لكل أمٍ مهمشة: كل عامٍ وأنت نكرة!
الجمعة / 25 / جمادى الآخرة / 1438 هـ الجمعة 24 مارس 2017 01:45
أحلام محمد علاقي
بمناسبة يوم الأم، فسوف أحكي لكم قصة إحدى صديقاتي، وهي أم، وهي بالمناسبة متعلمة ومحترمة ودكتورة في الجامعة «وطقت» الأربعين من العمر أي تنطبق عليها الآية الكريمة:
«وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً...» سورة الأحقاف، آية 15. فهي سيدة بتمام النضج العقلي كما نستنتج من الآية الكريمة.
صديقتي هذه تربي ابنها وحدها لظروف أسرية. ومثلها، وأنتم أعرف بالحال، الكثيرات اليوم ممن يعشن بلا رجل يقوم على أحوالهن لسبب أو آخر. صديقتي هذه أرادت أن تنقل ابنها من المدرسة الإنترناشونال التي يدرس بها إلى مدرسة أخرى لقربها من منزلها. ذهبت وقدمت الأوراق وتقدم ابنها للامتحان.
اتصلت بها المدرسة بعدها لتقول لها يجب على «ولي الأمر» الحضور لتوقيع الأوراق، فقالت: أنا ولية أمره. قيل لها: لا يا مدام مع كل احترامنا لك، أنت «غير معترف بك» في الوزارة وهذه تعليمات ويجب أن يأتي الأب فهو ولي أمره. قالت لهم ولكن الأب غير متواجد وأنا الآن ولية أمره، فماذا يمنع أن أوقع أنا؟ قيل لها: معذرة فهذا لا يمكن. يجب عليك أن توكلي في هذه الحالة رجلاً ليصبح هو ولي أمر الطالب. قالت لهم يا جماعة الخير ماذا تقولون؟ أوكل لابني ولي أمر وأنا موجودة! قيل لها نعم، «فأنت غير معترف بك» سمعتها صديقتي للمرة الثانية، واعتذرت لها من تحدثها وقالت: يا مدام لا تغضبي أنا مثلي مثلك ولا أملك إلا أن أوصل لك هذه الرسالة. قالت لها صديقتي: هذا وضعي والأب غير موجود فماذا أفعل، وماذا عن الطفل اليتيم، لا يقبل في المدرسة ويحرم من التعليم إن كان أبوه غير موجود؟ قيل لها، لا هذا وضع مختلف وعندها يأتي وكيل من أب الطفل، أي وصي شرعي، ويجب أن يكون رجلا ليصبح هو ولي أمره! قالت: وماذا عن الطفل الذي ليس لديه أي أقارب، يحرم من التعليم؟. فقالت لها التي تحدثها: هل لطفلك أخ، ربما يمكن أن يصبح هو ولي أمره! فأنت غير معترف بك! طبعا هنا أعلنت صديقتي استسلامها وقالت في لهجة نصف مازحة نصف مصدومة: نعم، يمكن أن يصبح ولي أمره أخوه الذي عمره 13 سنة؟ قالت لها السيدة: لا يا مدام يجب أن يكون راشدا بالغاً. قالت لها صديقتي: هل تقصدين بأن ابني لو كان أكبر، يمكن أن يصبح ولي أمر لابني الذي أنا لا يمكنني أن أصبح ولية أمره وهما اثنانهما أبنائي؟ أي تصبح لابني صلاحيات على أخيه أكبر من صلاحياتي أنا عليه؟ قالت لها نعم هذا النظام!
أصدقائي، سمعنا مؤخراً بأن الأم أصبح لها الحق في استخراج أوراق الأبناء من شهادات ميلاد ودفتر العائلة قانونياً، وفرحنا واستبشرنا. ولكن ما فائدة هذا إن لم تكن لها الحق في تسجيل أبنائها في المدارس؟
نحن نتحدث عن تعليم وليس ترفيها أو سفرا؟ التعليم حق لكل طفل حسب القوانين العالمية، ومنظمة اليونيسيف في المادة الثامنة والعشرين تضع تعليم الطفل كأولوية وتنص على أن التعليم حق لكل طفل وخاصة التعليم الابتدائي. فإذا اشترطت مدارسنا وجود ولي أمر غير الأم ولم يكن يوجد غيرها فهل يترك الطفل بلا تعليم؟ هذا يتنافى مع أدنى حقوق الطفل.
إن لم يحقق قرار السماح للمرأة باستخراج الأوراق الثبوتية هدفه فما الفائدة منه؟ ما الفائدة من أن أحصل على ورق ولا أستطيع استخدامه؟
يجب علينا التفكير الجاد في توفير منظومة كاملة لن أقول للمساواة (حتى لا يأكلني البعض) ولكن لتحقيق العدالة المنطقية والعقلانية والشرعية. في زمن أحد الصحابة خُير أحد الصبيان أمام القاضي بين أمه وأبيه فاختار الأب. فأخذ بيده وهمّ بالرحيل، فقالت المرأة للقاضي ألا تسأله لم أختار أباه؟ قال الولد: لأن أبي يتركني ألعب مع الصبيان، وأمي تأخذ بي إلى الشيخ ليعلمني القراءة والقرآن ويضربني. فأمر القاضي للأم بالولاية.
