سعادة وتفاعلا اجتماعيا من الأطفال الذين يحرمون من اللعب.

وحسب ما ينصح به الخبراء فإن الالتزام ببعض القواعد التربوية أثناء اللعب بألعاب الفيديو، يوفر للأطفال السلامة من أضرارها ويكسبهم ما فيها من مزايا.

من بين القواعد الموصى بها: مراقبة نوع الألعاب التي يلعب بها الأطفال، ومشاركتهم اللعب لتقوية الروابط النفسية معهم من جهة، ومن جهة أخرى، لتمرير بعض القيم والمبادئ الأخلاقية المطلوب تلقينها لهم، مع مراعاة تنويع وسائل التسلية التي يحصل عليها الأطفال، بحيث لا تنحصر في ألعاب الفيديو وحدها. وكذلك مراعاة التعامل مع الأبناء بلين، فمعظم الأطفال العنيفين صاروا كذلك لعنف المعاملة التي يتلقونها وليس بسبب التلفزيون أو الألعاب.

أخيرا لا بد من تحديد وقت اللعب بحيث لا يزيد عن ساعة يوميا أو سبع ساعات أسبوعيا.

azman3075@gmail.com