الحاوي الإسرائيلي والدبلوماسي المصري
السبت / 19 / ذو الحجة / 1428 هـ السبت 29 ديسمبر 2007 20:48
د. طلال صالح بنان
العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر بأزمة. إلا أنها أزمة ليست من ذلك النوع الذي يعكس انتكاسة حقيقية للعلاقات بين البلدين، بعيداً عن السيطرة الثنائية عليها من قبل القاهرة وتل أبيب، وإن كان المتغير الخارجي للأزمة من أهم أدوات إدارتها من قبل الجانبين. بدأت سُحب الأزمة تلبد سماء هذه العلاقات، عندما صرحت وزيرة الخارجية الأسرائيلية، يوم الثلاثاء الماضي، بلغة بعيدة عن مفردات الدبلوماسية التي يجب أن تحكم علاقة بين بلدين بينهما معاهدة سلام، بزعمها: أن لمصر سجل "رديء" في قضية تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة... الأمر الذي يدعم حركة حماس..!؟ ملاحظة، غير موفقة في صياغتها، تتهم مصر، بصورة غير مباشرة، بالإخلال بالتزاماتها تجاه حالة السلام التي تحكم علاقات البلدين بعضهما ببعض، بعد فترة عداء استمرت، لأكثر من أربعة عقود. وقبل ذلك، كانت الخارجية الإسرائيلية قد سربت معلومات تفيد بأنها أبلغت الخارجية الأمريكية، بوثائق مدعمة، تصب في زعمها بأن مصر تمد حماس بالأسلحة، من خلال شبكة للأنفاق تفصل مدينة رفح المصرية والفلسطينية...!؟
مشكلة قديمة بين مصر وإسرائيل تظهر إلى السطح من آن لآخر، وغالباً ما يكون مصدرها إسرائيل، دون التبصر في إمكاناتها التصعيدية، التي يمكن أن تتطور، يوماً ما، لتأخذ أبعاداً خطيرة، تؤثر سلباً على حالة الاستقرار الهش في المنطقة، بسكب الماء الساخن على صقيع "السلام" البارد بين مصر وإسرائيل، لتُعاد عقارب الساعة إلى الوراء، لما قبل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، عام 1979. إسرائيل، بهذا التصعيد على مسار علاقات تل أبيب بالقاهرة، لا تقصد استهداف علاقاتها مع مصر، ولكن الدور المصري، في ما تطور مؤخراً عن مؤتمر أنابوليس للسلام، في نهاية الشهر الماضي. إسرائيل تريد أن تستخدم الأزمة في إدارة صراعها على تلك الجبهة الثالثة، بالتحديد على الجبهة الفلسطينية، التي أضحت بفعل مؤتمر أنابوليس، ساحة الصراع القريبة من إسرائيل. حتى تتنصل من أية التزامات قد يكون مؤتمر أنابوليس للسلام قد أوجدها، تسعى لأن يأتي هذا التنصل من الالتزامات من الطرف الفلسطيني، وليس منها، بالزعم أن الفلسطينيين غير مستعدين للسلام.. وغير أهلٍ بقيام دولة خاصة بهم، كما هو الهدف الأساس من مؤتمر أنابوليس وخارطة الطريق التي جاءت كمرجعية أساسية لأي تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مما يقود في النهاية إلى تطور "قناعة" خادعة أن الفلسطينيين، والعرب من ورائهم، هم من يعرقلون التوصل إلى سلام في المنطقة، وليس إسرائيل..!؟
سيناريو إسرائيلي تقليدي في إدارة صراعهم مع العرب، يبدو أن إسرائيل لا تمل من تكراره.. والأشد خطورة أن العالم، إلى الآن، لم يتنبه إليه بدرجة خطورته. وبما أن مصر هي الدولة العربية الأولى في المنطقة، التي عقدت إسرائيل معها معاهدة سلام، تمخضت عن حالة من السلام البارد الذي يحس بدرجة برودته العالم بأسره، فإن الدخول إلى تشويه إرادة الفلسطينيين والعرب في السلام الحقيقي، من الأجدى أن يمر من خلال البوابة المصرية. وطالما أن الولايات المتحدة هي الشاهد الرئيس