متلازمة الكتابة والقراءة
هديل
الاثنين / 28 / جمادى الآخرة / 1438 هـ الاثنين 27 مارس 2017 01:40
عبدالمحسن هلال
معرفتي بالنقد الأدبي تفوق بمراحل معرفة تشومسكي ودريدا بلعبة «الكيرم»، أما إلمامي بمفهوم «الحداثة» فقد سارت به الركبان، درجة أن أخرجني أحدهم من الملة في كتاب شهير له كفر فيه جميع الحداثيين قبل كم من السنين، بسبب مقال وحيد ضد موقف مشين لصحيفة من أديب حداثي شارك في ندوة أدرتها. هذا ليس حديثا في النقد الأدبي والحداثة، ولا عن اللسانيات وتفجير النصوص وإعادة بنائها، والكتابة تحت أو فوق الأقواس، أو عن الإسفلت الذي يبتلع الطريق، هو حديث تثاقف عن القراءة والتأليف.
يكفي ما شغلتنا به الحداثة الأدبية سنينا عن المعنى الحقيقي للحداثة في العلم والصناعة والتقانة، فحوصرنا، حتى في عهد ما بعد الحداثة، في كهف اللغة والأدب، ولولا بقية من إسلام لقلت أعادتنا، وإن بأدوات حديثة، لعصر الرجل الجاهلي الذي وجد نفسه في اللغة والأدب، فأنتج شعرا وحِكما أخلاقية مثالية نام في كهفها سنينا، وبالتبعية أصبح معظم إنتاجنا مما يعرض في فترينة التاريخ ومما يسمى نستولجيا فكرية. لم أعتقد يوما بنظرية موت المؤلف بزعم النقاد، مع الاعتراف بأهمية الفصل بين القول والقائل، الموت يفترض التغييب الكامل للمؤلف والتركيز على النص، وبرغم وجاهة المطلب إلا أنه صعب المنال، يماثل فكرة الموضوعية في البحوث العلمية، أمور لا يمكن الحكم بقطعيتها كحدود فاصلة، هي موجودة بدرجة أو أخرى، والقارئ الجيد يتحكم في مفرزاتها وتأثيراتها فيحاول تحييدها.
لم يلبث دعاة موت المؤلف من النقاد، أن فوجئوا بنظرية موت الناقد، كما بشر استفتاء النيويورك تايمز نهاية العام 2011، أترك للسادة النقاد مهمة إنقاذ رؤوسهم، وأعود للمؤلف والكاتب. والمرء حقيقة لا يحتاج ناقدا لشرح النص أو تفسيره، القرآن الكريم مثلا أفضل مفسر له هو القرآن ذاته كما قال حبر الأمة رضي الله عنه، كذلك بقية النصوص، تفسر نفسها بمعرفة القول وسياقاته وأقوال المؤلف الأخرى. يمكن للقارئ المتمرس معرفة كاتب النص من النص، أضرب أمثلة مبسطة، وعليكم التدرج في الصعوبة، للتراكيب اللغوية واستخدام مفردات ومصطلحات معينة. لو قرأت نصا واحدا للمنفلوطي ستتعرف على بقية نصوصه، العقاد وطه حسين يسهل التفريق بين أسلوبيهما، وإن تبحرت أكثر ستتعرف على تراويح الثاني وسبكيات الأول، عمق الجابري يختلف عن تعمق الطيب تزيني، إسهابات حسن حفني مقارنة بمباشرة برهان غليون، وهكذا.
السؤال: هل سنقف هنا، نكتفي بمعرفة الأسلوب والتفكير والاتجاه، (كثيرون يبتسرون اهتمام أو تخصص المؤلف بوسم «اتجاه»). التوقف عند النص يفعله معظم القراء، آخرون تظل تطل عليهم بين صفحات الكتاب أو سطور المقالة ما يعرفه خارجيا عن المؤلف و«اتجاهاته»، فتتحول المعرفة إلى تصنيف Labeling، وحتى هذه، أقول مضطرا، لا بأس بها، لكنها تتطور عند البعض لتصبح لوثة فكرية يهاجم بها هذا التوجه أو ذاك، بدلا من الاكتفاء بمعرفة التوجه للرد عليه أو اكتفاء لشره، كما يتعلم المرء لغة قوم.
يكفي ما شغلتنا به الحداثة الأدبية سنينا عن المعنى الحقيقي للحداثة في العلم والصناعة والتقانة، فحوصرنا، حتى في عهد ما بعد الحداثة، في كهف اللغة والأدب، ولولا بقية من إسلام لقلت أعادتنا، وإن بأدوات حديثة، لعصر الرجل الجاهلي الذي وجد نفسه في اللغة والأدب، فأنتج شعرا وحِكما أخلاقية مثالية نام في كهفها سنينا، وبالتبعية أصبح معظم إنتاجنا مما يعرض في فترينة التاريخ ومما يسمى نستولجيا فكرية. لم أعتقد يوما بنظرية موت المؤلف بزعم النقاد، مع الاعتراف بأهمية الفصل بين القول والقائل، الموت يفترض التغييب الكامل للمؤلف والتركيز على النص، وبرغم وجاهة المطلب إلا أنه صعب المنال، يماثل فكرة الموضوعية في البحوث العلمية، أمور لا يمكن الحكم بقطعيتها كحدود فاصلة، هي موجودة بدرجة أو أخرى، والقارئ الجيد يتحكم في مفرزاتها وتأثيراتها فيحاول تحييدها.
لم يلبث دعاة موت المؤلف من النقاد، أن فوجئوا بنظرية موت الناقد، كما بشر استفتاء النيويورك تايمز نهاية العام 2011، أترك للسادة النقاد مهمة إنقاذ رؤوسهم، وأعود للمؤلف والكاتب. والمرء حقيقة لا يحتاج ناقدا لشرح النص أو تفسيره، القرآن الكريم مثلا أفضل مفسر له هو القرآن ذاته كما قال حبر الأمة رضي الله عنه، كذلك بقية النصوص، تفسر نفسها بمعرفة القول وسياقاته وأقوال المؤلف الأخرى. يمكن للقارئ المتمرس معرفة كاتب النص من النص، أضرب أمثلة مبسطة، وعليكم التدرج في الصعوبة، للتراكيب اللغوية واستخدام مفردات ومصطلحات معينة. لو قرأت نصا واحدا للمنفلوطي ستتعرف على بقية نصوصه، العقاد وطه حسين يسهل التفريق بين أسلوبيهما، وإن تبحرت أكثر ستتعرف على تراويح الثاني وسبكيات الأول، عمق الجابري يختلف عن تعمق الطيب تزيني، إسهابات حسن حفني مقارنة بمباشرة برهان غليون، وهكذا.
السؤال: هل سنقف هنا، نكتفي بمعرفة الأسلوب والتفكير والاتجاه، (كثيرون يبتسرون اهتمام أو تخصص المؤلف بوسم «اتجاه»). التوقف عند النص يفعله معظم القراء، آخرون تظل تطل عليهم بين صفحات الكتاب أو سطور المقالة ما يعرفه خارجيا عن المؤلف و«اتجاهاته»، فتتحول المعرفة إلى تصنيف Labeling، وحتى هذه، أقول مضطرا، لا بأس بها، لكنها تتطور عند البعض لتصبح لوثة فكرية يهاجم بها هذا التوجه أو ذاك، بدلا من الاكتفاء بمعرفة التوجه للرد عليه أو اكتفاء لشره، كما يتعلم المرء لغة قوم.