كان هذا في القرون السابقة، وها نحن الآن: أب سكير أو مدمن أو معنِف، لا يهم، المهم أنه رجل. أب غائب أو مسافر أو مشغول، لا يهم، يجب أن ينتحر ويقطع نفسه أو يستنسخ منه «آفاتار» ليراجع المعاملات والدوائر فلا شيء يتم دون وجوده، وفي هذا إرهاق وعبء حتى على الأب! والأم قد تحمل أعلى الشهادات وتجيد اللغات وتحضر المؤتمرات هنا وهناك ولكنها تبقى «غير معترف بها». وكل عام والأمهات بخير.
altawati@gmail.com
«وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً...» سورة الأحقاف، آية 15. فهي سيدة بتمام النضج العقلي كما نستنتج من الآية الكريمة.
صديقتي هذه تربي ابنها وحدها لظروف أسرية. ومثلها، وأنتم أعرف بالحال، الكثيرات اليوم ممن يعشن بلا رجل يقوم على أحوالهن لسبب أو آخر. صديقتي هذه أرادت أن تنقل ابنها من المدرسة الإنترناشونال التي يدرس بها إلى مدرسة أخرى لقربها من منزلها. ذهبت وقدمت الأوراق وتقدم ابنها للامتحان.
اتصلت بها المدرسة بعدها لتقول لها يجب على «ولي الأمر» الحضور لتوقيع الأوراق، فقالت: أنا ولية أمره. قيل لها: لا يا مدام مع كل احترامنا لك، أنت «غير معترف بك» في الوزارة وهذه تعليمات ويجب أن يأتي الأب فهو ولي أمره. قالت لهم ولكن الأب غير متواجد وأنا الآن ولية أمره، فماذا يمنع أن أوقع أنا؟ قيل لها: معذرة فهذا لا يمكن. يجب عليك أن توكلي في هذه الحالة رجلاً ليصبح هو ولي أمر الطالب. قالت لهم يا جماعة الخير ماذا تقولون؟ أوكل لابني ولي أمر وأنا موجودة! قيل لها نعم، «فأنت غير معترف بك» سمعتها صديقتي للمرة الثانية، واعتذرت لها من تحدثها وقالت: يا مدام لا تغضبي أنا مثلي مثلك ولا أملك إلا أن أوصل لك هذه الرسالة. قالت لها صديقتي: هذا وضعي والأب غير موجود فماذا أفعل، وماذا عن الطفل اليتيم، لا يقبل في المدرسة ويحرم من التعليم إن كان أبوه غير موجود؟ قيل لها، لا هذا وضع مختلف وعندها يأتي وكيل من أب الطفل، أي وصي شرعي، ويجب أن يكون رجلا ليصبح هو ولي أمره! قالت: وماذا عن الطفل الذي ليس لديه أي أقارب، يحرم من التعليم؟. فقالت لها التي تحدثها: هل لطفلك أخ، ربما يمكن أن يصبح هو ولي أمره! فأنت غير معترف بك! طبعا هنا أعلنت صديقتي استسلامها وقالت في لهجة نصف مازحة نصف مصدومة: نعم، يمكن أن يصبح ولي أمره أخوه الذي عمره 13 سنة؟ قالت لها السيدة: لا يا مدام يجب أن يكون راشدا بالغاً. قالت لها صديقتي: هل تقصدين بأن ابني لو كان أكبر، يمكن أن يصبح ولي أمر لابني الذي أنا لا يمكنني أن أصبح ولية أمره وهما اثنانهما أبنائي؟ أي تصبح لابني صلاحيات على أخيه أكبر من صلاحياتي أنا عليه؟ قالت لها نعم هذا النظام!
أصدقائي، سمعنا مؤخراً بأن الأم أصبح لها الحق في استخراج أوراق الأبناء من شهادات ميلاد ودفتر العائلة قانونياً، وفرحنا واستبشرنا. ولكن ما فائدة هذا إن لم تكن لها الحق في تسجيل أبنائها في المدارس؟
نحن نتحدث عن تعليم وليس ترفيها أو سفرا؟ التعليم حق لكل طفل حسب القوانين العالمية، ومنظمة اليونيسيف في المادة الثامنة والعشرين تضع تعليم الطفل كأولوية وتنص على أن التعليم حق لكل طفل وخاصة التعليم الابتدائي. فإذا اشترطت مدارسنا وجود ولي أمر غير الأم ولم يكن يوجد غيرها فهل يترك الطفل بلا تعليم؟ هذا يتنافى مع أدنى حقوق الطفل.
إن لم يحقق قرار السماح للمرأة باستخراج الأوراق الثبوتية هدفه فما الفائدة منه؟ ما الفائدة من أن أحصل على ورق ولا أستطيع استخدامه؟
يجب علينا التفكير الجاد في توفير منظومة كاملة لن أقول للمساواة (حتى لا يأكلني البعض) ولكن لتحقيق العدالة المنطقية والعقلانية والشرعية. في زمن أحد الصحابة خُير أحد الصبيان أمام القاضي بين أمه وأبيه فاختار الأب. فأخذ بيده وهمّ بالرحيل، فقالت المرأة للقاضي ألا تسأله لم أختار أباه؟ قال الولد: لأن أبي يتركني ألعب مع الصبيان، وأمي تأخذ بي إلى الشيخ ليعلمني القراءة والقرآن ويضربني. فأمر القاضي للأم بالولاية.
كان هذا في القرون السابقة، وها نحن الآن: أب سكير أو مدمن أو معنِف، لا يهم، المهم أنه رجل. أب غائب أو مسافر أو مشغول، لا يهم، يجب أن ينتحر ويقطع نفسه أو يستنسخ منه «آفاتار» ليراجع المعاملات والدوائر فلا شيء يتم دون وجوده، وفي هذا إرهاق وعبء حتى على الأب! والأم قد تحمل أعلى الشهادات وتجيد اللغات وتحضر المؤتمرات هنا وهناك ولكنها تبقى «غير معترف بها». وكل عام والأمهات بخير.
altawati@gmail.com