والحكم الأول، في تقدير مستوى تقدم العملية السلمية، على الأقل من وجهة إسرائيل، فإن من المفيد إقحامها في أي تطور سلبي لمسيرة العلاقات الإسرائيلية المصرية، تفتعله إسرائيل، من أجل تفعيل المزيد من الضغط على المصر، باستخدام أدوات القوة الصلبة ( المالية، بصورة خاصة )، من أجل جعل مصر دائماً تحت وطأة ضغط مستمر، يحسب الأمريكيون والإسرائيليون، خطأً بالطبع، أن بإمكانهم السيطرة على تبعاته وتداعياته إلى ما لا نهاية. القاهرة استدركت الأمر وتفهمت أبعاده الخطيرة، التي قد تفضي إلى فقدان السيطرة على الأزمة، في وقت قد لا يكون مناسباً لمجاراة إسرائيل في تهورها التصعيدي لأزمة معروفٌ سلفاً مبتغاها لمؤسسات صناعة السياسة الخارجية المصرية. في هذا الإطار قبلت مصر أن تستقبل وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، اليوم التالي في شرم الشيخ. باراك، الذي كان ــ للغرابة ـــ أكثر دبلوماسية من زميلته وزيرة الخارجية التي سبقته تصريحاتها المستفزة قبل يوم من لقائه بالمسؤولين المصريين في شرم الشيخ، لم يفلح في أن يحصل من المصريين، الذين استاءوا من تصريحات ليفني غير المهذبة، سوى على أقل من ما تقتضيه أدبيات المجاملة الدبلوماسية لضيف رسمي زائر، ليخرج خاوي الوفاض. من الناحية السياسية فشلت زيارة باراك القصيرة لشرم الشيخ. في الوقت الذي نجحت فيه الدبلوماسية المصرية، من احتواء أية تداعيات سلبية حاولت إسرائيل بافتعالها الأزمة، أن تحصدها عند الطرف الأمريكي، في واشنطن.
لم يغب عن الدبلوماسي المصري هذا الربط الإسرائيلي المفتعل بين الأزمة وما صدر عن مؤتمر أنابوليس بخصوص مسار التسوية الإسرائيلي الفلسطيني، كما لم يسمح الدبلوماسي المصري أن تحقق إسرائيل مرادها من تأليب اللوبي الصهيوني في الكونجرس على مصر، في ما يخص برنامج المعونة الأمريكية.. أو في ما يخص الإضرار بقنوات الاتصال القائمة ( السياسية والدبلوماسية ) بين القاهرة وواشنطن.الأهم: فشلت إسرائيل في إبعاد المتغير المصري عن أهم جبهة جديدة في مسيرة السلام في المنطقة، بعد مؤتمر أنابوليس.لم يفرغ جراب الحاوي الإسرائيلي من الحيل ولكن الدبلوماسي المصري مكشوف لديه ما خرج وما بقي في الجراب من حيل الحاوي الإسرائيلي... إنها خبرة ثلاثة عقود من التعامل الدبلوماسي مع إسرائيل.
مشكلة قديمة بين مصر وإسرائيل تظهر إلى السطح من آن لآخر، وغالباً ما يكون مصدرها إسرائيل، دون التبصر في إمكاناتها التصعيدية، التي يمكن أن تتطور، يوماً ما، لتأخذ أبعاداً خطيرة، تؤثر سلباً على حالة الاستقرار الهش في المنطقة، بسكب الماء الساخن على صقيع "السلام" البارد بين مصر وإسرائيل، لتُعاد عقارب الساعة إلى الوراء، لما قبل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، عام 1979. إسرائيل، بهذا التصعيد على مسار علاقات تل أبيب بالقاهرة، لا تقصد استهداف علاقاتها مع مصر، ولكن الدور المصري، في ما تطور مؤخراً عن مؤتمر أنابوليس للسلام، في نهاية الشهر الماضي. إسرائيل تريد أن تستخدم الأزمة في إدارة صراعها على تلك الجبهة الثالثة، بالتحديد على الجبهة الفلسطينية، التي أضحت بفعل مؤتمر أنابوليس، ساحة الصراع القريبة من إسرائيل. حتى تتنصل من أية التزامات قد يكون مؤتمر أنابوليس للسلام قد أوجدها، تسعى لأن يأتي هذا التنصل من الالتزامات من الطرف الفلسطيني، وليس منها، بالزعم أن الفلسطينيين غير مستعدين للسلام.. وغير أهلٍ بقيام دولة خاصة بهم، كما هو الهدف الأساس من مؤتمر أنابوليس وخارطة الطريق التي جاءت كمرجعية أساسية لأي تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مما يقود في النهاية إلى تطور "قناعة" خادعة أن الفلسطينيين، والعرب من ورائهم، هم من يعرقلون التوصل إلى سلام في المنطقة، وليس إسرائيل..!؟
سيناريو إسرائيلي تقليدي في إدارة صراعهم مع العرب، يبدو أن إسرائيل لا تمل من تكراره.. والأشد خطورة أن العالم، إلى الآن، لم يتنبه إليه بدرجة خطورته. وبما أن مصر هي الدولة العربية الأولى في المنطقة، التي عقدت إسرائيل معها معاهدة سلام، تمخضت عن حالة من السلام البارد الذي يحس بدرجة برودته العالم بأسره، فإن الدخول إلى تشويه إرادة الفلسطينيين والعرب في السلام الحقيقي، من الأجدى أن يمر من خلال البوابة المصرية. وطالما أن الولايات المتحدة هي الشاهد الرئيس والحكم الأول، في تقدير مستوى تقدم العملية السلمية، على الأقل من وجهة إسرائيل، فإن من المفيد إقحامها في أي تطور سلبي لمسيرة العلاقات الإسرائيلية المصرية، تفتعله إسرائيل، من أجل تفعيل المزيد من الضغط على المصر، باستخدام أدوات القوة الصلبة ( المالية، بصورة خاصة )، من أجل جعل مصر دائماً تحت وطأة ضغط مستمر، يحسب الأمريكيون والإسرائيليون، خطأً بالطبع، أن بإمكانهم السيطرة على تبعاته وتداعياته إلى ما لا نهاية. القاهرة استدركت الأمر وتفهمت أبعاده الخطيرة، التي قد تفضي إلى فقدان السيطرة على الأزمة، في وقت قد لا يكون مناسباً لمجاراة إسرائيل في تهورها التصعيدي لأزمة معروفٌ سلفاً مبتغاها لمؤسسات صناعة السياسة الخارجية المصرية. في هذا الإطار قبلت مصر أن تستقبل وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، اليوم التالي في شرم الشيخ. باراك، الذي كان ــ للغرابة ـــ أكثر دبلوماسية من زميلته وزيرة الخارجية التي سبقته تصريحاتها المستفزة قبل يوم من لقائه بالمسؤولين المصريين في شرم الشيخ، لم يفلح في أن يحصل من المصريين، الذين استاءوا من تصريحات ليفني غير المهذبة، سوى على أقل من ما تقتضيه أدبيات المجاملة الدبلوماسية لضيف رسمي زائر، ليخرج خاوي الوفاض. من الناحية السياسية فشلت زيارة باراك القصيرة لشرم الشيخ. في الوقت الذي نجحت فيه الدبلوماسية المصرية، من احتواء أية تداعيات سلبية حاولت إسرائيل بافتعالها الأزمة، أن تحصدها عند الطرف الأمريكي، في واشنطن.
لم يغب عن الدبلوماسي المصري هذا الربط الإسرائيلي المفتعل بين الأزمة وما صدر عن مؤتمر أنابوليس بخصوص مسار التسوية الإسرائيلي الفلسطيني، كما لم يسمح الدبلوماسي المصري أن تحقق إسرائيل مرادها من تأليب اللوبي الصهيوني في الكونجرس على مصر، في ما يخص برنامج المعونة الأمريكية.. أو في ما يخص الإضرار بقنوات الاتصال القائمة ( السياسية والدبلوماسية ) بين القاهرة وواشنطن.الأهم: فشلت إسرائيل في إبعاد المتغير المصري عن أهم جبهة جديدة في مسيرة السلام في المنطقة، بعد مؤتمر أنابوليس.لم يفرغ جراب الحاوي الإسرائيلي من الحيل ولكن الدبلوماسي المصري مكشوف لديه ما خرج وما بقي في الجراب من حيل الحاوي الإسرائيلي... إنها خبرة ثلاثة عقود من التعامل الدبلوماسي مع إسرائيل.